ولدت كرة القدم في بولندا عندما كان الاستقلال مجرد حلم، ولطالما كانت جزءا من تاريخ البلاد المعلق بالحكم الاجنبي، تحويل الحدود والحكم الشمولي. عندما تستضيف بولندا كأس اوروبا 2012 مع اوكرانيا، وينزل منتخبها الاول على ارض الملعب في وارسو يوم 8 يونيو في اكبر حدث رياضي تستضيفه البلاد، ستعود الذكريات الى الماضي. يأمل اللاعبون استعادة امجاد العمالقة كازيميرز داينا وزبيغنيو بونييك وغريغورز لاتو وأندري زارماخ الذين شكلوا الجيل الذهبي في كأسي العالم 1974 و1982 قبل ان تنسحب بولندا من دائرة الضوء. لكنهم سيستعيدون ايضا الجذور التي اسسها الرجال النبلاء اصحاب الشوارب من امبراطورية هابسبورغ، والذين نقلوا اللعبة البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر. ظهرت الكرة البولندية بعد نحو قرن من تقسيم البلاد من قبل روسيا وبروسيا والنمسا. انتشرت اللعبة لغاية فيينا من قبل البريطانيين، لكن السيطرة جاءت من مكان آخر في الامبراطورية بفضل حركة سوكول التشيكية الاصل، التي مزجت بين الجمباز وحرية النشاط. ازدهرت سوكول في مقاطعة غاليسيا النمسوية، ومعظم سكانها من البولنديين والاوكران واليهود، والمنقسمة منذ الحرب العالمية الثانية بين بولندا وشريكتها في تنظيم كأس اوروبا اوكرانيا. استضافت مدينة لفيف، احدى المدن المضيفة لكأس اوروبا 2012، ومعظم سكانها من البولنديين، اول مباراة مسجلة في 14 يوليو 1894. تحدى اعضاؤها من حركة سوكول من هم في مدينة كراكوف الغاليسية بمباراة استعراضية توقفت بعد هدف لفيف في الدقيقة السادسة. وفي حين ولدت بعض الاندية على الاراضي الروسية وسيليسيا المحكومة من المانيا، ازدهرت كرة القدم في النظام النمسوي، اذ حملت احيانا بعض الاندية طابعا عرقيا بولنديا او يهوديا. نالت بولندا حريتها بعدما اسقطت الحرب العالمية الاولى امبراطورياتها الحاكمة. خلق ايضا النزاع النادي الكبير ليجيا وارسو الذي تأسس عالم 1916 من قبل الفيلق البولندي المدعوم نمسويا في وجه روسيا. بعد الاستقلال، تعرضت آمال انشاء بطولة في بولندا لنكسة نظرا للحرب مع روسيا البولشفية. ابصرت النور اخيرا في 1921، السنة التي خاضت فيها بولندا اول مباراة دولية لها وخسرتها امام مضيفتها المجر 1 صفر. في اول مشاركة لها في كأس العالم 1938 في فرنسا، خسرت بولندا امام البرازيل 65 في الوقت الاضافي، حيث سجل النجم ارنست فيليموفسكي رباعية. هيمنت اندية من كراكوف ولفيف ومركز شورزوف الصناعي على الدوري الذي تمزق عند اجتياح المانيا النازية والاتحاد السوفياتي عام 1939. قتل النازيون لاعبي كرة القدم اليهود في المحرقة. واجه البولنديون ايضا اعدامات، وفي افضل الاحوال حظرا شاملا للرياضة على رغم ان المقاومة نظمت بطولات سرية. لكن مصدر المرارة جاء من السيليسيين الذي اعلنوا نفسهم من الالمان، سواء عن طيب خاطر او لمجرد البقاء على قيد الحياة، وتابعوا اللعب. طار فيليموفسكي، الذي انضم الى المنتخب النازي الالماني، طار الى المانيا ولم يعد بعد ذلك. توقفت اندية لفيف البولندية اذ اصبحت المدينة جزءا من اوكرانيا السوفياتية، ومجتمعها البولندي ارسل غربا للحلول بدلا من الالمان الذين طردوا من الاراضي التي منحت لبولندا من قبل الحلفاء المنتصرين. اصبح بوغنون لفيف بطل عشرينيات القرن الماضي بوغون تشيسين مثلا. بعد اعادة انطلاق الدوري عام 1948، غير النظام الشيوعي ما بعد الحرب نظام اللعبة. ارتبطت الاندية بقطاعات، فتبع ليش بوزنان قطاع السكك حديد، وغورنيك زابرز المناجم، وحافط ليجيا على علاقته بالجيش، وقدرته على جذب المواهب من المجندين. وهكذا قاد لاعب من لفيف بولندا الى الساحة الدولية. لعب كازيميرز غورسكي، المطرود خلال الحرب، مع ليجيا، ثم درب منتخبات بولندا للفئات العمرية في الخمسينيات والستينيات. سمي مدربا وطنيا عام 1970، وخلال ست سنوات صنع فريقا يعج بالمهارات والشغف. لكن بعدما تركت «نسور غورسكي» الساحة، عاشت بولندا فترة من القحط، اذ بلغت آخر مرة الدور الثاني في كأس العالم عام 1986، قبل ان تحرز فضية الالعاب الاولمبية عام 1992. خرجت من الدور الاول في كأس العالم عامي 2002 و2006، واستهلت مشاركتها في كأس اوروبا عام 2008، لكنها لم تحقق المطلوب وانزلقت في تصنيف الاتحاد الدولي. ادى زوال الشيوعية عام 1989 الى تخبط الاندية في تكيفها مع قوانين السوق الجديدة، وعاشت اللعبة فضائح فساد متكررة، على رغم ان استضافة كأس اوروبا 2012 وضعت حدا لبعض المشكلات. وعلى رغم عدد سكانها البالغ 38 مليون نسمة وتقليد طويل في لعبة كرة القدم، يبدو ان ايام بلوغ غورنيك نهاي كأس الكؤوس الاوروبية 1970 امام مانشستر سيتي، اصبحت في غاية القدم.