في بعض العلاقات، يظهر أشخاص يعتقدون أن الطريق إلى القوة يمرّ عبر التقليل من الآخرين. ليس بالضرورة أن يبدأون حديثًا قاسيًا، لكنهم يمارسون نوعًا من السلوك المتعالي، الذي يهدف إلى إضعاف الطرف المقابل وإشعاره بأنه أقل قيمة. مع العلم بأن هذا الأسلوب ليس اختيارًا عابرًا، بل عادة تبنى على شعور داخلي بالنقص محاولين إخفاءه تحت مظاهر القوة ومن أكثر المواقف المربكة أن يصرّ أحدهم على مقابلتك، يتشدد في تحديد الوقت والمكان، ثم يجلس أمامك منشغلًا بهاتفه وكأن وجودك غير مهم. هذا التجاهل المتعمَّد ليس سهوًا، بل رسالة صامتة بأنه أعلى شأنًا، وأن وقتك ليس ذا قيمة. وما يبدو سلوكًا بسيطًا يخفي في الحقيقة رغبة في خلق تفوق وهمي على حساب احترامك. لكن الحقيقة أن من يتعمّد التجاهل أو التقليل لا يفعل ذلك لأنه واثق، بل لأنه يفتقد الأمان الداخلي. الشخص الذي يمتلك تقديرًا صحيًا لذاته لا يحتاج إلى إذلال الآخرين ليبدو كبيرًا، ولا يلجأ لخلق شعور زائف بالهيبة عبر إهمال من أمامه. فالإهانة بكل أشكالها ليست إلا غطاءً هشًا يختبئ تحته خوف عميق من الظهور على طبيعته. ومن المؤسف أن البعض قد يظن أن هذا التجاهل دليل مكانة، أو اختبار محبة، بينما هو في الحقيقة انعكاس لمشكلة لا علاقة للآخرين بها. فالشخص الذي يجلس معك ولا يمنحك حضورًا، هو شخص غير حاضر مع نفسه أصلًا. وكلما تعمق في التقليل منك، كلما كشف بشكل أوضح عن اضطرابه، لا عن قيمة الآخرين . لذلك، من المهم ألا نُفسَّر الإهانة على أنها مقياس لنا، بل دليل على خلل في الطرف الآخر. والاحترام الحقيقي يبدأ عندما يدرك الفرد انه يستحق معاملة تليق به، وأن العلاقة التي تجعلنا غير مرئيين فيها لا تستحق أن نُكمل فيها. فاختيارنا لذواتنا هي الخاتمة الأقوى لكل إهانة تُلقى في طريقنا وأن والكرامة لا تُباح من أجل علاقة لا تمنحنا حق الوجود.