وظيفة مذمومة امتهنها البعض تسولا وإلحافا على أبواب المحاكم وكتابات العدل، وهي وظيفة تتطلب من صاحبها استباحة الحرام وتحليله، عندما يقوم بتقديم شهادة على طبق من ذهب بقيمة لا تتجاوز حفنة من النقود، هي في نظر الشرع شهادة زور، غير أن هناك من يراها مخرجا من مد اليد والخمول في المنازل. وليس هناك ما يبرر الكسب من مصادر محرمة وغير مشروعة، وهذا العمل مما يذمه الشرع والمجتمع وأخلاقه، أيا كانت المبررات التي هي من قبل ما يوحي به الشيطان لأوليائه، وهي مهنة تنطوي على استهتار بالقيم، وفيها استسهال لكسب مادي دون وجه حق، سببه المباشر مبررات واهية وحجج غير منطقية أدت إلى تجمهر ممتهني الوظيفة الحرام. إنقاذ موقف أحد الشهود تحدث مبررا ما يقوم به بقوله: “نحن هنا لإنقاذ المواقف الحرجة التي يمر بها كثير من المراجعين للدوائر الشرعية، فقد يغيب شاهد أو يتأخر فننقذ الموقف مقابل مبلغ مادي لا يتجاوز ال50 ريالا”، وعن حرمة هذه الشهادة واندراجها تحت شهادة الزور، يضيف: “لا نجبر أحدا على أن يأخذ بشهادتنا، فنحن نستمع لكل الأطراف ومن ثم ندلي بالشهادة، وهذا الأمر لا يخالف الشرع”. ويؤكد “ص.س” أن هناك عددا من الأشخاص يتأخر شهودهم أو يرفضهم القاضي لأمر لا نعرفه، فيأتي المراجع طالبا منا الشهادة فنقدمها لهم بمقابل مادي، فغالبية الموجودين هنا من العاطلين عن العمل، والأفضل أن نعمل في هذا المجال بعيدا عن السرقات والتجارة المشبوهة التي قد تؤدي بنا إلى السجن”. القيمة بحسب القضايا ولشهود الأجرة سياستهم في التحايل على القضاة، ذلك ما يوضحه أحدهم بقوله إنه لا يدخل على شيخٍ واحد مرتين في الأسبوع، ويضيف: “حين تصادفني قضية عند القاضي ذاته، فإني أستدعي أحد زملاء المهنة هنا، وفي النهاية نقتسم المردود المادي، كما نقوم بتغيير أشكالنا من وقت لآخر، لنلعب على وتر تغيير المظهر الخارجي من خلال تعدد الحلاقة وأساليبها حتى لا يكشف أمرنا أمام القاضي الذي بالتأكيد لن يرحمنا”. وتختلف الأسعار حسب القضية حيث يكشف “ص.س” أن القيمة المستوفاة من الزبون تختلف من شهادة لأخرى، ففي بعض القضايا يدفع لنا المراجع مبلغا يتجاوز 1000 ريال في مقابل الشهادة في أمور العقار، لذلك وجدنا في التواجد في هذه الأماكن مصدر رزق يقينا التسول وحسنات المحسنين، فهي وظيفة تشبه عمل “كتاب المعاريض” على أبواب المحاكم”. بضغطة زر خلال الجولة التقت “شمس” سعود الزهراني الذي أكد أنه لا مشكلة في الاستعانة بمثل هؤلاء رغم رفضه، لأنها تندرج تحت طائلة شهادة الزور، وعلق قائلا: “لا أجد في الاستعانة بهم إشكالية تذكر، فإذا اجتمعت كل الأطراف وقبلوا بشهادة الشاهد مقابل دفع لأتعابه فلا أعتقد أن في ذلك مشكلة”، ويضيف: “السواد الأعظم من الناس مشغولون بأعمالهم ووظائفهم التي تحد من خروجهم لأجل تقديم شهادة، ويمكن لكل شخص أخذ عناوين الشاهد كاملة، وحين يحتاج الأمر يستطيع الوصول إليه بضغطة زر في زمن التقنية والاتصالات”. من جانبه يقول نياف السبيعي إن لديه علاقات بقضاة يكشفون له بعضا مما يواجههم، لعل منها موقفا يدل على نضج وقوة شخصية القاضي، حيث استعان شخص ممن لديه أرض بأحد أقربائه ليشهد معه شهادة زور على أن الأرض من أملاكه الخاصة، وحين واجههما القاضي بسؤال مباشر ومفاجئ ارتبك الشاهد بشدة لدرجة أنه نسي العلاقة التي تربطه بالذي استعان به. ويضيف السبيعي معلقا على شهادة الزور: “مثلما هي محرمة في مجتمعاتنا الإسلامية بأمر ديننا الحنيف، فإن المجتمعات الغربية ترفضها”. دخل مجز وبالنسبة للدخل اليومي لأولئك الشهود، يقول أحدهم: “هذه أرزاق من رب العباد، ففي بعض الأيام أعود لمنزلي بمبلغ لا يتجاوز 100 ريال، وفي أيام أخرى أعود وفي جعبتي ما يقارب 400 ريال، ونحن ننتقل بشكل يومي بين المحاكم وكتابة العدل، حتى لا يكشف أمرنا، إضافةً إلى أن الدفع يتفاوت حسب القضية ونوع الشهادة”. ويؤكد عبد الله دخيل القحطاني، موظف حكومي أن هؤلاء مجموعة من المرتزقة لم يجدوا سبيلا لجني المال سوى هذه الوسيلة غير المشروعة، والمصيبة في الأمر أنهم يتقاضون حفنة من المال مقابل الشهادة زورا، ورغم أنهم قد يتعرضون لمشاكل كبيرة تؤدي إلى مقاضاتهم قانونيا ومعاقبتهم في الدنيا والآخرة إلا أننا ندعوهم إلى العودة الى الله وترك الكسب بطرق ملتوية. وأوضح القحطاني أن زميلا له في العمل كان يعرض عليه أثناء مراجعته للمحكمة في جدة شخصا لشهادة الزور، رغم أن زميله لم يكن في حاجة للشهادة، ولكنه تفاجأ بأحدهم وهو يعرض عليه الشهادة زورا مقابل مبلغ مادي طلبه وصل إلى 1000 ريال.