اجتماعات برلين تعيد التفاوض بين أوكرانيا وروسيا    مسلح يقتل شخصين ويصيب تسعة في جامعة أميركية    السودان: مقتل ستة من حفظة السلام في هجوم بالمسيّرات    تعليم منطقة الباحة يعلن تعليق الدراسة يوم غدٍ الاثنين    شقيق الإعلامي علي العكاسي في ذمة الله    الوسط الثقافي يفجع برحيل صاحب الحزام    مدير شرطة منطقة جازان يقدم التعازي لشيخ قبيلة العكرة في وفاة شقيقته    دواعش سوريا يعيدون أمريكا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الصين    شراكة مجتمعية بين أمانة القصيم وجمعية ماء    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة الأردن في نصف نهائي كأس العرب    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات على نفقة سموه الخاصة    الأمير سعود بن نهار يطلق جائزة الطائف للعمل المجتمعي والتطوعي في دورتها الثالثة    سيتي يواصل الضغط على أرسنال المتصدر بفوز ساحق 3-صفر على كريستال بالاس    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي رئيس وزراء إسبانيا السابق    نمو أعداد الممارسين الصحيين إلى 800 ألف    المملكة تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة سيدني الأسترالية    هيئة الربط الكهربائي وجمعية طاقة مستدامة توقعان اتفاقية نحو مستقبل طاقة مستدام    أمير جازان يستقبل رئيس النيابة العامة بالمنطقة    الأخضر الأولمبي يتغلّب على الإمارات ويتأهل لنهائي كأس الخليج    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه 11كيلو جرامًا من نبات القات    "رينارد": نحترم منتخب الأردن.. ولكن طموحنا التأهل للنهائي    حضورٌ دوليٌّ رفيع في المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بالرياض    استعدادت لانطلاق النسخة الأولى من المؤتمر الدولي للأوقاف    جدة والرياض.. بنية رياضية تعزز جاهزية كأس آسيا تحت 23 عامًا 2026    مدينة الملك سعود الطبية تدشّن اليوم العلمي الأول لزراعة الأسنان لعام 2025    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    لا تكن ضعيفا    حركة الوجود    الغرور العدو المتخفي    السجل العقاري يدعو الملاك لاستكمال التسجيل قبل 19 مارس 2026    رئيس بلدية صبيا يواصل المتابعة الميدانية لسير العمل في مشروع الكوبري    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    أمير الرياض يستقبل رئيس المحكمة الجزائية المعين حديثًا بالمنطقة    أثر الذكاء الاصطناعي: لماذا مستقبل العمل هو الإنسان والآلة    ديبورتيفو ألاهويلنسي الكوستاريكي يتوّج بلقب النسخة الثانية من بطولة مهد الدولية للقارات    محافظ الأحساء يكرّم عددًا من ضباط وأفراد الشرطة لإنجازاتهم الأمنية    إدارة الترجمة بوزارة الداخلية تعزز التواصل مع زوار معرض الداخلية بمهرجان الإبل    تجمع القصيم الصحي يحصد ثلاث جوائز وطنية في الرعاية الصحية المنزلية لعام 2025    فهد الطبية الأولى عالميًا خارج الولايات المتحدة كمركز تميّز دولي لعلاج الجلطات الرئوية (PERT)    استمرار هطول الأمطار.. والدفاع المدني يحذر    البحري شريك استراتيجي لمبادرة ويف لدعم تعافي المحيطات والنمو البحري المستدام    كورال المركز الوطني للفنون المسرحية في الصين تقدم عروضا في مركز إثراء بالسعودية    أمسية شعرية وطنية في «جدة للكتاب»    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً    ضبط 19.5 ألف مخالف    حققت قفزة نوعية بمعدل 9 نقاط خلال عامين.. السعودية بالمرتبة ال10 بمؤشر التغطية الصحية الشاملة    وسط حصيلة متزايدة لضحايا غزة.. استشهاد فلسطيني متأثرًا بجراحه في خان يونس    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    برعاية خادم الحرمين.. أمير الرياض يحضر ختام العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية الأصيلة    وسط انتقادات واشنطن لقرار أممي.. مؤتمر دولي لبحث إنشاء «قوة غزة»    تعزيز الأمن الغذائي المستدام    محمد سعد بطل«دياب»    العزاب يغالطون أنفسهم    ورشة عمل في فندق كراون بلازا تحت إشراف جمعية القلب السعودية ضمن حملة 55 قلبك بخير    أمير الشرقية ونائبه يعزيان العتيبي في وفاة والده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكة الحنين الطويلة !
نشر في عكاظ يوم 27 - 05 - 2020

كما ذكرت من قبل، وأكرر التذكير، فإن مشربية الحكي في حاجة دائماً إلى عاشق ومعشوق، وبالطبع تحتاج إلى حكايات عشق، تجمع القلوب، وتقرب المسافات والأزمنة، وتحول الحكي نفسه إلى متعة وبهجة، والمعشوق الذي أرغب في الحكي عنه اليوم، هو أعز الولد، الأحفاد، والعاشق الجد والجدة، وكيف اختلفت صورة العلاقة بين الاثنين، من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، وذلك بفضل البعد الجغرافي، والاغتراب، وكيف أن الاتصال اختلف، من التواصل الحميم المباشر، إلى التواصل الإلكتروني، في عصر الميديا الحديثة، وزمن الكورونا البغيضة، لا أنسى ولن أنسى، جدي لأبي، ذلك الرجل عالي الهامة، طويل القامه، كنت «أمط» رقبتي وأتطلع إلى أعلى لأنظر إليه، كان يبدو بالنسبة لي، كائنا أسطوريا، بفعل ضآلتي الشديدة وضخامته، عشت معه أجمل سنوات طفولتي المبكرة، كنت الطفل الذكر الأصغر بين أخوات أربع، كان كل عالمي في طفولتي، كان يصطحبني معه في عز البرد «المكاوي» يلفني تحت عباءته ويطوقني بذراعيه، ينتقل بي من حي «شعب عامر» إلى حي «المعابدة» حيث جدتي لأمي، يتركني لديها وأنا محاط باللعب والحلويات، التي يكون قد اشتراها لي في الطريق، كنت أشعر بأزهى ألوان الفرحة، ما إن تطأ قدماي دار جدتي، كنت أحس أنني أملك الكون كله، أتنطط مثل دقات المطر بين القاعة والحوش مطمئنا، أكلم الدنيا من غير خوف، من غير ما تخصني تشوهات الناس، وعشقت جدي حتى الثمالة، كان رجلا له مزاج صافٍ مزاج النسمة في البستان، كان شديد التدين، حافظاً للقرآن، كان يتلو القرآن بصوت عذب، كما كان يروي تواشيح جميلة، ومن بينها «ما شممت الورد إلا زادني شوقا إليك»، كان ينشد ذلك في المساء، وفي تنغيم جميل، وكان محبا لمن حوله، خاصة جيرانه الذين يؤثرهم بما تجود به «أفران» عمي «عبدالعال» وعمي «محمد» من خبز طازج، في ظاهرة تنم عن كرم النفوس ومودتها وعمق مشاعرها، وبرحيل ذلك الكيان عني مبكراً، عرفت معنى الفقد مبكراً، أحسست أن ثمة شيئاً عزيزاً ضاع مني ولست متأكداً أنني سوف أستطيع استعادته بعد ذلك، ثمة بشر يرحلون فارغين، وثمة بشر يرحلون ويحملوننا معهم، جدي رحل وحمل قلبي معه، بعض أنواع الرحيل لا تعادله مرارة، أصعب أنواعه رحيل الجد والجدة، فالجد زهرة الربيع، ومعطف الشتاء، وجدتي وكل جدة، أيقونة من الحنين، ومخزن لا ينضب من الحكايات، كانت جدتي تبدأ كل حكاية بالصلاة على النبي، وبعد أن تبدأ، ينام من ينام في خدر لذيذ، وأظل أنا ساهراً وحتى تنتهي، وأعتقد أنني اكتسبت مهارة الحكي من جدتي رحمة الله عليها، والعجيب أن أصداء حكايات الجدة، يتردد رموزها من الشرق للغرب، ولقد جمعت «دار المعارف» الكثير من الحكايات الشعبية من أفواه الجدات، وتضمنتها في كتاب ضخم، يعد من كلاسيكيات أدب الأطفال، لم أكن أعي سحر تلك «المعزة» التي يحملها الأجداد للأحفاد، إلى أن جاء آدم وياسمين وسارة، واكتشفت مع هذا الحضور عالماً يفوق حب الأبناء، أو ما يقال بالتعبير الشعبي «ما أعز من الولد إلا ولد الولد» زينوا حياتي وأشاعوا البهجة فيها، وعاقبتني الحياة في هذا العيد، بالبعد عنهم، وفق هذه العزلة البغيضة، والتي لم تترك لي خياراً للتواصل معهم بالصورة والصوت إلا عن طريق الإنترنت، حيث يقيمون في أمريكا، ولقد اشتهر الفنان الإنجليزي «فردريك مورجان» بلوحاته العديدة التي تهتم برسوم الأطفال، وتمتد إلى الآباء والأمهات والأجداد، وله لوحة شهيرة بعنوان «عيد ميلاد الجد» صور فيها خمسة أطفال في ملامح من النبل والجمال، كلا منهم يحمل هدية للجد، صورهم على الباب بصحبة كلبهم الذي يبدو أيضاً بنظرة فرحة، بينما يقف الجد أمامهم على بوابة البيت، وكأنه يهم بفتحها استعداداً لدخول حبات القلوب إلى بيته، بعد أن دخلوا وجدانه من قبل، ولوحة أخرى بعنوان «سر عظيم جداً.. جداً» صور فيها طفلة صغيرة في حضن جدتها تبثها هذا السر، في أذنها اليمنى، مما يؤكد حبها وثقتها في الجدة، بعيداً عن أبويها، أما الفنان البولندي «جوليوس شولتز» فله لوحة أنيقة اللمسة، صور فيها الجدة مع حفيدتها الكبرى، بدقه ورقة في الملامح، تبدو فيها الجدة جالسة في الصالون، وطفلة صغيرة مسترخية برأسها في الناحية اليمنى للجدة، وقد طبعت هذه اللوحة في طابع بريدي ألماني، أولئك الرسامون أجداد مثلنا، سكن أحفادهم الصدر والقلب منهم، وتحولوا إلى دم في العروق، وألوان وصور تزين العيون، وهذا ليس بغريب، فالأحفاد يظلون فكرة شقية، تشرق في خيال الجد والجدة، تغفو معهم على وسائدهم، يزورونهم في أحلامهم، يتلفتون بحثاً عنهم في الصباح، كغيب لم يأتِ، وينتظرونهم على عتبات البيوت، ويشعلون لهم الأصابع العشرة شموعاً، يقتسمون الأيام معهم بين أعينهم وأصواتهم، كمسلسل أفراح لا ينتهي، يملؤون بفصوله مساحات القلب ضجيجاً، وحتى نهاية العمر!!
كاتب سعودي

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.