الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    87 % من رؤية 2030 مكتملة    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    "أوبرا زرقاء اليمامة" تبدأ عروضها بحضور عالمي    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    نائب أمير الرياض يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة إنجازات مستهدفات رؤية المملكة 2030    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    الفيحاء يتجاوز الطائي بهدف في دوري روشن    الكشف عن مدة غياب سالم الدوسري    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    العين يكشف النصر والهلال!    الدوري نصراوي    اختتام فعاليات منتدى المحميات الطبيعية في المملكة العربية السعودية «حمى»    أمير جازان يُدشّن مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية ال20 بمحافظة صبيا    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    جائزة الامير فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز تواصل استقبال المشاركات    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    "سلطان الطبية" تنفذ دورة لتدريب الجراحين الناشئين على أساسيات الجراحة    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    «رؤية 2030»: انخفاض بطالة السعوديين إلى 7.7%.. و457 مليار ريال إيرادات حكومية غير نفطية في 2023    كاوست ونيوم تكشفان عن أكبر مشروع لإحياء الشعاب المرجانية في العالم    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    تراجع النشاط الأمريكي يدفع النفط للانخفاض    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    تسليم الفائزات بجائزة الأميرة نورة للتميُّز النسائي    «النقد الدولي» يدشن مكتبه الإقليمي في السعودية    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    النفع الصوري    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تضارب الفتاوى في الحج تشويش على ضيوف الرحمن وإرباك للعاملين والخطط
عكاظ تفتح ملفها .. والعلماء والمختصون اختلفوا على توصيفها .. ودعوا إلى هيئة شرعية عالمية لضبطها
نشر في عكاظ يوم 19 - 11 - 2009

عاش الحاج محمد من المغرب الشقيق العام الماضي حيرة حقيقية من أمره، بعدما قدم للمملكة لأداء فريضة الحج في رحلة مضنية، ناهيك عن الأيام والسنين التي مرت وقضاها من حياته في جمع المال الذي سيعينه على أداء مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام، فالحاج محمد دخل في دوامة طويلة لأن الفتاوى التي تلقاها في بلده عن كيفية أداء هذه الشعيرة الكبرى اختلفت عن الفتاوى التي سمعها من المرشد الديني في البعثة، كما اختلفت تماما عن ما سمعه من المفتين الموجودين في الأكشاك المنتشرة داخل المشاعر المقدسة، مما جعله يتردد في أن يأخذ بها!.هذه ليست قصة من وحي الخيال، بل هي قصص حقيقية تتكرر سنويا في موسم الحج ومع السواد الأعظم مع الحجاج من كل دول العالم، ذلك في ظل اختلاف الخلفيات الثقافية والجغرافية والفقهية والمذهبية التي اتى منها الحاج، كما أن بعض الحجاج يذهبون لاختيار الفتاوى الأكثر مشقة طلبا للأجر والمثوبة على حد ظنهم، في ظل وجود عدد كبير من الحجاج لا يملكون تعليما أو ثقافة تؤهلهم لمعرفة هذه القضايا وموازنتها، ولعل أكثر القضايا التي تطالها تضاد الفتاوى والاختلافات الفقهية بين المفتين، قضية المبيت في مزدلفة والمبيت في منى، ورمي الجمار قبل أو بعد الزوال وغيرها من الأمور التي تنتج عنها بعض الحوادث المؤلمة، وليس ببعيد حادث جسر الجمرات الذي راح ضحيته أكثر من 300 شهيد، رغم المشاريع الضخمة التي تقيمها الدولة، وآخرها جسر الجمرات الجديد وبناء عدد من العمائر على سفوح الجبال في منى وغيرها من المشاريع الضخمة، إلا أن تزايد أعداد الحجاج والذين وصلوا إلى حوالى أربعة ملايين حاج في السنوات الأخيرة أدى إلى تلك المشاكل في المشاعر المقدسة، ولو نظرنا لمساحتها قياسا بالمساحة المستفادة منها للحجاج، لوجدنا ضيقا كبيرا عليهم قد يعرضهم لحوادث الاختناق والتدافع والزحام، فالمساحة الإجمالية لمشعر منى مثلا تقدر ب 635 هكتارا، لكن المساحة المستفادة للحجاج بعد حذف الجبال والمباني القديمة 246 هكتارا، أما مزدلفة فمساحتها تقدر ب963 هكتارا يستفيد الحجاج من حوالى 682 هكتارا فقط، وتبقى عرفات أكثر المساحات استيعابا للحجاج إذ تقدر مساحتها ب 1795 هكتارا ويستفيد الحجاج من 1361 هكتارا، هذه المعطيات كلها ومع تزايد أعداد الحجاج تجعلنا نعيد النظر في قضية تنظيم فوضى الفتوى في الحج تسهيلا للحجاج وتيسيرا لهم، ولعل من اليسر السير على المنهج النبوي الشريف أفضل، عندما كان الرسول يستفتى في الحج فيجيب بعبارته المشهورة (افعل ولا حرج )، «عكاظ» فتحت ملف قضية تضارب الفتاوى في الحج حينما تساءلت: هل تصل اختلاف الفتاوى في الحج إلى حد الفوضى التي تؤثر على الحجاج وسلامتهم ومسيرة هذه الشعيرة العظيمة بشكل عام، أم أن ذلك مجرد خلافات فقهية تمثل التنوع الفقهي الإسلامي وسعته؟!، ومن المسؤول عن تضارب الفتوى؟!، وكيف يمكننا وضع الحلول التنظيمية لها بين الجهات الإفتائية في العالم الإسلامي والمملكة؟!، وطرحت رؤية تشكيل هيئة عليا للإفتاء في الحج تساهم في تنظيم الفتاوى لتكمل الصور الجميلة للحج، والتي تشوهها بعض الفتاوى المتشدد ة مما لا تراعي الخلفيات الثقافية والمذهبية للحجاج وتقيدهم برأي فقهي واحد قد يعرضهم للأذى والضرر في إطار التحقيق التالي:
فوضى حقيقية
ففي البداية أيد الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق عضو المجمع الفقهي الإسلامي الرأي القائل بأن هناك تخبطا حقيقيا للفتوى في الحج بحاجة للتنظيم دون إشعار الحاج بالاختلافات فيها قائلا: «لابد من وضع حدود معينة لبعض المسائل الفقهية الجدلية في الحج من خلال التنسيق بين مفتيي البعثات وحملات الحج وبين الجهات القائمة على الفتوى في الحج كوزارة الشؤون الإسلامية، وأيضا المجامع الفقهية خصوصا في القضايا الكبرى، التي فيها شحنة من الاختلافات، مثل رمي الجمار والمبيت في منى ومزدلفة وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى حرج وصعوبات وتضر بأمن وسلامة الحجاج»، فلابد من وضع حد للفتاوى المتشددة وتنظيم قضية الفتاوى من خلال ترك كل شخص يسير على مذهبه دون إلزامه برأي فقهي معين، لأن المذاهب الأربعة متكاملة، وكلها على صواب وخير، فمن أراد المبيت فلا بأس من ذلك ومن أراد أن يطوف قبل طلوع الشمس كما هو في صحيح الإمام أحمد فلا بأس، لأن مثل هذه التوسعة في الفتوى تؤدي إلى عدم الاضطراب مطالبا العلماء بالسير على منهج التيسير في بعض القضايا الفقهية حماية للحجاج حتى ولو خالف هذا الرأي إجماع الفقهاء».
ويرى رئيس مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عضو المجامع الفقهية الدكتور حسين حامد حسان، أن المجامع الفقهية مسؤولة ومعنية بتنظيم الفتوى في الحج، وذلك من خلال عرض ومناقشة الفتاوى التي تشهد جدلا فقهيا، لحسم الأمر فيها وذلك بالتنسيق مع الجهات الإفتائية في المملكة ودول العالم الإسلامي، مبينا أن لكل دولة مذهبا فقهيا تسير عليه، لذا فمن المستحيل إلزام الحجاج برأي واحد، مشددا في ذات الوقت على ضرورة التزام حجاج كل دولة بفتاوى مرشدهم، ذلك منعا للازدواجية والتصادم مع المفتين الآخرين، بالإضافة إلى ضرورة تعلم المناسك في بلدانهم قبل وصولهم للمملكة حتى يسهل عليهم أدائه، و أضاف: «إذا تعذر عليهم أمر أو طرأت نازلة، فيمكن أن يسألوا المفتين الموجودين في المشاعر إذا تعذر سؤال المفتي المرافق لهم، فأي فتوى يسمعونها من أولئك يمكن أن يعملوا بها، لأن الحج مبني على التيسير وليس على التعسير وعلى الحجاج أن يعوا ذلك جيدا».
اختلاف طبيعي
وخالف أمين الفتوى في إدارة الإفتاء في سوريا الدكتور علاء الدين الزعتري رأي سابقيه حينما اعتبر أن كثرة الفتاوى في الحج أمر طبيعي، وهو نتاج لاختلاف الفقهاء في القضايا الفقهية في الحج وقال: «ما من باب من أبواب الفقه يكثر فيه الاختلاف في آراء الفقهاء والمدارس الفقهية كما هو في الحج، لذلك فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان يسأل عن بعض القضايا الفقهية في الحج، يجيب بإجابة واحدة وهي «افعل ولا حرج» فهو من خلال هذه الكلمة فتح باب الرحمة للمسلمين في أداء المناسك وحضور المشاعر وسن سنة حسنة للفقهاء والمفتين لاختيار الأيسر للمسلمين مهما كان مذهب الشخص أو طريقته.
إن هذه الأحكام في الفروع وفي الجزئيات والتفصيلات والحركة والانتقال والتقديم والتأخير والليل والنهار، أما الأركان الأساسية في الحج، متفق عليها وهي النية مع الإحرام والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة، فما دام الحاج قد أتى بهذه الأركان فكل ما عاده من الأفعال والتطبيقات فللفقهاء والعلماء آراء مختلفة ومذاهب متعددة ونرى ذلك من باب الرحمة في العباد، فإن لم يتسع المكان فليتسع الزمان دون أن نضيق على الناس.
واستدرك قائلا: أما ما يجري من إيذاء المسلمين بسبب المزاحمة على فعل السنة ، فإن ذلك حرام لذلك يجب على العلماء عدم التشدد في الفتاوى واختيار الأيسر للحجاج، أما كثرة الفتاوى فهو أمر طبيعي ولا يصل لدرجة الفوضى، وتابع: إذا أحس الحاج باختلاف الفتاوى في مسألة معينة بين ما تعلمه في بلده وما قرأه في كتاب ديني وما سمعه من مفتي في المشاعر فعليه الرجوع إلى قلبه وليعمل بما يراه «استفتي قلبك وإن أفتك المفتون» ذلك أن تعدد هذه الأقوال كل له سند أو دليل.
وشدد الزعتري على طلبة العلم والمفتين مراعاة أحوال الحجاج، لأن الفتوى في مجال التعليم تختلف عن الفتوى في مجال التطبيق، فهي في التعليم تكون قريبة من مقاصد الشريعة، أما في التطبيق فيجب أن تكون الأيسر، فما خير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
مسؤولية الحجاج
وحمل مدير مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة الدكتور عياض بن نامي السلمي الحجاج مسؤولية كثرة الفتاوى في الحج لسؤالهم الدائم عن بعض القضايا رغم معرفتهم ببعض الآراء الفقهية فيها، مشيرا إلى أن عدم قناعتهم بالأحكام التي سمعوها من بعض العلماء والمشايخ تجعلهم يسألون مزيدا من العلماء والمفتين للحصول على الفتوى الأشد، وليس الأيسر ظنا أن حجهم لن يكتمل ولن ينالوا أجره كاملا إلا باختيار الفتاوى الأقسى وهو جهل منهم، وطالب السلمي الحجاج بضرورة الاعتماد على مصدر فقهي موثوق به للأخذ منه، سواء بسؤال علمائهم أو المفتين دون الإكثار من الأسئلة التي قد تسبب لهم خلطا كبيرا، لافتا إلى ضرورة التنسيق بين وزارة الشؤون الإسلامية والمجامع الفقهية ومفتيي الحملات والبعثات في المسائل الفقهية التي تحدث في اختلافات كبيرة، بعمل دراسة ميدانية عنها ومحاولة وضع روئ فقهية حولها، مشددا على أنه مهما كان التنسيق في قضية الفتوى، فإن التصادم حاصل لاختلاف الرؤى الفقهية، لأن هذا الاختلاف يعتبر رحمة بالعباد.
وأشار إلى أن الوزارة شددت على العاملين من الدعاة والمفتين في الحج بضرورة مراعاة أحوال الحجاج ومحاولة عدم مخالفة رأي علمائهم ومشايخهم في القضايا الفقهية التي سمعوها منهم، إلا إذا كان الرأي مخالفا للكتاب والسنة وذلك لاختلاف مرجعياتهم الثقافية والفقهية، مؤكدا أنه ليس باليد أكثر مما فعلته وزارة الشؤون الإسلامية في التيسير على الحجاج، ويرى السلمي أنه في حال تعيين مفتين معتبرين وثقات في بعثات وحملات الحج، فإن ذلك سيخفف من التضارب.
تنسيق الرؤية
وأيد كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد رأي سابقه السلمي في ضرورة قيام بعثات الحج بتوفير مفتين من أصحاب العلم، حتى لا يلجأ الحجاج للبحث عن الفتاوى هنا وهناك، وبالتالي تنظيم وضبط الفتوى على الأقل داخل البعثات والحملات، وقال: «إذا توفرت لهذه البعثات المرشدين الأكفاء من أهل العلم والاختصاص، فإن عليها أن تتقيد بما يرشدها المرشد، فطالما أنهم من أهل العلم والاختصاص، فإنهم لن يخدعوهم أو يغشوهم؛ فإن الرائد لا يكذب أهله، وأضاف: تبقى المسؤولية بعد ذلك على أولئك المرشدين والدعاة، فعليهم أن ينسقوا فتاواهم وأفكارهم مع الجهات المعنية في الحج في المملكة، خصوصا أن لديها علماء ووعاظا متخصصين لإفادة الناس في المشاعر، كما لديهم سعة الأفق، وما يتسع لأقوال أهل العلم المعتبرة من مختلف المذاهب، إن المسائل الخلافية التي يقول بها إمام من أئمة أهل العلم يتسع فيها الخلاف ويكون مذهب كل واحد حجة لمن قال به، فلا ينكر على أحد إذا سلك سبيل إمامه.
واستدرك الحداد قائلا: غير أن على أولئك المرشدين ألا يتشددوا بعدم الخروج عن المذاهب المتبعة والمعروفة لديهم، فإن ضرورة الزحام وضيق المساحة لها أحكامها، فإذا وجدت رخصة معتبرة فلا داعي للتقيد بمذهب معين، فإن الأخذ بالرخص من الدين، مشددا على ضرورة أن يسير المرشدون والوعاظ على النهج الصحيح، لا بالتشدد المعنت، ولا بالترخيص المفرط، فخير الأمور أوسطها.
القول الفصل
أما نائب رئيس ديوان الوقف السني في العراق الدكتور محمود الصمعيدي فطالب بأن يكون القول الفصل في القضايا الفقهية في الحج لعلماء السعودية خصوصا أنهم لديهم خلفية كاملة عن الحج ويسيرون على منهج الوسطية في فتاواهم وآرائهم الفقهية، والاختلاف في فتاوى الحج رحمة، شريطة أن لا يقودنا خارج معنى الفقه العظيم، ولا شك أن كثرة الفتاوى حول القضية الواحدة لايعتبر فوضى، لكنه يمثل اختلافا للمدارس الفقهية في العالم الإسلامي، فعلى الحاج الاقتناع بالرأي الفقهي الذي حصل عليه من العالم أو المرشد أو الفقيه دون أن يشغل نفسه وعقله بالاستماع إلى أكثر من عالم حتى لايتشتت فالحج مبني على اليسر.
إن بعثة الحج العراقية تحرص على إقامة دورات للمرشدين الدينيين في طريقة نصح الحجاج والسير على المنهج النبوي في إعطاء الفتاوى، وقد أعد منهجا خاصا من أجل رفع الحرج على الحاج وعدم تحميله فوق طاقته، وعدم تشتيته وذلك بالتأكيد على الحاج بضرورة الاكتفاء برأي المرشد أو المفتي المرافق مع البعثة، حتى نجعل حجه بسيطا وميسرا، متمنيا أن تسير معظم بعثات الحج على هذه الطريقة التي تحمي الحاج من التشتت وتقليل كثرة الفتاوى في الحج.
هيئة شرعية
واقترح أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة في الطائف الدكتور فهد الجهني إنشاء هيئة شرعية مختصة في كل ما يتعلق بمسائل الحج وفتاواه وذلك من خلال دراسة موسوعة أعدها قبل نحو عامين، حيث اشترط أن تكون عالمية موسعة ينتخب في عضويتها علماء من بلدان مختلفة، لتتمثل فيها المذاهب الفقهية الأربعة، وأن يختار لعضويتها المؤهلين من العلماء وأساتذة الجامعات المعروفين بالبحث والتدقيق والنصح للأمة، على أن تنبثق هذه الهيئة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة توحيدا للجهود وتوفيرا للوقت.
وطالب الجهني في دراسته أن تفتح هذه الهيئة جسورا للتعاون المستمر والمنظم مع الجهات المعنية بأمور الحج، كالجهات الأمنية، ومعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، لافتا إلى أنها جاءت لأهمية الفتوى في الحج، خصوصا أن اختلاف المفتين فيها أمر طبيعي لأسباب علمية، منها الاختلاف في تفسير النصوص الواردة، كالاختلاف بين الأصوليين والفقهاء حول فعل النبي في حمله على الوجوب أو الندب، فأن مثل هذا الاختلاف لا يخلو من رحمة وتوسعة في بعض جوانبه، واستدرك قائلا: لكن محاولة ضبط هذا الاختلاف وتقليله فيه مصلحة للمكلفين.
وعدد الجهني بعض المصالح المترتبة من إنشاء الهيئة قائلا: فيها تضييق دائرة الاختلاف كون الفتوى تصدر بصورة جماعية ومن هيئة تمثل فقهاء الأمة فهي أدعى للقبول، وفيها قطع لتذرع البعض من أنه لايقتنع بالفتوى الأحادية، و أن تخصيص هذه الهيئة بمسائل الحج والمناسك يعطي المشاركين قدرا أكبر من التركيز والبحث والتأمل، والسماع من أهل الخبرة والاختصاص في أمور الحج، خصوصا أن هناك العديد من المسائل الفقهية ما زالت معلقة، أو يفتي فيها بصورة فردية، والناس بحاجة ماسة لبيان القول الصحيح فيها.
مشددا على ان هذه الهيئة ستساهم في ضبط الفتوى وتقليل التضارب الحاصل, مبديا خشيته من تجاوز النقاش الفقهي من السنن والواجبات إلى الاركان ما لم يتم ضبط المسألة بشكل علمي رصين.
تعارض الأنظمة
من جانبه، أكد وكيل وزارة الحج حاتم قاضي، إن بعض الفتاوى المتشددة قد تسبب بعض المشاكل في الحج وينتج عنها بعض الحوادث نتيجة الازدحام، وقد تتعارض أحيانا مع بعض خطط الحج مثل برنامج التفويج لجسر الجمرات والمتماشي مع الطاقة الإستعابية له، مبينا أن الوزارة تعد جداول توزع على بعثات الحج للالتزام بها في رمي الجمرات في ساعات معينة، وقال إن احترام هذه الجداول يؤدي لسلامة الحجاج ورميهم بكل يسر وسهولة، وذلك بالتنسيق مع البعثة والمرشدين الدينيين فيها، واستدرك: لكن بعض الفتاوى المتشددة تجعل بعض الحجاج يخالفون هذه الجداول، وقد يذهبون فرادى رغم أن الجداول لا تتعارض مع الأحكام الفقهية ،وطالب قاضي المفتين بمراعاة المصلحة والتيسير على الحجاج في فتاواهم مع ضرورة الاطلاع على الأنظمة والخطط في الحج حتى تتواءم الفتاوى ولا تتعارض معها، لأن اتباع الرخص فيه تيسير على الحجاج.
مؤكدا على أهمية التعاون في تنظيم تضارب الفتوى بين وزارة الشؤون الإسلامية والمجامع الفقهية والعلماء مع الجهات المعنية في الحج مثل الوزارة ومعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج وغيرها حتى تكون الفتاوى ملائمة للأنظمة الموضوعة ومتماشية مع القواعد الفقهية وتحقق المصلحة العليا للحج.
تعاون المعهد
وأبدى عميد معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج الدكتور ثامر الحربي تعاونه الكامل مع كل جهة تريد التيسير على الحجاج سواء كانت جهة إفتائية أو غيرها، وقال: ليس من مهمات المعهد التدخل في القضايا الفقهية والإفتائية، لكنه جهة بحثية علمية بحتة تنفذ الدراسات والأبحاث التوثيقية حول المشاريع والمشاعر والحجاج ولانتطرق في أبحاثنا للقضايا الشرعية أو الفقهية لأن هذه الأمور من اختصاص الجهات الشرعية والفقهية، لكن إذا طلب منا الاستئناس بأبحاثنا وتجربتنا ليستفيد منها الفقهاء والخطباء ويتعرفوا أكثر على المشاعر ومساحاتها ومشاريعها حتى تكون فتواهم ملائمة للمكان والزمان ويصدروها عن رؤية ميدانية فنحن على استعداد كامل للتعاون معهم، إن المعهد يقوم سنويا بعمل ورشة عمل للعاملين في مجال الإفتاء والدعوة في وزارة الشؤون الإسلامية لإطلاعهم على الأجواء في المشاعر المقدسة والمساحات والمشاريع حتى يستوعبوها جيدا، خصوصا أن الكثير منهم يأتي من خارج المنطقة ولايعرف شيئا عن المشاعر فتعينهم مثل هذه الورش على التعرف على المشاعر بشكل ميداني وعملي وبالتالي إصدار فتاواهم بشكل سليم ومنطقي ومناسب.
من جانبه، رحب مستشار وزير الحج أمين عام ندوة الحج الكبرى الدكتور هشام العباس بطرح هذه القضية في ندوة الحج الكبرى شريطة أن تعرض على اللجنة العلمية للندوة، فإن رأت هناك حاجة لمناقشتها فلا مانع من ذلك، وأشار إلى أن الندوة لم يسبق أن طرحت موضوع فوضى الفتوى في الحج، لكن تم مناقشتها ضمنيا ضمن دورات الندوة السابقة، مشيرا إلى أهمية مناقشة مثل هذه الموضوعات، وهذا لا يتم إلا عبر دراسة عميقة لمعرفة مدى أهمية مناقشة هذا الموضوع، وهل يشكل معضلة حقيقية في الحج؟!.
تنظيم داخلي
وطالب الباحث في شؤون الحج وصاحب حملات اليافي لحجاج الداخل عدنان اليافي بضرورة مناقشة هذه القضية كونها تحمل الريادة في ذلك، من ناحية وجود المجامع الفقهية فيها، ومن ناحية خدمة الحجاج وتولي أمورهم، وقال: يجب أن تصدر غالبية فتاوى الحج من داخل المملكة ويتم التنسيق مع البعثات في ذلك للوصول إلى صيغة مشتركة، خصوصا في ظل وجود المعرفة الشرعية الوسطية الصحيحة عند علمائنا، سواء هيئة كبار العلماء أو فقهائنا الأجلاء، إضافة لارتباط المملكة بشؤون الحج والحجاج واحتياجاتهم ومشاكلهم مع وجود الجهات الاستشارية في شؤون الحج مثل وزارة الشؤون الإسلامية والمجامع الفقهية ومؤسسات الطوافة ومعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، لذلك فإن المملكة بتوفر هذه العناصر قادرة على إصدار فتاوى مقننة في أحكام الحج تتطابق مع واقع المشاعر، ضمن قنوات محددة وكل ذلك بالتنسيق مع البعثات ومع الفقهاء في العالم الإسلامي حتى لا يتوه الحاج بين رأي وآخر.
وبين اليافي أن حملات حجاج الداخل تسير وفق نظام وزارة الحج إذ تقوم بجلب مرشد ديني معتبر وموثوق ليفتي الحجاج بمنهج التيسير مراعيا ظروفهم، و نحرص على ذلك حتى نيسر لهم أداء الفريضة بالشكل الصحيح وفق السنة النبوية مع مراعاة القوانين وخطط الحج الموضوعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.