محافظ الطائف يستقبل قيادات المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    اتفاقية لإنشاء أربع محطات لتحلية المياه في قطاع غزة    العربي إلى المرتبة الثالثة عشر ( بلدية محايل )    تعليم ظهران الجنوب يكرم المساعد سعيد الوادعي بمناسبة التقاعد    الأمير سعود بن نهار يُكرّم طلاب التعليم الحاصلين على جوائز دولية في معرض "ITEX" الدولي 2025    استمرار الرياح النشطة على معظم مناطق المملكة    وفاة الأمير فيصل بن خالد بن سعود بن محمد آل سعود بن فيصل آل سعود    جمعية الثقافة والفنون بجدة تنظّم معرض "إلهام"    جامعة أم القرى تُحرز تقدمًا عالميًا في تصنيف "التايمز" لعام 2025    ارتفاع اسعار النفط    الأخضر السعودي يتعادل مع ترينداد وتوباغو ويتأهل لربع نهائي كونكاكاف    تحديد موقع المركبة اليابانية المتحطمة    عام 2030 الإنسان بين الخيال العلمي والواقع الجديد    سر انتشار البشر خارج إفريقيا    "البيئة": بدء بيع المواشي الحية بالوزن الخميس المقبل    مونديال الأندية| ريال مدريد يتغلب على باتشوكا بثلاثية    بحث تطورات الأوضاع مع ماكرون وميلوني.. الأمير محمد بن سلمان: ندعو لضبط النفس وحل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية    في ثالث جولات مونديال الأندية.. الأهلي المصري يواجه بورتو.. وتعادل ميامي وبالميراس يؤهلهما معاً    116 مليون سائح عام 2024.. 284 مليار ريال إنفاقاً سياحياً في السعودية    تحت رعاية خادم الحرمين.. نائب أمير الرياض يكرّم المنشآت الفائزة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة    وزير الداخلية يستقبل سفير المملكة المتحدة    تيسير إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن الإيرانيين    ضبط مقيم لنقله 13 مخالفاً لنظام أمن الحدود    إطلاق النسخة ال5 من مبادرة السبت البنفسجي    تجنباً لانزلاق المنطقة نحو الفوضى.. دول عربية وإسلامية تدعو للحوار لاستقرار المنطقة    السعودية تدين الهجوم على كنيسة في دمشق    أكد الاحتفاظ بكافة الخيارات للرد.. عراقجي: هجوم واشنطن انتهاك صارخ للقانون الدولي    علقان التراثية    المملكة تختتم مشاركتها في معرض سيئول للكتاب.. الثقافة السعودية تعزز حضورها عالمياً    هيئة التراث تسجل 5,900 موقع ومبنى جديد    إثراء" يشارك في مهرجان "كونسينتريكو" الدولي للعمارة    اقبلوا على الحياة بالجد والرضى تسعدوا    حملة لإبراز المواقع التاريخية في العاصمة المقدسة    في المسجد    نصائح لتجنب سرطان الجلد    العمل ليلا يصيب النساء بالربو    فيروسات تخطف خلايا الإنسان    الهلال يتعادل سلبيا مع سالزبورغ بكأس العالم للأندية    الأحساء تستعرض الحرف والفنون في فرنسا    محاولة جديدة من الهلال لضم ثيو هيرنانديز    قوة السلام    عسير تستعد لاستقبال السياح    مبادرة للتبرع بالدم في "طبية الملك سعود"    تنظيم السكن الجماعي لرفع الجودة وإنهاء العشوائيات    أمر وحيد يفصل النصر عن تمديد عقد رونالدو    مستشفى المذنب يحصل على تجديد "سباهي"    إنقاذ حياة امرأة وجنينها بمنظار تداخلي    40 مليار ريال حجم الاقتصاد الدائري بالمملكة    تباين في أداء القطاعات بسوق الأسهم السعودية    الضّب العربي.. توازن بيئي    أكثر من 19 ألف جولة رقابية على جوامع ومساجد مكة    أمير قطر يبحث هاتفيًّا مع رئيسة وزراء إيطاليا آخر المستجدات الإقليمية والدولية    وزير الداخلية يودع السفير البريطاني    الشؤون الإسلامية توزع هدية خادم الحرمين من المصحف الشريف على الحجاج المغادرين عبر منفذ عرعر    أمراء ومسؤولون يؤدون صلاة الميت على مشعل بن عبدالله    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    الجبهة الداخلية    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خطيب المسجد الحرام»: من أرجى مواضع حسن الظن بالله الإجابة عند الدعاء وحضور الأجل (فيديو)
نشر في تواصل يوم 15 - 05 - 2020

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله وحسن الظَّنَّ به سبحانه وتعالى.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام أيُّها المسلمونَ: إنَّ أهلَ الإيمانِ في شهرِ القرآنِ شهرِ رَمَضانَ يَعْكُفونَ على كلامِ ربِّهم عُكوفَ مُحِبٍّ على مَحبوبِه، فيَتْلُونَه حقَّ تِلاوتِه، ويجعلونَ صُحْبتَه شُغلَهم آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ، لا يَسأَمُونَ ولا يَفْتُرون، ويتَّخِذون تدبُّرَ مَعانِيْهِ، ومَوْعِظةَ القُلوبِ بعُيونِ رَقائِقِه ومَثَانِيْهِ حَادِيَهم في طَريقِهم إلى اللهِ.
وأضاف يقول يُؤْثِرُونَ تِلاوتَه وتَدبُّرَه على سائر المحبوباتِ، مِنْ طَعامٍ ومَنامٍ وسَمَرٍ يُرام، فلا تجري ألسنتُهم إلا بتَرْتيلِه، ولا تَرْنُو أبصارُهم إلَّا إلى مَوْعودِه، ولا تطَّلعُ أفْئدتُهم إلا إلى زَجْرِهِ ووَعِيدِه، قدِ اتَّخذوهُ صاحِبًا وحَبِيبًا، وأَنِيسًا وسَميرًا، واتَّخذوا مِنْ مَعانِيه غِذَاءَ ألبابِهم، وقُوتَ قُلوبِهم، ولَذَّةَ أَرْواحِهم، ونَعِيمَها وأُنْسَها وسُرورَها ولقد رَأَوْا في مَثَاني هذا الكتابِ: (بصائرَ) تُنَجِّيهِمْ مِنَ العَمَى، و(بَيِّناتٍ) تُوصِلُهم إلى الهُدى، وحِكَمًا مُصَرَّفةً، وأمثالًا مَضْرُوبةً، تَسْتَحِثُّ عقولَهم، وتُنَوِّر بصائرَهم!
وبين الدكتور بليله إنَّهمْ في شَأْنٍ، وغيرُهم في شَأْنٍ، قَدِ امتازُوا عنْ غيرِهم: بأنَّهم رَأَوا القُرْآنَ (رَسَائلَ) مِنْ ربِّهم عزَّ وجلَّ؛ فهُمْ يتدَبَّرونها في الصَّلواتِ، ويُلازِمونَها في الخَلَواتِ، ويَمْتَثِلُونَها في الطَّاعاتِ والسُّنَنِ المتَّبعاتِ.
فإنْ شِئتَ أنْ تَصِفَ حالَهم فما أحْسَنَ أنْ تقولَ: ألْسِنَتُهم مَغارِفُ ألفاظِهِ، وقُلوبُهم مَرَابِعُ هِدَاياتِه، وعُقُولُهم أَوْعِيَةُ حقائِقِه وبَيِّناتِه، فالألْسِنَةُ تُرَتِّلُ وتُحَبِّرُ، والعُقُولُ تتَفَكَّرُ وتتدبَّرُ، والقلوبُ تتَّعِظُ وتَنْزَجِرُ وتَتَبَصَّرُ! ولا عَجَبَ أنْ كان هذا حالَهم؛ فإنَّه كلامُ ربِّ العالمين، وفضلُه على غيرِه مِنَ الكلامِ، كفضلِ اللهِ على خَلْقِه، كلامٌ لو نزلَ على الأرض لقَطَّعَها أو على الجِبالِ لصَدَّعَها!
وأكد أنه إذا أراد اللهُ بعَبِيدِه المُقبِلينَ على كلامه خيرًا، فَتحَ لهم من فَهْمِه وإدراكِ حقائقِه ما تسمُو به همَمُهم، وتَزْكو به نفوسُهم، وتَطِيبُ به حياتُهم، وتحسُنُ أحوالُهم، وما يكونُ لهم بلاغًا إلى حينٍ.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنَّ من المعاني التي بثَّها ربُّهم بَيْنَ أيديهم في كتابِهِ وأرادَ منهم أنْ يعقِلوها؛ لِيَحسُن حالُهم، ويَطيبَ مآلُهم: حُسنَ الظَّنِّ به سبحانه، فهو مِلاكُ الخَيْر الذي أُرِيدَ لهم، وهُوَ أَنْبَلُ مَراتِبِ مُعَامَلَتِهِمْ لرَبِّهِمْ تعالى ذِكْرُه؛ فإنَّهم به يرْجُونَ جميلَ صُنعِه بهم، ويؤمِّلُون لُطْفَه وبِرَّه، ويَرْغَبونَ في إحسانِه وجُودِه، وهذا مِنْ أحْسَنِ الاعتِقَادِ في الرَّبِّ وأكمَلِه، وهو اللَّائقُ بكمالِه وجَلالِه، وهُوَ مُتَولِّدٌ عن مَعْرِفَتِه حقَّ مَعْرِفَتِه، وقَدْرِه حقَّ قَدْرِهِ! وحَقِيقٌ بمَنْ يَقْرأُ قولَه سُبحانَه: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ)، أَنْ يَطْمَعَ في مَغْفِرَةِ ذي الجَلالِ، وأنْ يُؤَمِّلَ فيها جُهْدَه، ولا يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَتِه، ولا يَيْأَسَ مِنْ رَوْحِه! وحَقيقٌ بمَنْ يقرَأُ قولَه تعالى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً) أَنْ يَرْجُوَ سَعَةَ رَحْمَةِ الرَّبِّ لهُ، وشُمولَها لخَطاياه، وأَنْ يَرى رَحْمتَه أَرْجَى مِنْ عَمَلِه، ومَغْفِرَتَه أَوْسَعَ مِنْ ذُنُوبِه! وحَرِيٌّ بمَنْ طَرَقَ سَمْعَهُ قولُ خالِقِه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) أنْ يكونَ بعدَ العَمَلِ بها حَسَنَ الظَّنِّ بنَيْلِ مَوْعُودِها، مُتَرَقِّبَ الحُصُولِ على جزائها، قَريبَ الأمَلِ، وَافِرَ الفَأْلِ؛ حتَّى يكونَ من عباده الذين لا خَوْفٌ عليهم ولا هم يحزنون، في دنياهم، وأخراهم، في عاجلِ أمرِهِمْ وآجِلِه!
وقال فضيلته جَدِيرٌ بمَنْ يتلُو قولَه عزَّ اسمُه: (إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ). ثمَّ يستوفي خِلالَها جُهْدَهُ- فيلازِمُ الكتابَ وإِقَامَ الصَّلاةِ والإنْفاقَ في وُجوهِ الخَيْراتِ- أنْ يكونَ مِنْ أعظَمِ الرَّاجِينَ لنَيْلِ مَوْفُورِ الأجُورِ، ومَزِيدِ الفَضْلِ مِنْ لَدُنْ غَفُورٍ شَكُورٍ؛ فإنَّه قد أَطْمَعَهُمْ في رَجائِه، ودَعَاهُم إليه، والكَرِيمُ إذا أَطْمَعَ أَوْجَبَ، وَإِذَا أمَّلَ حَقَّقَ!
وأردف قائلا إنَّهُ لحَرِيٌّ بمَنْ يَلْهَجُ بقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) أَنْ يَفْسَحَ في نَفْسِه سماءَ الرَّجَاءِ، ويَفتَحَ لها أبوابَ الطَّمَعِ في كَرَمِ اللهِ وحُسْنِ الظَّنِّ به سُبحانَه، فيَهْرُبَ مِنْ ضِيقِ الهُمومِ والغُمومِ والأحزانِ والمَخَاوِفِ إلى سَعَةِ فَضَاءِ الثِّقَةِ بالله تبارك وتعالى، وَصِدْقِ التَّوَكُّلِ عليه، وحُسْنِ الرَّجاءِ لجَميلِ صُنْعِه بِهِ، وتَوَقُّعِ المَرْجُوِّ مِنْ لُطْفِه وبِرِّهِ، وجُودِه وإحسانِه؛ فإنَّه لا أشْرَحَ للصَّدْرِ ولا أَوْسَعَ له -بَعْدَ الإيمانِ- مِنْ ثِقَتِه باللهِ ورجائِه له وحُسْنِ ظَنِّهِ به؛ وذلك أنَّه رجاءٌ مضمونٌ، وحُسْنُ ظَنٍّ مَأمونٌ، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن ربِّه في الحديث القدسي: “يقول اللهُ تعالى: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي” متَّفق عليه.
قال الإمامُ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: “وكلَّما كان العبدُ حَسَنَ الظَّنِّ باللهِ، حسنَ الرَّجاءِ له، صادقَ التوكُّلِ عليه؛ فإنَّ اللهَ لا يُخيِّبُ أمَلَه فيه البَتَّة؛ فإنَّه سبحانه لا يُخَيِّب أَمَلَ آمِلٍ، ولا يُضَيِّعُ عَمَلَ عامِلٍ”.
وأبان الدكتور بندر بليلة أن مِنْ شَريفِ حُسْنِ الظَّنِّ به جلَّ شأنُه: أنْ يَظُنَّ العبدُ بربِّه أنَّه ما أذاقه مَرَارَةَ الكَسْرِ إلا لِيُذِيقَه حَلاوة الجَبْرِ، فما كَسَرَ عبدَه المؤمنَ إلا لِيَجبُرَه، ولا مَنَعَه إلا لِيُعطِيَه، ولا ابتلاه إلا ليُعافِيَه، ولا أماته إلا ليُحْيِيَه، ولا نغَّصَ عليه الدُّنْيا إلا لِيُرغِّبَه في الآخرة، ولا ابتلاه بجَفاءِ النَّاسِ إلا لِيَرُدَّه إليه، ويَسْتَخْلِصَه لنَفْسِه، ويَصْطَفِيَه لأُنْسِه!
مشيراً إلى أن مِنْ أرْجى مواضعِ حُسْنِ الظَّنِّ بالله وأحْسَنِها: ظنُّ الإجابةِ عندَ الدُّعاءِ؛ ففي الحديث: «اُدْعُوا اللهَ وأنتُمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ» أخرجه الترمذي، وظَنُّ قَبولِ التَّوبَةِ لمَنْ تابَ، وظَنُّ المَغْفِرَةِ عند الاستِغْفَارِ؛ تصديقًا بوَعْدِه الحَقِّ، وظَنُّ العَفْوِ والرَّحْمةِ عند حُضورِ الأَجَلِ؛ ففي الحديث: “لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ”، أخرجه مسلم.
وبين فضيلته أن لحُسْنِ الظَّنِّ بالرَّبِّ جلَّ جَلالُه بَواعِثَ تبعَثُ عليه، وتُعِينُ عليه، ومن ذلك: مَعْرِفةُ العَبدِ ربَّه سبحانه: بأسمائه وصِفاتِه على الوَجْهِ الذي ذكره في كتابِه وسُنَّةِ نبيِّه صلى اللهُ عليه وسلم؛ فإنَّ مَنْ عَرَفَ الله بأسمائِهِ وصفاتِه، أحبَّه، فإذا أحبَّهُ رجاهُ وأحْسَنَ الظَّنَّ به، ووَثِق بِهِ، وتَوَكَّل عليه، وأَقْبَلَ بكُلِّيَّتِه عليه، وإنَّما يكون سوءُ الظَّنِّ بالله ممَّنْ جَهِل كَرَمَ وجهِهِ، وعِزَّ جَلالِه، وعَمِيَ عن جميلِ أوصافِه، وما تقتضيه من الكمالِ والجلالِ، فَلَهُ الأسماءُ الحُسْنَى، والصِّفَاتُ العُلَى، والأفعالُ الجُلَّى، سُبحانَه جلَّ شأنُه!
كما أبان الدكتور بليلة أن مِنْ بواعِثِ حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى أيضًا: تدبُّرُ شَرِيعَتِه القَويمَةِ، والنَّظَرُ إلى ما فيها من الأحكامِ والحِكَم؛ فإنَّها شريعةٌ وَضَعَ اللهُ بها الآصارَ والأغلالَ، ورَفَعَ بها الحَرَجَ، ووسَّع فيها سُبُلَ الخَيْراتِ، وجَعَلَها شَريعةً وَسَطًا، لا غُلُوَّ فيها ولا جَفَاءَ، فهي شريعةٌ حَنِيفيَّةٌ سَمْحةٌ سَهْلةٌ، كلُّها عدلٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ وخيرٌ وبرٌّ ومعروفٌ، وذلك مدعاةٌ إلى حُسْنِ الظَّنِّ بمُشَرِّعها ومُنْزِلِها للعبادِ، وأنَّه لا يُرِيدُ بِهِم إلا الخيرَ والصَّلاحَ في معاشِهم ومعادِهم.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن َمِنْ بَوَاعِثِ حُسْنِ الظَّنِّ به سُبحانَه كذلك: تأمُّلُ سُنَّتِه الكَونيَّةِ في خَلْقِهِ لهذا العالَمِ، وما فيه من مَظاهِرِ الحِكْمَةِ والرَّحْمَةِ والبِرِّ والإحسانِ، وغَلَبَةِ الخَيْرِ على الشَّرِّ، فقد خلق اللهُ عِبادَه في أَحْسَنِ تقويمٍ، وأسكنهم في أرضٍ مُمَهَّدَةٍ، وسَخَّرَ لهم ما في السَّمَواتِ والأرضِ جميعًا منه؛ ودبَّرَ لهم مِنْ مَلَكُوتِه ما تَصْلُحُ بِهِ حَيَاتُهُمْ، ويَطِيبُ به مَعَاشُهم، فدَرَجُوا على هذه الأرضِ مُطْمَئِنِّينَ آمِنِينَ، تحوطُهُم الأقْوَاتُ والأَرْزَاقُ، وتَعُمُّهم الخَيْرَاتُ والبَرَكَاتُ، ومِنْ فَضْلِه سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَ الخَيْرَ والسَّلامَةَ هو الغَالِبَ على عامَّةِ الخَلْقِ، وجَعَلَ البَلاءَ والفِتْنَةَ عارِضًا لا يَدُومُ، وطائِفًا لا يَلْبَثُ!
وقال فضيلته في خطبته الثانية لولا صُروفُ البلاءِ لأخْلَدَ النَّاسُ إلى الأرضِ، ورَغِبوا بها عمَّا أُعِدَّ لهم من طَيِّباتِ الحياةِ الأُخْرَى، التي هي خيرٌ وأبقى، فتأمَّلْ حِكْمَتَه سُبحانَه في هذهِ الدَّارِ: كيفَ جَعَلَ نَعِيمَها ولذائِذَها سَبَبًا في عِمارَتِها حتَّى حينٍ! وجعل آلامَها المكدِّرَةَ لنعيمها باعثًا على تَطَلُّبِ النَّعيمِ الَّذي لا يَشُوبُهُ نَصَبٌ ولا وَصَبٌ ولا هَمٌّ ولا حَزَنٌ؛ فإنَّ النَّفْسَ بجِبِلَّتِها تطمَحُ إلى اللَّذَّةِ التي لا يَشُوبُها ألمٌ، والنِّعْمَةِ التَّامَّةِ التي لا يُكَدِّرُها الرَّهَقُ والحِرْمَانُ!
وأكد فضيلته أن، حِكْمَةُ أحْكَمِ الحاكِمينَ وأرْحَمِ الرَّاحِمينَ اقتَضَتْ: تِلْكَ المُزاوَجَةَ بَيْنَ القَبِيلَيْن في الدُّنْيا: نَعِيمٌ مَشُوبٌ بألمٍ، وخَيْرٌ ممزوجٌ بشَرٍّ؛ لِيَبْقى الإنْسانُ بين السَّاكِن إلى الدُّنْيا، والمُقْبِلِ على الآخرةِ، فلا يَسْكُنَ إلى الدُّنْيا سُكونًا يُنْسِيْهِ الآخِرةَ، فيَخْسَرَ الخُسْرانَ المبينَ، ولا يَتْرُكَها صَرْمًا فَيَضْعُفَ في معاشِهِ، ويَضْعُفَ في طريقه إلى الله، بل لا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ من السُّكونِ يستطيعُ به العَيْشَ عليها، وإنفاذِ مُرادِ الله فيها، واتِّخاذِها مَزْرَعَةً للآخرةِ، وطريقًا مُوصِلًا إلى نعيمِها الأَبَدِيِّ!
وختم الدكتور بندر بليلة خطبته بالقول إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللهِ شَجَرَةٌ تُنبِتُ أشرفَ الأحوالِ، وتُثمِرُ أينعَ المعارِفِ؛ فألًا ورجاءً، وانشراحَ صَدْرٍ، واطمئنانَ قَلْبٍ، وسُرُورَ خَاطِرٍ، وسَعَةَ حالٍ، وانبِسَاطَ آمالٍ! فما أحسنَها مِنْ شَجَرَةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السَّماءِ: تُؤْتِي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها! هذا، وإنَّ من الحَرِيِّ بأهلِ الإيمانِ وقد أقبلتْ إليهم هذه العَشرُ المعظَّمةُ من رمضانَ: أنْ يَعْمُروها أَحْسَنَ عِمارةٍ بالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ محسنينَ الظَّنَّ بربِّهم تبارك وتعالى: أنَّه سيُعينُهم على ذِكْرِه وشُكْرِه وحُسْنِ عِبَادَتِه، على أتمِّ جِدٍّ واجتهادٍ وتَشْمِيرٍ، مُتَأَسِّين بما كان عليه نبيُّهم صلى الله عليه وسلم في هذه العَشْرِ؛ فقد “كان صلى الله عليه وسلم يَجتَهِدُ في العَشْر الأواخِرِ ما لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِها” متفق عليه، و«كان صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا دَخَلَ العَشْرُ أحيا اللَّيلَ، وأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ، وشَدَّ المِئْزَرَ» متفق عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.