النسور.. حماة البيئة    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    إطلاق جائزة "مدن" للتميز.. تعزيز الابتكار والاستدامة في الصناعات السعودية    "موانئ" تحقق ارتفاعًا بنسبة 9.52% في مُناولة الحاويات خلال أغسطس 2025    التجارة: «تطبيق بلاغ» يحمي المستهلكين    أمريكي يصطاد ابنته بدلاً من «الطائر»    شرطة لندن تضبط «نصابة» المواصلات    إجراءات عراقية حاسمة ضد مهددي الأمن    في ختام معسكره الإعدادي.. الأخضر يواجه التشيك في ثاني ودياته    في مهرجان ولي العهد.. تألق سعودي في سباق الهجانة للرجال والسيدات    ولي العهد يهنئ أنوتين بتعيينه رئيساً للوزراء في تايلند    استعداداً لكأس العالم .. الأخضر تحت 20 عاماً يكمل جاهزيته لمواجهة تشيلي    "الأخضر تحت 23 عاماً" يواجه روسيا ودياً في ختام معسكر موسكو استعداداً لكأس آسيا    التعاونيون لن ينسوا خماسية النصر    مدافعون لا يقودون أنفسهم    القيادة على أكتاف الطرق.. مخالفة    «تواصل» تنهي إجراءات الجوازات إلكترونياً    صيف عسير.. حالات ضبابية ولوحات طبيعية    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    مهربو القات المخدر في قبضة الأمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    السمكة العملاقة    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    «الصحة» تستكمل فحص الطلاب المستجدين    نائب أمير الرياض يكرم الفائزين بجائزة التواصل الحضاري    وفدٌ من كلية القيادة والأركان للخدمات الدفاعية البنغلادشية يزور "التحالف الإسلامي"    مملكة الإنسانية.. ريادة وعطاء    (إسرائيل) تستبدل التسمية الرسمية لحائط البراق ب«حائط المبكى»    «مؤتمر الاستثمار» يعيد صياغة العلاقة بين الاقتصاد والثقافة وصولاً للاستدامة    الجاسر يشارك في مهرجان بغداد السينمائي    المملكة التاسعة عالمياً في إصابات السكري الأول    تقرير يحذر من مخاطر Gemini    أكبر هجوم جوي روسي على كييف يشعل مخاوف فقدان السلام    الاقتناء يدعم الفن التشكيلي ويحفز الفنانين    122 متبرعًا بالدم في تقنية صامطة    مجتمع الذوق" في الخبر ينطلق في مرحلته الثالثة    انطلاق أعمال المؤتمر العالمي للسياحة العلاجية بالطائف    خسوف طويل يلون القمر باللون الأحمر ويشاهده أكثر من 7 مليارات نسمة    لأول مرة.. سباق الهجانة للرجال والسيدات سعودي 100%    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 28 ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد    زين السعودية تطلق برنامج ZGI لتمكين رواد الأعمال والشركات الناشئة    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    مايكروسوفت: انقطاعات في كابلات بالبحر الأحمر قد تؤثر في خدمة (أزور)    مراهقة تسافر عبر الزمن ذهنيا    مصر تتصدر عالميًا بالولادات القيصرية    حين تتحول المواساة إلى مأساة    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 01 - 04 - 2011

كانت مقلتاه كأنهما كرتان تسبحان في بحر من الدموع وبدا صوته مختنقا، متقطعا، وشفتاه ترتجفان ورأسه يميل تارة نحو الأرض وأخرى نحو السماء، وثالثة نحو الأفق البعيد كأنه يبحث به عن سنوات عمر ضاعت أو هو يحاول جمع ذكريات قديمة، ربت على كتفه وقلت ما بك؟ ولم ينتظر طويلا فقد كان بانتظار من يسأله، فقال: بالأمس كنت أجلس بجوار أمي التي تجاوزت التسعين كما تعلم، وكانت تحدق في الجدار الفاصل بين غرفة الجلوس والمطبخ حيث لا نوافذ فيه، ثم قاربت بين جفنيها وهي تحدق في لوحتين علقتا على الجدار ثم سألت وهي لا تزال محدقة بهما: لماذا لم ينظف أحد هاتين النافذتين؟ قلت أي نافذتين يا أمي؟ قالت: هذه، قلت إنهما ليستا نافذتين بل هما لوحتان، زادت تحديقا بهما، ثم التفتت إلى وقالت: ربما لا أدري، عندها حدقت بدوري في وجهها الذي زادت تجاعيده، ووجدت نفسي أرتحل وأنا في مكاني إلى الأفق البعيد وإلى أكثر من خمس وخمسين سنة، حين كنا في تلك المدينة الصغيرة، حيث كان يصر أبي على أن لا يشتري لنا الخبز من السوق فكنت أراها قبل أن أنام في الغرفة الكبيرة التي كانت هي نفسها غرفة النوم ومكان دراستنا ومعيشتنا، تحضر إناء نحاسيا كبيرا تضع به الدقيق وتجثو على ركبتيها تخلطه بالماء ثم تعجنه، وقد أنام وهي لا تزال تعجن وأحيانا أستمر في التحديق بها وأعجب كيف يتصبب العرق من جبينها وشتاء تلك الليالي بارد جدا، فمع لحافي المحشو بصوف الغنم لا أشعر بالدفء إلا حين ألصق فخذي بصدري وكأنني جنين أجمع أجزائي إلى بعضها علها تبث الدفء في جسدي النحيل، فإن حالفني الحظ وبقيت حتى تنتهي من المهمة اليومية، أراها وهي تغطي الإناء النحاسي ببطانية صوفية لا تلبث أن ترتفع في الصباح حين يكون العجين قد تخمر وزاد حجمه على عكسي تماما فقد كان حجمي يتقلص مع البرد، وفي الصباح وأنا أجهز نفسي للذهاب للمدرسة كانت تجثو مرة أخرى على ركبتيها كي تقطع ذلك الكم الهائل من العجين إلى قطع شبه متساوية، وما إن نغادر المنزل إلى المدرسة حتى تجلس أمام الفرن كي تحيل تلك القطع الكروية بعد فردها إلى أرغفة يسيل اللعاب لرائحتها وشكلها، وكثيرا ما كانت تنتهي من الخبز حتى تبدأ بالغسيل في إناء مشابه لذلك الإناء النحاسي ولكن هذه المرة لم أرها وحيدة فقد كانت شقيقتي الوسطى تعتلي عنقها وتترك رجليها تتدليان فوق صدرها وهي تغسل، وحين كبرت قليلا احتلت مكانها شقيقتي الصغرى في حين كنت مسؤولا عن الوسطى أحملها على ظهري وأذهب بها بعيدا عن المنزل حتى تستطيع أمي أن تكمل واجباتها المنزلية، فبعد أن تنتهي من الخبز والغسيل تلتفت للطبخ؛ لأنها كانت تخشى ثورة غضب أبي الذي لا يمكن أن يغفر لها تأخرها في إعداد طعام الغداء الذي غالبا ما نتناوله قبيل العصر (موعد عودته) من عمله، وما إن ننتهي من غدائنا حتى تعود مرة أخرى لذلك المطبخ الرث الذي كنت أرى السماء من بعض فتحات سقفه في النهار وهي ذاتها من يدخل المطر منها في فصل الشتاء الذي لطالما كان طويلا وباردا وممطرا، ولن أنسى حين كانت تضعنا واحدا تلو الآخر في إناء آخر حتى تغسل لنا أجسادنا النحيلة في عتبة الغرفة الكبيرة نفسها خوفا علينا من البرد، لقد ذهبت بعيدا عنها في استدعاء ذكريات لن تنسى وها هي بجانبي بطلة كل هذه الأحداث التي استمرت سنين طويلة ظهرها انحنى وجلدها تكرمش ونظرها ضعف وسمعها بات ثقيلا وفقدت كثيرا مما كانت تعرفه، بل لقد صارت تنسى أسماءنا أحيانا، إنها هنا بجانبي كأنها كراس ذكريات عطرة خارت قواها، دمعت عيني وأنا أستعرض حياتها كيف كانت وما آلت إليه، نظرت إليها وكأني أرى نفسي بعد سنين ضعيفا هرما فاقدا للكثير من الذاكرة والقوة، وسألت نفسي: هل سأجد بجانبي ابنا أو ابنة تربت على كتفي وترحمني، لم يوقظني من سرحاني إلا دمعة حارة مشت على خدي كأنها ساقية تغسل وجنتين لطالما قبلتهما هذه العجوز، بكيت ورفعت يدي للسماء لعلمي أن فيها رحمانا رحيما دعوته أن يرحمها كما ربتني صغيرا.
للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة
او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.