75% من الغرف الفندقية بمكة المكرمة    تداول ينخفض 7.1% خلال شهر    مصانع لإنتاج أسمدة عضوية من مخلفات النخيل    "إنزاغي": ثقتنا كبيرة بأنفسنا.. ومواجهة سالزبورغ حاسمة    تصعيد يحبط الوساطات وشروط المفاوضات تعجيزية    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية كازاخستان    نائب أمير الشرقية يعزي العطيشان    إنزاغي يكشف عن 3 غيابات في الهلال أمام سالزبورغ    دورتموند يتغلب بصعوبة على صن داونز في مونديال الأندي ة    28 متحدثًا ومشاركًا يثرون المؤتمر العلمي الثاني لمكافحة المخدرات في جازان    بعثة حج الجمعيات الأهلية المصرية : نشكر السعودية علي ما وفرته لراحة ضيوف الرحمن من المصريين وتيسير مهمتنا    توزيع هدية خادم الحرمين على الحجاج المغادرين عبر منفذ عرعر    مباحثات برلمانية سعودية فرنسية    ترحيل 7238 مخالفًا للأنظمة    موسى محرق.. رحيل إعلامي ترك أثرًا لا يُنسى    وزير الخارجية: ندين الاعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه إيران    رسميًا... الأهلي يعلن رحيل أليوسكي    لا يفوتك هذا المقال    "سلوك خطأ" يحرمه الشرع ويجرمه القانون    هل تموت الكلمات؟    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي في غزة إلى 55908 شهداء    الصبّان: نُعد دراسة استراتيجية لتطوير الموسم المقبل بمشاركة خبراء التايكوندو    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على صاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن فهد بن فيصل بن فرحان آل سعود    الجبهة الداخلية    ‫ الأمن العام في الأردن سقوط مسيرات في مناطق عدة ونؤكد ضرورة اتباع الإرشادات    احتفل دون إيذاء    "المنافذ الجمركية" تسجل 1084 حالة ضبط خلال أسبوع    نائب أمير الرياض يحضر غدًا حفل تكريم المنشآت الفائزة بجائزة الملك عبدالعزيز للجودة في دورتها السابعة    دبلوماسية الطاولة العائلية    استغلال أوقات الفراغ في مراكز الأحياء    "ريف السعودية" يستعرض قصة نجاح مُلهمة لإنتاج عنبٍ محلي يفوق جودة المستورد بالطائف    "يونيشارم" تُرسخ قيم الأسرة في الخليج باحتفالها الأول بيوم الأب برعاية "بيبي جوي"    "التخصصي" يستعرض ريادته في التقنية الحيوية بمؤتمر Bio الدولي    كأس العالم للأندية: بايرن ميونخ يتأهل لدور ال 16 بفوزه على بوكا جونيورز    أمطار وزخات برد على جازان وعسير وتحذيرات من الغبار بالشرقية والرياض    الأنيميا المنجلية.. ألم يولد مع الإنسان ومسؤولية العالم تتجدد    رسمياً .. عمر السومة ينضم للوداد المغربي    ترامب: مديرة المخابرات جابارد مخطئة بشأن برنامج إيران النووي    عون : لبنان سيبقى واحة للسلام وينبض بالحياة ولا أحد يريد الحرب    المنهاج التعليمية تتفاعل مع قصة الطفلة زارعة الكبد اليمنية ديانا عبدالله    أرامكو السعودية تدشن المركز الإقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية في جزيرة أبوعلي    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا    خطيب الحرم: محاسبة النفس دليل على كمال العقل وسبيل للفلاح    مدير تعليم جازان يكرم "افتراضيًا" الطلبة المتفوقين دراسيًا والمتميزين في الأنشطة المدرسية    أمير المنطقة الشرقية يؤدي صلاة الميت على والدة سعود العطيشان    خدمة الحجيج.. ثقافة وطن وهوية شعب    1200 كائن فطريّ في الطبيعة    مشاعر الحج    تجريد المساحة وإعادة تركيب الذاكرة البصرية    عشرة آلاف خطوة تقي من السرطان    زرع مثانة في سابقة عالمية    أمانة تبوك تنهي المرحلة الأولى من تطوير طريق الملك فيصل    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران شيخ شمل محافظة جزر فرسان    دعوات لتسريع تطبيق حل الدولتين.. إدانة دولية متصاعدة لانتهاكات الاحتلال في غزة    تسمية إحدى حدائق الرياض باسم عبدالله النعيم    لن نستسلم وسنعاقب تل أبيب.. خامنئي: أي هجوم أمريكي عواقبه لا يمكن إصلاحها    يوليو المقبل.. إلزام المنشآت الغذائية بالكشف عن مكونات الوجبات    ميكروبات المطاعم تقاوم العلاج بالمضادات الحيوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السبرة
نشر في عكاظ يوم 27 - 01 - 2023

ظهر يوم الثلاثاء والسوق مكتظة بزبائنها، من أهالي (أبها) والقادمين من القرى المحيطة يعرضون بضائعهم من فواكه وخضار، والعسل بأنواعه والحطب والفحم، رائحة السوق، تضفي على الناس؛ البهجة وصفاء الأنفس، فجأة وإذا بسحب سوداء ورعد يملأ المدينة بدأ الناس في عجلة من أمرهم وهم الذين اعتادوا على سماع الرعد، ومراراً عديدة شاهدوا البرق في جبالهم وأوديتهم ومزارعهم، لكن هاجساً دخل قلوبهم وأوحى بأن ذلك مختلف عن ما سبق...
غابت الشمس تماماً والسحب السوداء تغطي الأفق والناس في جلبة من أمرهم ينظرون إلى بعضهم البعض وأسئلة تغصّ بها الحلوق لكن لا إجابة، الناس في عجلة من أمرهم وخوف دفين يجوس في دواخلهم وعلامات استفهام ليس لها ردود، الظلمة تمتد فوق الجبال غرب (أبها) وتزرع الحنين إلى الأهل والأحباب.
كان المطر عرس الأرض ورحيق الأشجار الذي يروي ظمأها، أما اليوم فهو ماء كثيف تدلقه السحب السوداء على الوديان والأرض والبشر والمنازل الطينية المتشابهة، وادي أبها يئن من السيول الضخمة التي تأتي تباعاً من المناصي البعيدة وحبات البرد تستهدف الأشجار وتعريتها من أوراقها وأغصانها الناحلة.
عاد عايض لمنزله الذي كان بمثابة قصر صغير وبه طبقات ثلاث ومجالس متعددة، رغم أن البناء كان من اللبن والرقف الذي كان الدفاع الأول من المطر للحفاظ على المداميك المبنية من اللبن والقش، هو يوم الثلاثاء وعاد منها في الحصة الرابعة قاصداً بيتهم الكبير في حي (البحار) شعر بخيبة الأمل فلم يعبر سوق (الثلوث) الذي يحبه، لكن هرب الناس والهلع الذي شاهده في أعين الرجال والنساء من هذا الظلام الذي عمّ المدينة دفعه لمنزله..
بدأت زخات من المطر ثم زادت وتيرتها، اعتاد ذلك، تناول عشاءه والمطر يزداد والرعود تملأ أنحاء المدينة والبرق يضيء ساحة البحار، أقفل نافذته المطلة على المشهد، حاول أن ينام مبكراً على غير العادة، حين دخل قفل أجفانه رفقة إخوانه الذين ناموا مبكراً، سحب البطانية على جسده ودخل مملكة النوم، لم يمر وقت طويل ليستمتع بنومه، فجأة وإذا بوالدته تربت على ظهره، حين أزاح البطانية عن وجهه، إذا بها تقول: عايض أقرأ سورة الحشر.
قال: لها لماذا؟
قالت بعفوية: اقتربت السماء من الأرض!
ابتسم محاولاً ألا تشعر والدته بذلك..
قام من فراشه فتح النافذة، فإذا الثلج يهبط من السماء بكثافته فوق الأرض والبيوت الطينية، ساوره الخوف بدأ بقراءة السورة، أخرج رأسه من النافذة والثلج لا يزال يهبط من السماء ويغشى الأرض والبيوت بالبياض الذي يشاهده للمرة الأولى.
راوده فرح لا يعرفه ونشوة غريبة وحث نفسه على الاستمتاع حتى آخر قطرة مطر، نام باحثاً عن دفء، ولكنه حلم طول الليل بالثلج الذي شاهده.
في صباح اليوم التالي، وجد أسراً كثيرة يعرفهم في داخل البيت، حيث كان الرجال في طابق والنساء في طابق آخر بأطفالهن، كان بيتهم من أكبر البيوت وأكثرها متانة وبناء، داخلته الدهشة والاستغراب، أدرك مؤخراً وحين رأى ساحة (البحار) تنتشر فيها الخيام أن السبرة أسقطت الكثير من المنازل المتواضعة، ولم يجد أهلها سكناً إلا في الخيام التي بعثتها الحكومة بعد ثلاثة أيام من إرسالها ووزعتها في (أبها) كان عمد الأحياء هم من يتولون التوزيع فهم أكثر معرفة بالفقراء والأغنياء من أهل أبها.
لم يتوقف المطر لمدة طويلة بعضهم يقول باستمرارها نصف شهر والآخر يزيد على ذلك، سوق الثلاثاء لم يقم لمدة شهر كامل، في الخيام نشأت الصداقات بين الفتيات والفتيان الذين شاهدوا بعضهم البعض دون حواجز البيوت المغلقة والنوافذ التي يسرقن النظر للخارج وقلوبهن تزداد خفقاناً حين يشاهدن شاباً عابراً، في تلك الأيام والليالي لم يتوقف المطر أبداً، منهم من قال إن تلك (السبرة) استمرت لمدة أسبوعين ومنهم من بالغ وأكد أنها استمرت شهراً كاملاً، لم يشاهد أهل أبها الشمس طوال هذه الأيام أما في الليل الحالك فقد كان البرق يضيء المدينة وشوارعها الضيقة التي تحولت إلى أودية صغيرة، البيوت التي كانت تضجّ بالحياة نهاراً وفي الليل تنبعث منها أنوار الأتاريك والسرج طمرت في ظلام دامس، وفي الخيام نمت الحياة بين الناس وكأنهم تعارفوا للمرة الأولى، سوق الثلاثاء الفرح الإنساني توقف ثلاثة أسابيع، لم نشاهد المليحات يهبطن أبها فيربكن صبحاً ثلاثاءها.
لم نبصر (المستقيات) والقرب المليئة بالماء يحملنها على ظهورهن متجهات إلى البيوت في كل الأحياء، لم نعد نشاهد سيارة البريد التي تحط رحالها في أبها كل أسبوع أو أسبوعين، ممتلئة بالصحف والمجلات المصرية التي يستلمها العم صالح كتبي في بيته الصغير بحي (القرى) ثم يقوم بتوزيعها على أهل أبها الذين يحسنون القراءة، ويحمل البريد كتباً متنوعة معظمها سلاسل مصرية ووكيلها العم إدريس الحازمي الذي يمتلك (صندقة) وسط السوق ويبيع على الراغبين في اقتناء هذه الكتب.
كل ذلك زاد معدل الكآبة، وشعر أهل أبها بانقطاع عن العالم.
كان عايض في بيته متعدد الطوابق وزادت صلاته بعوائل أبها الذين يطلقون عليهم مسمى (الكُبارية)، نام تلك الليلة مبكراً وسمع من بعيد الأصوات في ساحة البحار يزغردن فرحاً، فتح نافذته وإذا بالشمس قد عادت تبسط أشعتها على المدينة وعاد الفرح يشرق في وجوه النساء والأطفال والرجال، عادت الحياة إلى أبها وساكنيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.