جاءت رؤية المملكة 2030 متكاملة من حيث تغطيتها جميع جوانب الحياة السعودية، بدءًا من الاقتصاد مرورًا بالجوانب الاجتماعية وانتهاءً بالتعليم وما يدور في فلكه من آمال وتحديات، فبرزت أشياء من قبيل ضعف البيئة التعليمية المحفزة على الإبداع والابتكار فضلًا عن الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن مهنة المعلم بالإضافة إلى تراجع مستويات المعلمين وعدم مواكبتها للعصر، برزت كل هذه الأشياء كأكثر التحديات التي تحتاج إلى حلول جذرية فورية، فالمعلم والطالب هما أساس الأمر كله؛ ودون تأهيلهما على الوجه المناسب سيصعب جدًا السير بالتعليم نحو ما يراد له من جودة وتطور. لذلك أولت رؤية المملكة 2030 مسائل التدريب والتأهيل بالنسبة للمعلم اهتمامًا خاصًا، ذلك أنه الأصل، وعن طريق رفع مستواه ستتخلص البيئة التعليمية رويدًا رويدًا من مشكلاتها الحاضرة، لذلك كان تحسين استقطاب المعلمين وتأهليهم وتطويرهم وصقل مهاراتهم أهدافًا رئيسة احتوتها الرؤية وحددتها لها العام 2020 كي تتحقق فيه ولو بشكل مبدئي. في الإطار ذاته عمدت الرؤية إلى وضع الخطط التي تمهد بالكيان التعليمي ككل؛ للانتقال من مرحلة التدريب والتلقي في المراكز التدريبية الخارجية إلى مرحلة توطين التدريب وبلورته في مراكز وأقسام متخصصة داخل المدارس والمنشآت التعليمية المختلفة، وذلك رغبة منها في دعم استمرارية التدريب ورفع الكفاءة وإزالة كافة العوائق البيروقراطية التي تواجهه؛ فضلًا عن توفير الوقت والجهد، بالإضافة إلى إدماج ثقافة التدريب والتطوير كجزء لا يتجزأ من الخارطة التعليمية. لم يفت رؤية المملكة 2030 أن تتوجه للطالب بالتدريب والتأهيل، حيث حرصت في أهدافها العامة لعام 2030 أن تعزز القيم والمهارات المختلفة بالنسبة للطالب، وأن تساهم في صنع بيئة تعليمية مميزة محفزة على الإبداع والابتكار، وهذا بالفعل ما يتم تطبيقه حاليًا بشكل مبسط حيث يتلقى الطلاب قدرًا كبيرًا من التطوير والتدريب ضمن أيامهم الدراسية. لكن للأسف يلوح في أفق تطبيق التدريب والتطوير مشكلة إجرائية تتعلق بسير العملية التعليمية، فالمعلم في حيرة من أمره بين نظامين كلاهما مر، فإذا كان التدريب الخاص به صباحًا فعليه أن يذهب إلى التدريب ويترك ورائه حصصًا مما يترتب عليه ضررًا فادحًا بالنسبة للطلاب من حيث تأخرهم في المنهج وعدم حصولهم على أوقاتهم التعليمية المخصصة لهم. أما إذا كان التدريب بالنسبة للمعلمين في المساء فتلك مشكلة من نوع آخر، حيث يفترض فيها على المعلم أن يداوم في عمله صباحًا ثم يتوجه مساءً إلى مراكز التدريب، وفي هذا الأمر مشقة بالغة بالنسبة له لا تستقيم أبدًا مع إحرازه نتائج طيبة في نهاية المطاف، فالتشتت الذهني سيكون حاضرًا نتيجة اتصال فترة التدريب بفترة الدوام؛ فضلًا عن الحالة النفسية السيئة التي سيكون عليها المعلم نتيجة الجهد المتواصل الذي يقدمه، وبالتالي لن تكون استفادته من التدريب على الوجه المأمول. الأمر نفسه بالنسبة للطلاب؛ فتوجههم لمراكز تدريب خارجية من أجل تلقي برامجهم التأهيلية المختلفة يؤثر حتمًا على سير يومهم الدراسي؛ ويضعهم تحت ضغط حصار الالتزامات من كل اتجاه، فما كان مقررًا لهم أن يدرسوه في ساعتين أصبح فقط في ساعة، مما يترتب عليه تقليل فرص الاستيعاب والتفاعل، فضلًا عن انعكاس كل هذه الضغوط على حالتهم النفسية، وبالتالي يكون تحقيقهم للتفوق واكتساب المهارات أمرًا فيه من الصعوبة ما فيه. لذلك فإن إيجاد حل لهذه المشكلة يبدأ من حيث توطين التدريب في المنشآت المختلفة واستحداث آليات تنظيمية دقيقة من أجل دمج هذا التدريب ضمن اليوم الدراسي، وذلك بما لا يؤثر في سير العملية التعليمية من حيث ضغط الطلاب في عدد ساعات دراسية أقل بما هو مفترض بهم، أو من حيث وضع المعلمين تحت تأثير ضغوط حياتية بسبب المداومة لساعات إضافية. يمكن تحقيق ذلك عبر الاعتماد على معلم مدرب متفرغ لهذا الغرض التدريبي ومؤهل علميًا وعمليًا ليكون في هذا المكان، وتوفير معمل تدريبي أو قاعة محاضرات مجهزة بما يتلاءم وتدريباته المقررة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية التوطين ستتيح الفرصة أمام كل مدرسة كي تضع برنامجها الخاص المناسب لأعضائها والُمسدّد لجوانب النقص فيها، وبالتالي نتخلص من فكرة القوالب التدريبية الجاهزة، وتكون البرامج التدريبية بذلك أكثر فائدة ونجاعة في حل المشكلات القائمة. إن مسألة توطين التدريب وجعله منتميًا للمنشآت التعليمية المختلفة هي مسألة لا غنى عنها، وهي إحدى النقاط الرئيسة المحددة سلفًا في رؤية 2030، وبالتالي فإن الشروع في حل المشكلة بناءً على ذلك هو أمر غير مستغرب ويجب الشروع فيه في أقرب فرصة، ضمن خطوات تدريجية تراعي الإعداد الجيد للمدربين والتجهيز المتكامل للمراكز الداخلية التي ستستقبل تفعيل هذا التوطين.