أمير منطقة تبوك ينوه بجهود و إمكانيات القيادة لخدمة ضيوف الرحمن    عملية رفح أعادت مفاوضات الهدنة إلى الوراء    كلوب لا يشعر بالإحباط عقب تعادل ليفربول مع أستون فيلا    الحكومة العراقية توقع اتفاقية تعاون مع إيطاليا بقيمة 850 مليون يورو    سابتكو تواصل الخسائر رغم ارتفاع الإيرادات    تحديد سعر سهم مستشفى فقيه عند 57.50 ريال    وزير الحرس الوطني يرعى حفل تخريج الدفعة ال 21 من جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية "كاساو"    نيابةً عن وزير الخارجية.. وكيل الوزارة للشؤون الدولية يشارك في اجتماع بشأن دعم الصومال    اعتماد اشتراطات الإعفاء للأسواق الحرة بجميع المنافذ الجمركية    تغييرات كبيرة في أجانب الاتحاد    القمة العربية في البخرين نحو تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات المشتركة    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثاني لهيئة متابعة تنفيذ القرارات والالتزامات على المستوى الوزاري    جائزة الشيخ زايد للكتاب تفتح باب الترشح لدورتها التاسعة عشرة 2024-2025    أولى رحلات مبادرة «طريق مكة» من تركيا تصل إلى المملكة    القيادة المركزية الأمريكية تشارك في مناورات "الأسد المتأهب" في تأكيد لالتزامها بأمن الشرق الأوسط    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    تخريج كوكبة من الكوادر الوطنية لسوق العمل    نائب أمير مكة: منع الحجاج المخالفين ساهم بتجويد الخدمات    فرص للمواهب العلمية ببرنامج كندي    القادسية يحسم لقب دوري يلو    «الموارد» تطلق خدمة «حماية أجور» العمالة المنزليَّة في يوليو    «الممر الشرفي» يُشعل ديربي العاصمة    المملكة رائدة الرقمنة والذكاء الاصطناعي    التجديد إلكترونياً لجوازات المواطنين الصالحة حتى (6) أشهر قبل العملية    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    اللجنة الوزارية للسلامة المرورية تنظم ورشة "تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق"    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    الأسهم الآسيوية ترتفع لأعلى مستوياتها في 15 شهراً مع تحسن اقتصاد الصين    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اقتلاع فكر «داعش» بالعمل على «5» مسارات
نشر في عكاظ يوم 29 - 08 - 2014

• ينبغي الاعتراف بأن تنظيم الدولة الاسلامية الموسوم ب «داعش» يشكل خطرا حقيقيا له اهداف واضحة ومحددة ترد في مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية بصورة أساسية، وإن كان الهدف النهائي هو إحداث تغيير جذري في منطقة الخليج وسائر دول المنطقة العربية لقناعة من يستخدمون هذا التنظيم لتحقيق مراميهم بأن إلحاق ضرر حقيقي بهذه البلاد بدرجة مباشرة يسهل مهمتهم في تغيير كافة الأنظمة العربية بتساقطها واحدا بعد الآخر. كما يظنون.
** الفكرة والأهداف **
• ومعروف أن «فكرة الدولة الاسلامية» قائمة على اساس تدمير البنية الثقافية التي قامت عليها تطبيقات رسالة الاسلام والسلام والمحبة التي انطلقت من مكة المكرمة واكتسبت معها «قبلة المسلمين» موقع الصدارة من هذه الأمة باعتبارها مصدر الاشعاع الأول، وجاءت المملكة العربية السعودية لتقيم في هذه الربوع دولة زاوجت بين مفهومين هما.. مفهوم الدولة الدينية ومفهوم الدولة المدنية وقدمت نموذجا جديدا للدولة الحضارية الجديدة.
• هذا التوليد الجديد لفكرة الدولة العصرية التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة أزعج غلاة الدعوة من المتشددين كثيرا ودفعهم الى التحرك في أكثر من اتجاه لضرب تجربة مختلفة لدولة قرآنية تفهم حقيقة العقيدة.. وتتحرك في اطار ثوابتها وركائز ومصادر قوتها وتتفاعل في نفس الوقت مع عصر المعرفة بكل مخرجاته ومنتجاته، مستفيدة في ذلك من عناصر القوة الاضافية التي حبانا الله إياها.. ومنها: قوة الثروة البترولية التي تختزنها أراضينا.. وقوة الطاقة الشمسية العالية التي يتجه العالم الى استثمارها ونبادر نحن من جانبنا الى استغلالها من خلال تأسيس «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» والتي صدر بها الأمر الملكي رقم أ/35 وتاريخ 3/5/1431ه وقوة الطاقة البشرية التي وجد فيها الملك عبدالله بن عبدالعزيز أحد أبرز محاور التنمية المستدامة لبلد لا يجب أن يرتهن فقط للثروة البترولية كمصدر جديد للتنمية الشاملة في البلاد، فكان برنامج تطوير التعليم الضخم بمستوييه العام والعالي.
• فعلى مستوى التعليم العام فإنه تجري الآن مراجعة شاملة للفكر وللبيئة التعليمية والتربوية بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة التي أدخلت على مناهجنا منذ وقت مبكر وتكرست وترسخت في صدور أول سياسة تعليمية للمملكة وتعمقت بصورة أشد وأكبر بالعمل الإجرامي الذي مارسه «جهيمان العتيبي وطغمته» عندما أرادوا إطلاق «جنين الدولة الاسلامية المسخ» من بيت الله الحرام مع أول يوم من أيام شهر محرم عام (1400) وتصدت الدولة لهذا التيار الظلامي بكل قوة وقضت عليه كأول حركة عنف شهدتها هذه البلاد وتدثرت بدثار الإسلام القائم على العنف والكراهية وسفك الدماء والعودة بالأمة الى عصر ما قبل الإسلام.
• غير أنه وإن تمكنت الدولة من القضاء على هذه الحركة الظلامية في غضون «15» يوما إلا أن جذورها ظلت موجودة تحت الأرض ولم تختف تماما ولم يبد لنا أن الحركة كانت معزولة عن أي امتدادات أعمق تحت الأرض بدليل ظهور جماعة الصحوة أثناء غزو صدام حسين للكويت بعد ذلك.
• والحقيقة أن ذلك حدث ليس لأن الدولة قصرت في التعاطي مع هذا الفكر بالصورة المطلوبة.. وإنما لأنها أدركت أن الامر لم يكن سهلا وأن اقتلاع هذا الفكر يحتاج إلى العمل على أكثر من مستوى ولمدى زمني طويل.. لماذا؟
• لأن شرعية هذه الدولة قامت أساسا على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله.. وأن الفكر الديني راسخ ومتجذر في عقلية وداخل مشاعر إنسان هذا الوطن.. وأن تلك الجماعات قد اختارت الظهور بمظهر المدافع عن الدين لئلا تنكشف نواياهم.. وتسقط دعاواهم.
• هذه الحقيقة استغلها الغلاة والمتشددون وراحوا يشككون في كل خطوة تخطوها الدولة نحو تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية الصحيحة كما أرادها الله عدلا في الأرض وتسامحا بين الناس وسلاما مع الجميع وبين الجميع.. وهو الفهم الذي يصطدم بقوة مع فهم أولئك الغلاة والمتشددين والمنحرفين عن ثوابت شريعة السماء وسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام الداعية إلى السلام والمحبة في الأرض.
• لذلك كانت خطوات الدولة نحو التصحيح لهذه المفاهيم السوداء في إشاعة الحقد والكراهية واستباحة الدماء واستخدام القوة والعنف وإرهاب الناس وإظهار الحياة بمظهر كئيب وقطع صلة الإنسان بغيره وحتى بمن حوله وإشاعة روح التشاؤم والعزلة والانقطاع عن الدنيا. أقول كانت خطوات الدولة حذرة وهادئة ومتدرجة حتى لا تعطي لأنصار هذا الفكر الظلامي مبررا ينفذون منه لإعاقة جهودها نحو تبصير الناس في الداخل والخارج بحقيقة الدين الإسلامي كما أراده الله وليس كما يفهمه أولئك الغلاة والمتشددون.
** خطوات المملكة الإصلاحية **
• والحقيقة أن الإصلاح قد جاء على النحو التالي:
• أولا: أوجدت الدولة على مراحل عدة وزارات وهيئات ومؤسسات اعتمدتها كدولة مؤسسات بهدف تحريك دولاب الحياة وتبسيط أنظمة العمل وتطوير الأداء الحكومي العام وتوسيع نطاق الحريات العامة.. في هذا الاتجاه تأسست وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عام (1414) كما أنشئت وزارة العدل عام (1372) وقام المجلس الأعلى للقضاء عام (1344) وتعددت أشكال وصيغ التقاضي وأصبح هناك ديوان للمظالم عام (1374) كما تعددت وتنوعت المحاكم ودخلت مرحلة التخصص للتعامل مع مختلف شؤون الحياة بجوانبها التجارية والقانونية والادارية والمجتمعية، كما نشأت هيئة التحقيق والادعاء العام بوظائفها الدقيقة عام (1409) وتطور المفهوم المؤسسي بحيث تم دمج مجلس القضاء الأعلى في وزارة العدل وأصبح الإفتاء مسؤولية حصرية ينظمه سماحة المفتى وأصبحت هيئة كبار العلماء بمثابة المرجع الأساسي في تنظيم هذا الجانب الحيوي الهام في مواجهة الانحرافات والضلالات والدعاوى الباطلة والفكر المأزوم وتبصير الناس بحقيقة ما يروج له أولئك الغلاة ويسعون إلى تحقيقه للعودة بهذه البلاد ومن ورائها الأمتين العربية والإسلامية إلى العصور الوسطى وقطع صلة الجميع بالحياة وبالعصر.
• هذه التحولات التي شهدتها المملكة على هذا المستوى أعطت نتائج إيجابية ولكنها ظلت بحاجة الى المزيد من الجهود لأن درجة تشبع الأرض بالأفكار والمفاهيم المغلوطة كانت كبيرة بالرغم من الجهود التي بذلتها الدولة منذ الملك عبدالعزيز يرحمه الله وحتى الملك فهد بن عبدالعزيز أسكنه الله فسيح جناته ومرورا بأصحاب الجلالة الملك سعود والملك فيصل بن عبدالعزيز والملك خالد رحمهم الله رحمة الأبرار.
• ثانيا: مارست حقوقها المشروعة في ضبط النواحي الأمنية وتبصير الناس بخطورة الإرهاب.. وفضح أهداف ونوايا المتشددين وأظهرت حقيقة خروج هؤلاء عن فكر المؤسسة الدينية المنطلق من ثوابت شريعة الله.. وكشفت انحرافات هؤلاء وميلهم إلى الخروج بعقيدة السماء عن مسارها الصحيح.
** منهجية الملك عبدالله في مواجهة التشدد **
• وعندما تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم فإن مواجهة التشدد بكل صوره اتخذت أكثر من منحى:
• المنحى الأول
• وتمثل في توجيه خطاب عالمي يحض على العمل على إيقاف صراع الحضارات بتحقيق التقارب بين أرباب الأديان والثقافات، وتم ذلك في أكثر من خطوة:
1- عقد قمة إسلامية في مكة المكرمة وطرح مبادرة
الدعوة الى الحوار بين أرباب الثقافة والأديان بهدف توفير زخم إسلامي واسع لها.. تبعها بعد ذلك مؤتمر مدريد الذي عقد بحضور خادم الحرمين الشريفين وملك إسبانيا السابق «خوان كارلوس» بتاريخ (1429) وأخذ بعده العالمي بعد ذلك من خلال المؤتمر الذي عقد لهذا الغرض برعاية الأمم المتحدة وحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
2- الإعلان في الرياض عن تأسيس المركز العالمي
لمكافحة الارهاب وتبنته الأمم المتحدة بعد ذلك .. وإن لم يتم تفعيله بالصورة المطلوبة.. وتبرع خادم الحرمين الشريفين للمشروع بتاريخ (1435) بمبلغ مليار ريال كان محل تقدير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.. ودعوته العالم إلى دعم جهود الملك الداعية إلى مواجهة هذا الخطر الداهم للحضارة الإنسانية.
3- مخاطبة الملك للأسرة الدولية في أكثر من مناسبة
كان آخرها خطاب ليلة عيد الفطر المبارك والذي نبه فيه العالم الى خطورة ما تقوم به التنظيمات الارهابية الجديدة وفي مقدمتها «داعش» من أعمال بربرية ولا إنسانية تحت عنوان «الدولة الاسلامية» والاسلام منها براء.
• المنحى الثاني
• وتمثل في خطاب الملك المتكرر الموجه للأمتين العربية والاسلامية وتحذيراته من أخطار ما يحدث في سورية والعراق ولبنان وفي الصومال وفي غيرها من البلدان من جهة، ثم في وقفته العربية الأصيلة الى جانب جمهورية مصر العربية بمواجهة أخطار الإرهاب التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في الدولة الشقيقة.. وتقديمه لمختلف أنواع الدعم لها والوقوف إلى جانبها.. وكذلك في دعمه ومؤازرته للشعب العراقي لمواجهة حملات أخطار داعش.. ثم في دعمه الكبير واللامحدود لتعزيز قدرة الجيش اللبناني على الصمود بمواجهة أعمال القتل والتدمير وإثارة الفتن داخل لبنان وعلى حدوده مع سورية لتمكينه من مواجهة الأحزاب والتنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن وسلامة اللبنانيين وهوية لبنان المتميزة أيضا.
كما تمثلت جهود الملك عبدالله المتواصلة في مختلف أنواع الدعم والمؤازرة للدول والشعوب العربية الأخرى وفي مقدمتها اليمن.. والبحرين للحفاظ على اللحمة الوطنية في البلدين الشقيقين وتمكينهما من الحفاظ على هويتهما الوطنية بمعزل عن التدخلات الخارجية في شؤونهما الداخلية.. والوقوف إلى جانبهما ضد كل المحاولات الرامية إلى تغيير موازين القوى بداخلهما وفرض واقع جديد في كل منهما.
** وليس بعيدا عن كل هذا ما حدث ويحدث حتى الآن من جهود مخلصة تقودها المملكة بالتعاون مع كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين للحفاظ على وحدة الخليج العربي وتماسكه وإبعاد أشكال الفتنة عنه.. والبعد به عن سياسة المحاور والتكتلات الهادفة إلى التأثير على توجهاته نحو مزيد من التكامل والاتحاد ومحاولة إغراقه في الفوضى العارمة التي تعيش فيها المنطقة وتغرق فيها كثيرا.
** فعل هذا الملك عبدالله لأنه يدرك بأن مصير المنطقة يتوقف على مدى تماسك دولها الرئيسة لإيقاف موجات الفوضى التي اجتاحت دولا عربية أخرى ولاتزال تضرب أطنابها في الشقيقة ليبيا وتحاول أن تغرق تونس في نفس المسار.. وتمتد إلى لبنان بأكثر من صورة.. ولا يبعد العراق الآن عن هذا الوضع المأساوي كثيرا.. إن هو لم يكن في طريقه إليه بفعل السياسات الخاطئة التي سمحت بإدارة شؤونه في الفترة الأخيرة على أسس طائفية ومذهبية مقيتة، وأوشكت على تقطيعه إلى أكثر من دولة وكيان..
** وإذا كان هناك ما يجب التنبيه له في حالة العراق فهو الزج بالعشائر العراقية في أتون حرب خاسرة تقودها «داعش» وتحركها أصابع خارجية إقليمية ودولية وتريد أن تصبغها بطابع «سني» لمجرد أن هناك مظالم يشعر بها سنة العراق من حكومتهم السابقة.. وأراد المخططون لتدمير المنطقة بواسطة داعش أن يلبسوها ثوبا إسلاميا «سنيا» يتصارع في النهاية مع كل من الشيعة والأكراد ويؤدي هذا الصراع بالعراق إلى التمزق وربما الزوال لا سمح الله.
** ذلك أن الوضع هناك خطير للغاية.. وبالذات في ظل دخول أمريكا بقوة في التعامل مع هذا الوضع بمبرر مواجهة داعش.. وهو تدخل تأخر كثيرا.. وقد لا يحقق الأهداف المطلوبة بالقدر المفترض.. لا سيما بعد أن ترك الوضع في سوريا على حاله.. ولم تردع القوى المتداخلة في أوضاع المنطقة ويوضع لها حد حتى الآن وفي مقدمة تلك القوى إيران التي تحاول أن تعطي الانطباع بأنها لاعب رئيسي في تقرير مصير المنطقة.. وتجد في المخططات الخارجية ما يساعدها على ذلك..
** التقاء مصالح الإخوة الأعداء **
** وأغرب ما في الأمر أن تلتقي إيران وبعض القوى الكبرى وفي مقدمتها أمريكا وروسيا وتركيا.. في أهداف مشتركة بالرغم من الاختلافات الجوهرية فيما بينها عقديا أو مصلحيا.. أو خططيا واستراتيجيا.. وبصورة عميقة..
** كل هذه المعطيات تدركها المملكة جيدا وتدرك معها أن المنطقة مقبلة على أخطار أكبر.. بالرغم من أن تدخلنا أوقف تمدد هذه الأخطار.. ووضع حدا للفوضى وحال بينها وبين التمدد..
** غير أن هذا المستوى من الانهيارات قد لا يقوى على الاستمرار إذا لم تتضافر الجهود المخلصة للاتفاق على استراتيجية موحدة هدفها الأول والأخير منع وقوع انهيارات جديدة وتمكين دولها وشعوبها من إدخال إصلاحات حقيقية إلى هياكلها الوطنية بصورة فاعلة، كل هذا حذر منه الملك قبل وقت كاف دون أن يتنبه الجميع لذلك.
• أما المنحى الثالث
فهو تركيز خادم الحرمين الشريفين الشديد على العمل بقوة على مستوى الداخل.. لأن الملك عبدالله وإن تحرك بفعالية على المسارين الدولي والعربي إلا أنه ظل يؤمن إيمانا قويا أن إصلاح الحال في الداخل مهم للغاية وبدونه فإن آفة الإرهاب لن تستثنينا أبدا.
** خميرة الإرهاب موجودة **
** ونحن في المملكة العربية السعودية وإن تمكنا بجهودنا الذاتية من ضرب تنظيم القاعدة في العمق وتنظيف بلادنا من خلاياه النائمة بصورة كبيرة إلا أننا لانزال ندرك أن الخميرة مازالت موجودة.. لأن ثقافة التشدد مازالت موجودة وإن ضربت بقوة -كما قلت- في حادثة جهيمان.. وكذلك في المواجهة الثانية بين الدولة والمجتمع من جهة، وبينهما وبين من أسموا أنفسهم «بجماعات الصحوة» التي ظهرت في أعقاب الغزو العراقي الكويتي ومواجهتنا بالتعاون مع التحالف الدولي لذلك العمل الإجرامي.
** ظهرت هذه الجماعات لأنها وجدت في التحالف الدولي آنذاك ما يهدد فكرة التشدد التي كانت تطل برأسها على دول المنطقة بين وقت وآخر.. وبالفعل فإن طرد صدام من الكويت ثم القضاء عليه شكل ضربة شديدة لقوى الظلام في الداخل العربي وفي مقدمته الداخل السعودي الذي تعرض لفترة إلى حالة من الارتباك النسبي نتيجة ربط أولئك الجناة بين الاستعانة بقوى التحالف في تحرير الكويت وبين إثارة مخاوف مجتمعات المنطقة المتدينة بطبيعتها وصورت الأمر لها على أن هذا التحالف بمثابة هجمة على الإسلام وليس على طغيان صدام وتعديه على بلد عربي خليجي مستقل وتشريد أهله والمقيمين فيه.. وتدمير مكتسبات شعبه لولا حسن تصرف القادة المخلصين وفي مقدمتهم قادة المملكة العربية السعودية الذين اعتبروا قضية الكويت قضيتهم الأولى آنذاك.. وتحقق الانتصار أخيرا لإرادة شعب الكويت وشعوب المنطقة بأسرها واندحار موجات الظلام للمرة الثانية..
** من هي داعش **
** وعندما تطل علينا «داعش» في الوقت الراهن برأس الكراهية والقتل اليومي.. فإنها تمثل بذلك موجة ثالثة ربما تكون الأعتى والأخطر لسببين هامين هما:
* أولا: أن من يمدون داعش بالحياة وبالقوة هم
من داخل المنطقة ومن خارجها على حد سواء.. فقد جمعت بينهم مصحلة واحدة هي: قلب الأنظمة وتغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة ورسم خارطة جديدة لها.
* ثانيا: أنها تستعين بقوى ظلامية في الداخل
العربي.. مستفيدة من بقاء واستمرار الفكر المتطرف وتغلغله في مؤسسات دول المنطقة ومفاصل مجتمعاتها وفي منطقة الخليج بصورة أكثر تحديدا.
** وما حدث في «تمير» يوم الثلاثاء الماضي هو نموذج لوجود مئات الخلايا تحت الأرض سواء في بلدنا أو في بلدان الخليج.. وأن هذه الخلايا السرطانية تفرخ يوميا آلاف العقول المسمومة.. وترسلها إلى مناطق القتال في اليمن والعراق وسوريا وليبيا والصومال ولبنان.. وفي غيرها..
** اقتلاع الجذور أولا **
** فماذا فعل الملك عبدالله.. وماذا اتخذ من خطوات وإجراءات على المديين القصير والطويل لمحاربة هذا الخطر الداهم.
** أطرح السؤال.. وأدلل عليه بالقول:
** إن حالة الحرب التي أعلنتها المملكة في عهد الملك عبدالله في مواجهة سرطان الإرهاب كفيلة بأن تقضي عليه وإن احتاج الأمر إلى تضافر جهود دول الإقليم وكذلك دول العالم الجادة في محاربة الإرهاب.. وهي دول محدودة مع كل أسف.. لأن الكثير منها استمرأ بإرهاب الدولة في تحقيق مخططاته وإن أظهر أنه يكافح هذا الارهاب ويحذر منه.
** وكما قلت في البداية فإن خطورة داعش علينا وعلى إخوتنا في الخليج كما هي على إخوتنا في لبنان وسوريا والعراق ومصر.. خطورة داعش الأكبر في أن الفكر الظلامي متغلغل في مجتمعاتنا ومحاربته بصورة «ناعمة» لن تجدي.. والدخول معه في مواجهة قوية وإن أدت إلى بعض المخاطر إلا أنها باتت ضرورية.. لأن أعداء هذه الأمة قد اتخذوا -على ما يبدو- قرارا بأن التغيير للأنظمة ولفكر المجتمعات التي تعيش فيها بات ضرورة لضمان مصالحها فيها على المدى الطويل بعد أن وصلت إلى قناعة بأن الوقت قد حان لعدم الانتظار أطول.. وسوف تكون أول من يدفع ثمن هذه الحسابات الخاطئة.
** هذه القوى وإن كانت تدرك بأن ما تقوم به قد يلحق بها وبمصالحها أخطارا كبيرة.. إلا أنها لاتزال تعتقد بأن حجم الأخطار المستقبلية عليها سيكون أكبر لو أنها استمرت في التعامل معنا على نفس النحو السائد خلال المئة سنة الأخيرة من عمر المنطقة..
** المواجهة على «5» مسارات **
** هذه الحسابات الخطيرة تجعلنا نعمل وبسرعة قصوى على:
* [1] استشعار الخطر بحجمه الطبيعي.
* [2] تعزيز التماسك الداخلي وبذل كافة الجهود
واتخاذ القرارات اللازمة للحفاظ على الوحدة الوطنية مهما بلغت الكلفة المادية.. ومهما وقعت من ردود فعل سريعة على قرارات تغيير البيئة الفكرية القابلة لتوالد سرطان التشدد والتطرف والعنف.
* [3] تحصين عقول شبابنا القادمين من الخارج
ضد أي أفكار أو قناعات بذرتها في عقولهم سنوات غربتهم.. وسعت إلى إضعاف ارتباطهم بالأرض وبالمجتمع وبالكيانات السياسية في المنطقة.
* [4] توفير حلول جذرية وعملية للمشكلات التي
قد توفر بيئة صالحة لخلخلة مجتمعاتنا من الداخل وإضعاف الوازع الديني السمح والوطني العميق بالأرض وبالثقافة السلمية.
* [5] تنظيف الساحات التربوية والإعلامية
والثقافية والاجتماعية من المؤثرات التي طرأت عليها بفعل الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي.. وذلك بمزيد من التنظيم والتقنين وحسن إدارة الإعلام الجديد وبما يحد من أخطار استخدام الأعداء له لتسميم عقول الشباب.
** هذه القضايا وتلك المشكلات واجهها ويواجهها الملك عبدالله بالعديد من الخطوات والإجراءات.. سواء على المستوى الاقتصادي.. أو التربوي.. أو الثقافي والإعلامي.. وكذلك على المستوى الأمني وبخطوات عملية وجادة.. وبقرارات داعمة للتوجه العام نحو مكافحة الإرهاب والتشدد بكافة صوره، ومنها الأمر الملكي الذي صدر بتاريخ (3 / 4/1435) وصنف الإرهاب وحدد طبيعته وجماعاته وتنظيماته وممارساته أو طرق دعمه وتشجيعه وحدد ما يجب عمله تجاهها جميعا من عقوبات نعتقد بأنها ستكون رادعة إذا هي طبقت بصورة علنية وسريعة ورادعة..
** صحيح أن المملكة العربية السعودية قامت على أسس أخلاقية وصهرت كل القوى في بوتقة الدولة القوية الواحدة منذ أن وحد الملك عبدالعزيز أجزاءها المتناثرة.. وجند حتى أعداءه ومناوئيه في خدمة الدولة.. وأقام مجتمعا متصالحا.. ومتجانسا رغم صعوبة تذويب الفكر القبلي في المراحل المبكرة.. لكن الأكثر صحة الآن هو أن من يتطاولون على العقيدة ويربون الأجيال على الكراهية يحتاجون منا إلى تعامل مختلف معهم لأن العصر غير العصر.. ولأن المهادنة لم تعد تجدي.. ولأن خطط وبرامج الدولة التي رسمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. لا تحتمل الانتظار أطول ولأن المخططات التي تستهدف بلدنا أكبر من أن نهادنها أو نتعايش معها أو نتركها للزمن لكي تنقرض مع الأيام..
** الأمر الآن مختلف.. لأن جهود الملك التي دفعت بأكثر من (150) ألف مبتعث للخارج وب(30) امرأة إلى عضوية مجلس الشورى.. والتوجه نحو اقتصاد المعرفة وبإقامة أكثر من (25) جامعة جديدة في (3) سنوات و(6) مدن اقتصادية في مختلف مناطق المملكة وأشركت رأس المال الأجنبي في فرص استثمارية عريضة بالاقتصاد السعودي وأقامت أول وأهم جامعة للعلوم والتكنولوجيا في أراضيها وعلى مستوى عالمي.. وأوجدت «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» كما أوجدت أول أول وأضخم جامعة لبنات الوطن.. وأصبحت عضوا في منظومة الدول العشرين وتقود منظمة أوبك بمواجهة أخطر التحديات البترولية والاقتصادية وساهمت في إخراج الاقتصاد العالمي من الركود المدمر..
** جهود الملك عبدالله هذه لتحقيق المستقبل الأفضل ليس عائدها فقط لأبناء هذه البلاد وإنما لتأمين المنطقة كلها من الداخل وفي مقدمتها الخليج العربي.. وهي لابد وأن تستثمر وبصورة جادة.. وبمشاركة حقيقية من قبل شعوب دول المنطقة.. لكي يقف الجميع في وجه السرطان القاتل متمثلا ليس فقط في داعش.. وإنما في من يضعون حساباتهم على أساس دعم داعش وتطوير قدرتها على الوصول إلى بلداننا جميعا وتدمير هويتنا..
** وإذا نحن لم نتحرك بالسرعة الكافية
** وإذا نحن لم ندرك حقيقة ما يحدث من حولنا..
** وإذا نحن هنا في المملكة.. علماء ومثقفين.. ورجال أعمال.. وأكاديميين.. شبابا.. وشابات.. كبارا وصغارا.. لم ندرك ذلك فإن الخطر لن يستثنينا أبدا.
** لقد كان الملك صادقا معنا.. كعلماء.. كإعلاميين.. كرجال أعمال.. كمعلمين.. كأطباء.. كمهندسين.. كمثقفين وعامة، وفتح عيوننا على حقيقة ما يحدث، وطالبنا جميعا بأن ندرك حقيقة الخطر.. وأن نقول له قف.. وأن لا نتهاون.. أو نتعامل معه تعاملا هينا ولينا.. وإلا فإنه سيطال كل فرد فينا.. وذلك ما لا يجب ألا نسمح به أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.