تتمتع الشريعة الإسلامية السمحة بقبول الرأي الآخر وعدم تسفيه الأفكار، ولعل اللقاء الثقافي الثامن للحوار الفكري الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خلال اليومين الماضيين تحت عنوان: (التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية) جسد هذا المبدأ الديني، بعد سعيه إلى توحيد الكلمة والصف وإيضاح الحقيقة. ولا يخفى أن الرأي المخالف أو الشاذ لا بد من إيضاحه للآخرين، فالمؤمن مرآة أخيه، على أن توكل مهمة التوضيح للعلماء لما يمتلكونه من علم وبرهان، وقدرة على الحوار وفق منهجية علمية ودينية. التصنيف السلبي هو الذي يقود إلى التحزبات التي تنهش جسد الأمة، وتنشئ الحواجز بين أبناء الدين الواحد، وهو مناقض لسماحة الإسلام، ومبدأ الرفق والعدل، ويقود التصنيف إلى تعالي البعض على الآخرين، وهذا مناقض للمبدأ الإسلامي، فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى، وفقا لقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). يجب الحفاظ على الأخوة الدينية والوحدة الوطنية من خلال محاربة آفة التحزبات التي تخلف النتائج السلبية، ولا بد من الوقوف أمام التصنيف المؤدي إلى تعطيل مصالح الآخرين، وإحداث الفتنة واتخاذ المواقف والعداوات، كما ينبغي ألا تمس المبادئ بأي صورة، مهما بلغت درجة اختلافنا مع الآخرين، كما ينبغي أن ندرك أن دوافع نشوء التصنيف عديدة لعل أبرزها: تلبس الحقيقة، أو التعصب الأعمى، أو ضعف الوازع الديني، أو حب الظهور من باب خالف تعرف. لو تعامل المرء وفق ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لتخلصت الأمة من شتى أنواع التصنيفات المقيتة والتحزبات مهما اختلفت مذاهبها، فالله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين بقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، وقال سبحانه وتعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، كما أن من نبل صفات المؤمن التعامل مع الآخرين بحسن الخلق وإن خالفوه الرأي، فالخلق هو السمة التي امتدح الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).