أمين مجلس التعاون : عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة للوراء في جهود تحقيق السلام    السعودية: نأسف لفشل مجلس الأمن الدولي في قبول العضوية الكاملة لفلسطين    كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    أول متجر تطبيقات بديل ل"آب ستور"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    "الشباب" يهزم أبها بخماسية في "دوري روشن"    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    انتعاش الحرف التراثية بمهرجان محمية الملك سلمان    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    الطائي يصارع الهبوط    كريسبو للهلاليين: راح آخذ حقي    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    «التراث»: استيطان كهف «أم جرسان» بالمدينة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد    ذات الأكمام المفتوحة نجمة الموضة النسائية 2024    العراق.. صدمة وخيبة أمل    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    السلطة الفلسطينية تندد بالفيتو الأميركي    المستقبل سعودي    الدمّاع والصحون الوساع    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    الرباط الصليبي ينهي موسم أبو جبل    في حب مكة !    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    الإصابة تغيب كويلار أربعة أسابيع    فيصل بن تركي وأيام النصر    التوسع في المدن الذكية السعودية    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    السجن 5 سنوات وغرامة 150 ألفاً لمتحرش    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خطيب المسجد الحرام»: من أرجى مواضع حسن الظن بالله الإجابة عند الدعاء وحضور الأجل (فيديو)
نشر في تواصل يوم 15 - 05 - 2020

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله وحسن الظَّنَّ به سبحانه وتعالى.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام أيُّها المسلمونَ: إنَّ أهلَ الإيمانِ في شهرِ القرآنِ شهرِ رَمَضانَ يَعْكُفونَ على كلامِ ربِّهم عُكوفَ مُحِبٍّ على مَحبوبِه، فيَتْلُونَه حقَّ تِلاوتِه، ويجعلونَ صُحْبتَه شُغلَهم آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، لا يَسأَمُونَ ولا يَفْتُرون، ويتَّخِذون تدبُّرَ مَعانِيْهِ، ومَوْعِظةَ القُلوبِ بعُيونِ رَقائِقِه ومَثَانِيْهِ حَادِيَهم في طَريقِهم إلى اللهِ.
وأضاف يقول يُؤْثِرُونَ تِلاوتَه وتَدبُّرَه على سائر المحبوباتِ، مِنْ طَعامٍ ومَنامٍ وسَمَرٍ يُرام، فلا تجري ألسنتُهم إلا بتَرْتيلِه، ولا تَرْنُو أبصارُهم إلَّا إلى مَوْعودِه، ولا تطَّلعُ أفْئدتُهم إلا إلى زَجْرِهِ ووَعِيدِه، قدِ اتَّخذوهُ صاحِبًا وحَبِيبًا، وأَنِيسًا وسَميرًا، واتَّخذوا مِنْ مَعانِيه غِذَاءَ ألبابِهم، وقُوتَ قُلوبِهم، ولَذَّةَ أَرْواحِهم، ونَعِيمَها وأُنْسَها وسُرورَها ولقد رَأَوْا في مَثَاني هذا الكتابِ: (بصائرَ) تُنَجِّيهِمْ مِنَ العَمَى، و(بَيِّناتٍ) تُوصِلُهم إلى الهُدى، وحِكَمًا مُصَرَّفةً، وأمثالًا مَضْرُوبةً، تَسْتَحِثُّ عقولَهم، وتُنَوِّر بصائرَهم!
وبين الدكتور بليله إنَّهمْ في شَأْنٍ، وغيرُهم في شَأْنٍ، قَدِ امتازُوا عنْ غيرِهم: بأنَّهم رَأَوا القُرْآنَ (رَسَائلَ) مِنْ ربِّهم عزَّ وجلَّ؛ فهُمْ يتدَبَّرونها في الصَّلواتِ، ويُلازِمونَها في الخَلَواتِ، ويَمْتَثِلُونَها في الطَّاعاتِ والسُّنَنِ المتَّبعاتِ.
فإنْ شِئتَ أنْ تَصِفَ حالَهم فما أحْسَنَ أنْ تقولَ: ألْسِنَتُهم مَغارِفُ ألفاظِهِ، وقُلوبُهم مَرَابِعُ هِدَاياتِه، وعُقُولُهم أَوْعِيَةُ حقائِقِه وبَيِّناتِه، فالألْسِنَةُ تُرَتِّلُ وتُحَبِّرُ، والعُقُولُ تتَفَكَّرُ وتتدبَّرُ، والقلوبُ تتَّعِظُ وتَنْزَجِرُ وتَتَبَصَّرُ! ولا عَجَبَ أنْ كان هذا حالَهم؛ فإنَّه كلامُ ربِّ العالمين، وفضلُه على غيرِه مِنَ الكلامِ، كفضلِ اللهِ على خَلْقِه، كلامٌ لو نزلَ على الأرض لقَطَّعَها أو على الجِبالِ لصَدَّعَها!
وأكد أنه إذا أراد اللهُ بعَبِيدِه المُقبِلينَ على كلامه خيرًا، فَتحَ لهم من فَهْمِه وإدراكِ حقائقِه ما تسمُو به همَمُهم، وتَزْكو به نفوسُهم، وتَطِيبُ به حياتُهم، وتحسُنُ أحوالُهم، وما يكونُ لهم بلاغًا إلى حينٍ.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنَّ من المعاني التي بثَّها ربُّهم بَيْنَ أيديهم في كتابِهِ وأرادَ منهم أنْ يعقِلوها؛ لِيَحسُن حالُهم، ويَطيبَ مآلُهم: حُسنَ الظَّنِّ به سبحانه، فهو مِلاكُ الخَيْر الذي أُرِيدَ لهم، وهُوَ أَنْبَلُ مَراتِبِ مُعَامَلَتِهِمْ لرَبِّهِمْ تعالى ذِكْرُه؛ فإنَّهم به يرْجُونَ جميلَ صُنعِه بهم، ويؤمِّلُون لُطْفَه وبِرَّه، ويَرْغَبونَ في إحسانِه وجُودِه، وهذا مِنْ أحْسَنِ الاعتِقَادِ في الرَّبِّ وأكمَلِه، وهو اللَّائقُ بكمالِه وجَلالِه، وهُوَ مُتَولِّدٌ عن مَعْرِفَتِه حقَّ مَعْرِفَتِه، وقَدْرِه حقَّ قَدْرِهِ! وحَقِيقٌ بمَنْ يَقْرأُ قولَه سُبحانَه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ)، أَنْ يَطْمَعَ في مَغْفِرَةِ ذي الجَلالِ، وأنْ يُؤَمِّلَ فيها جُهْدَه، ولا يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَتِه، ولا يَيْأَسَ مِنْ رَوْحِه! وحَقيقٌ بمَنْ يقرَأُ قولَه تعالى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً) أَنْ يَرْجُوَ سَعَةَ رَحْمَةِ الرَّبِّ لهُ، وشُمولَها لخَطاياه، وأَنْ يَرى رَحْمتَه أَرْجَى مِنْ عَمَلِه، ومَغْفِرَتَه أَوْسَعَ مِنْ ذُنُوبِه! وحَرِيٌّ بمَنْ طَرَقَ سَمْعَهُ قولُ خالِقِه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) أنْ يكونَ بعدَ العَمَلِ بها حَسَنَ الظَّنِّ بنَيْلِ مَوْعُودِها، مُتَرَقِّبَ الحُصُولِ على جزائها، قَريبَ الأمَلِ، وَافِرَ الفَأْلِ؛ حتَّى يكونَ من عباده الذين لا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون، في دنياهم، وأخراهم، في عاجلِ أمرِهِمْ وآجِلِه!
وقال فضيلته جَدِيرٌ بمَنْ يتلُو قولَه عزَّ اسمُه: (إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ). ثمَّ يستوفي خِلالَها جُهْدَهُ- فيلازِمُ الكتابَ وإِقَامَ الصَّلاةِ والإنْفاقَ في وُجوهِ الخَيْراتِ- أنْ يكونَ مِنْ أعظَمِ الرَّاجِينَ لنَيْلِ مَوْفُورِ الأجُورِ، ومَزِيدِ الفَضْلِ مِنْ لَدُنْ غَفُورٍ شَكُورٍ؛ فإنَّه قد أَطْمَعَهُمْ في رَجائِه، ودَعَاهُم إليه، والكَرِيمُ إذا أَطْمَعَ أَوْجَبَ، وَإِذَا أمَّلَ حَقَّقَ!
وأردف قائلا إنَّهُ لحَرِيٌّ بمَنْ يَلْهَجُ بقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) أَنْ يَفْسَحَ في نَفْسِه سماءَ الرَّجَاءِ، ويَفتَحَ لها أبوابَ الطَّمَعِ في كَرَمِ اللهِ وحُسْنِ الظَّنِّ به سُبحانَه، فيَهْرُبَ مِنْ ضِيقِ الهُمومِ والغُمومِ والأحزانِ والمَخَاوِفِ إلى سَعَةِ فَضَاءِ الثِّقَةِ بالله تبارك وتعالى، وَصِدْقِ التَّوَكُّلِ عليه، وحُسْنِ الرَّجاءِ لجَميلِ صُنْعِه بِهِ، وتَوَقُّعِ المَرْجُوِّ مِنْ لُطْفِه وبِرِّهِ، وجُودِه وإحسانِه؛ فإنَّه لا أشْرَحَ للصَّدْرِ ولا أَوْسَعَ له -بَعْدَ الإيمانِ- مِنْ ثِقَتِه باللهِ ورجائِه له وحُسْنِ ظَنِّهِ به؛ وذلك أنَّه رجاءٌ مضمونٌ، وحُسْنُ ظَنٍّ مَأمونٌ، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن ربِّه في الحديث القدسي: “يقول اللهُ تعالى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي” متَّفق عليه.
قال الإمامُ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: “وكلَّما كان العبدُ حَسَنَ الظَّنِّ باللهِ، حسنَ الرَّجاءِ له، صادقَ التوكُّلِ عليه؛ فإنَّ اللهَ لا يُخيِّبُ أمَلَه فيه البَتَّة؛ فإنَّه سبحانه لا يُخَيِّب أَمَلَ آمِلٍ، ولا يُضَيِّعُ عَمَلَ عامِلٍ”.
وأبان الدكتور بندر بليلة أن مِنْ شَريفِ حُسْنِ الظَّنِّ به جلَّ شأنُه: أنْ يَظُنَّ العبدُ بربِّه أنَّه ما أذاقه مَرَارَةَ الكَسْرِ إلا لِيُذِيقَه حَلاوة الجَبْرِ، فما كَسَرَ عبدَه المؤمنَ إلا لِيَجبُرَه، ولا مَنَعَه إلا لِيُعطِيَه، ولا ابتلاه إلا ليُعافِيَه، ولا أماته إلا ليُحْيِيَه، ولا نغَّصَ عليه الدُّنْيا إلا لِيُرغِّبَه في الآخرة، ولا ابتلاه بجَفاءِ النَّاسِ إلا لِيَرُدَّه إليه، ويَسْتَخْلِصَه لنَفْسِه، ويَصْطَفِيَه لأُنْسِه!
مشيراً إلى أن مِنْ أرْجى مواضعِ حُسْنِ الظَّنِّ بالله وأحْسَنِها: ظنُّ الإجابةِ عندَ الدُّعاءِ؛ ففي الحديث: «اُدْعُوا اللهَ وأنتُمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ» أخرجه الترمذي، وظَنُّ قَبولِ التَّوبَةِ لمَنْ تابَ، وظَنُّ المَغْفِرَةِ عند الاستِغْفَارِ؛ تصديقًا بوَعْدِه الحَقِّ، وظَنُّ العَفْوِ والرَّحْمةِ عند حُضورِ الأَجَلِ؛ ففي الحديث: “لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ”، أخرجه مسلم.
وبين فضيلته أن لحُسْنِ الظَّنِّ بالرَّبِّ جلَّ جَلالُه بَواعِثَ تبعَثُ عليه، وتُعِينُ عليه، ومن ذلك: مَعْرِفةُ العَبدِ ربَّه سبحانه: بأسمائه وصِفاتِه على الوَجْهِ الذي ذكره في كتابِه وسُنَّةِ نبيِّه صلى اللهُ عليه وسلم؛ فإنَّ مَنْ عَرَفَ الله بأسمائِهِ وصفاتِه، أحبَّه، فإذا أحبَّهُ رجاهُ وأحْسَنَ الظَّنَّ به، ووَثِق بِهِ، وتَوَكَّل عليه، وأَقْبَلَ بكُلِّيَّتِه عليه، وإنَّما يكون سوءُ الظَّنِّ بالله ممَّنْ جَهِل كَرَمَ وجهِهِ، وعِزَّ جَلالِه، وعَمِيَ عن جميلِ أوصافِه، وما تقتضيه من الكمالِ والجلالِ، فَلَهُ الأسماءُ الحُسْنَى، والصِّفَاتُ العُلَى، والأفعالُ الجُلَّى، سُبحانَه جلَّ شأنُه!
كما أبان الدكتور بليلة أن مِنْ بواعِثِ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى أيضًا: تدبُّرُ شَرِيعَتِه القَويمَةِ، والنَّظَرُ إلى ما فيها من الأحكامِ والحِكَم؛ فإنَّها شريعةٌ وَضَعَ اللهُ بها الآصارَ والأغلالَ، ورَفَعَ بها الحَرَجَ، ووسَّع فيها سُبُلَ الخَيْراتِ، وجَعَلَها شَريعةً وَسَطًا، لا غُلُوَّ فيها ولا جَفَاءَ، فهي شريعةٌ حَنِيفيَّةٌ سَمْحةٌ سَهْلةٌ، كلُّها عدلٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ وخيرٌ وبرٌّ ومعروفٌ، وذلك مدعاةٌ إلى حُسْنِ الظَّنِّ بمُشَرِّعها ومُنْزِلِها للعبادِ، وأنَّه لا يُرِيدُ بِهِم إلا الخيرَ والصَّلاحَ في معاشِهم ومعادِهم.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن َمِنْ بَوَاعِثِ حُسْنِ الظَّنِّ به سُبحانَه كذلك: تأمُّلُ سُنَّتِه الكَونيَّةِ في خَلْقِهِ لهذا العالَمِ، وما فيه من مَظاهِرِ الحِكْمَةِ والرَّحْمَةِ والبِرِّ والإحسانِ، وغَلَبَةِ الخَيْرِ على الشَّرِّ، فقد خلق اللهُ عِبادَه في أَحْسَنِ تقويمٍ، وأسكنهم في أرضٍ مُمَهَّدَةٍ، وسَخَّرَ لهم ما في السَّمَواتِ والأرضِ جميعًا منه؛ ودبَّرَ لهم مِنْ مَلَكُوتِه ما تَصْلُحُ بِهِ حَيَاتُهُمْ، ويَطِيبُ به مَعَاشُهم، فدَرَجُوا على هذه الأرضِ مُطْمَئِنِّينَ آمِنِينَ، تحوطُهُم الأقْوَاتُ والأَرْزَاقُ، وتَعُمُّهم الخَيْرَاتُ والبَرَكَاتُ، ومِنْ فَضْلِه سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَ الخَيْرَ والسَّلامَةَ هو الغَالِبَ على عامَّةِ الخَلْقِ، وجَعَلَ البَلاءَ والفِتْنَةَ عارِضًا لا يَدُومُ، وطائِفًا لا يَلْبَثُ!
وقال فضيلته في خطبته الثانية لولا صُروفُ البلاءِ لأخْلَدَ النَّاسُ إلى الأرضِ، ورَغِبوا بها عمَّا أُعِدَّ لهم من طَيِّباتِ الحياةِ الأُخْرَى، التي هي خيرٌ وأبقى، فتأمَّلْ حِكْمَتَه سُبحانَه في هذهِ الدَّارِ: كيفَ جَعَلَ نَعِيمَها ولذائِذَها سَبَبًا في عِمارَتِها حتَّى حينٍ! وجعل آلامَها المكدِّرَةَ لنعيمها باعثًا على تَطَلُّبِ النَّعيمِ الَّذي لا يَشُوبُهُ نَصَبٌ ولا وَصَبٌ ولا هَمٌّ ولا حَزَنٌ؛ فإنَّ النَّفْسَ بجِبِلَّتِها تطمَحُ إلى اللَّذَّةِ التي لا يَشُوبُها ألمٌ، والنِّعْمَةِ التَّامَّةِ التي لا يُكَدِّرُها الرَّهَقُ والحِرْمَانُ!
وأكد فضيلته أن، حِكْمَةُ أحْكَمِ الحاكِمينَ وأرْحَمِ الرَّاحِمينَ اقتَضَتْ: تِلْكَ المُزاوَجَةَ بَيْنَ القَبِيلَيْن في الدُّنْيا: نَعِيمٌ مَشُوبٌ بألمٍ، وخَيْرٌ ممزوجٌ بشَرٍّ؛ لِيَبْقى الإنْسانُ بين السَّاكِن إلى الدُّنْيا، والمُقْبِلِ على الآخرةِ، فلا يَسْكُنَ إلى الدُّنْيا سُكونًا يُنْسِيْهِ الآخِرةَ، فيَخْسَرَ الخُسْرانَ المبينَ، ولا يَتْرُكَها صَرْمًا فَيَضْعُفَ في معاشِهِ، ويَضْعُفَ في طريقه إلى الله، بل لا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ من السُّكونِ يستطيعُ به العَيْشَ عليها، وإنفاذِ مُرادِ الله فيها، واتِّخاذِها مَزْرَعَةً للآخرةِ، وطريقًا مُوصِلًا إلى نعيمِها الأَبَدِيِّ!
وختم الدكتور بندر بليلة خطبته بالقول إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللهِ شَجَرَةٌ تُنبِتُ أشرفَ الأحوالِ، وتُثمِرُ أينعَ المعارِفِ؛ فألًا ورجاءً، وانشراحَ صَدْرٍ، واطمئنانَ قَلْبٍ، وسُرُورَ خَاطِرٍ، وسَعَةَ حالٍ، وانبِسَاطَ آمالٍ! فما أحسنَها مِنْ شَجَرَةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السَّماءِ: تُؤْتِي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها! هذا، وإنَّ من الحَرِيِّ بأهلِ الإيمانِ وقد أقبلتْ إليهم هذه العَشرُ المعظَّمةُ من رمضانَ: أنْ يَعْمُروها أَحْسَنَ عِمارةٍ بالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ محسنينَ الظَّنَّ بربِّهم تبارك وتعالى: أنَّه سيُعينُهم على ذِكْرِه وشُكْرِه وحُسْنِ عِبَادَتِه، على أتمِّ جِدٍّ واجتهادٍ وتَشْمِيرٍ، مُتَأَسِّين بما كان عليه نبيُّهم صلى الله عليه وسلم في هذه العَشْرِ؛ فقد “كان صلى الله عليه وسلم يَجتَهِدُ في العَشْر الأواخِرِ ما لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِها” متفق عليه، و«كان صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا دَخَلَ العَشْرُ أحيا اللَّيلَ، وأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ، وشَدَّ المِئْزَرَ» متفق عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.