هل ألحق الركود الكبير الضرر الدائم بالاقتصاد الأمريكي؟ أم هل كان فقط مجرد حفرة عميقة احتاج وقتا طويلا للخروج منها؟ تقول الأدلة الآن إنها كانت الحالة الأخيرة في معظمها. استنادا إلى مدى سرعة انتعاش وتعافي الولاياتالمتحدة من الأزمة المالية في عام 2008 والركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك، لم تكن السرعة مختلفة جدا عن تلك المتعلقة بحالات الركود الأخرى خلال الأعوام الثلاثين الماضية. كان مسار انتعاش العمالة بعد الركود الكبير مشابها تقريبا لحالات الانتعاش التي أعقبت الركود في الأعوام 2001 و1990. الاختلاف الرئيسي هو أن الركود الكبير بدأ بانخفاض أعمق وأكثر شدة. ومن المثير للاهتمام، دام الانتعاش الحالي لفترة أطول من الانتعاش الذي أعقب عام 2001 - وبعد مضي 8 سنوات بعد عام 2001، كانت الولاياتالمتحدة تقبع بالفعل في ركود آخر، في حين أن الاقتصاد لا يزال يتوسع اليوم. كما تظهر المقاييس الأخرى أيضا أن الاقتصاد قد تعافى في معظمه. حيث انخفض مرة أخرى يو6، المقياس الرسمي الأوسع نطاقا للبطالة - والذي يشمل عمالا مرتبطين هامشيا بالإضافة إلى الذين يعملون بدوام جزئي لأسباب اقتصادية - ليعود إلى المستويات التي وصل إليها في عام 2004. البطالة الرسمية -التي لا تشمل العمال المرتبطين هامشيا أو الذين يعملون بدوام جزئي- انخفضت بنسبة 4.9 بالمائة، وهو معدل متدنٍ بحسب المقاييس التاريخية. عمَّق الانتعاش المطرد على الأغلب التوقعات لمن يوصفون بالمتخصصين في النظم البنيوية، الذين اعتقدوا أن الركود الكبير تسبب بأن تنتقل أمريكا إلى أسس اقتصادية أضعف بشكل دائم. على سبيل المثال، خسر تايلر كوين من جامعة جورج ماسون مؤخرا رهانا مع زميله بريان كابلان حول معدل البطالة. فقد راهن كوين كابلان في عام 2013 بأن البطالة قد تبقى أعلى من نسبة 5 بالمائة لمدة 20 عاما. وقد أعرب عن ثقته التامة في القوة التوضيحية للعوامل الهيكلية بحيث أعطى كابلان أرجحية الفوز (10 إلى 1) في الرهان. كما استغرق الأمر عامين ونصف فقط ليفوز كابلان. على الرغم من أن كوين احتج بأن نسبة العمالة إلى عدد السكان لا تزال منخفضة، فإن الكثير من هذا يعزى إلى التركيبة السكانية. حيث إن تقاعد جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية يعمل على تقليل نسبة السكان ممن هم في سن العمل. بمجرد أن نضبط الوضع لإجراء التغيير الديموغرافي، نجد أن نسبة العمالة لعدد السكان قد تعافت أيضا على الأغلب من الركود الكبير. يعتبر هذا الانتعاش انتصارا بالنسبة للاقتصاد الكلي الرئيسي. حيث انه يثبت صحة وسلامة الفكرة التي مفادها أن الاقتصادات تستعيد صحتها وعافيتها بشكل طبيعي بعد الركود - خاصة بمساعدة السياسات النقدية والمالية العامة. في استجابة للصدمة الكبرى التي حلت في عام 2008، قامت الحكومة الفدرالية في الواقع بتنفيذ ما تقول النماذج الواردة في كتب الكينزية الجديدة أن عليها فعله بالضبط، وهو الوقوع في عجز كبير لكن مؤقت، وتخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريبا، واستخدام سياسات نقدية غير تقليدية. لم تكن النتائج مطابقة تماما لما توقعته الكتب - حيث ان التضخم، على سبيل المثال، لم يرتفع. لكنها كانت قريبة جدا. يمكن قراءة الركود الكبير على أنه قصة نجاح مؤهلة لتكون النموذج المهيمن في الاقتصاد الكلي. لكن من الخطأ القول إن العمالة تعافت بشكل تام. لا يزال هنالك بعض العمال الذين لم يعودوا إلى القوة العاملة بعد عام 2008. إن عددهم قليل مقارنة مع الأغلبية التي دخلت مرة أخرى لصفوف العاملين. لكنهم موجودون. نستطيع أن نرى، على سبيل المثال، أن المشاركة في القوة العاملة للأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25-54 عاما انخفضت عدة نقاط مئوية عن المستويات المرتفعة التي وصلت إليها في الثمانينيات حتى أوائل عام 2000. كما لاحظ خبراء اقتصاد العمل أيضا أن منحنى (بيفيريدج) - الذي يقيس العلاقة بين شواغر العمل والبطالة - تحول كثيرا، ما يعني أن بعض الشركات ربما تجد صعوبة في العثور على عمال مؤهلين لسد احتياجاتها. لذلك على الرغم من أن الولاياتالمتحدة تعافت على الأغلب، ينبغي علينا عدم إغفال الإصابات الصغيرة لكن الحقيقية وطويلة الأجل التي يعاني منها جزء صغير من السكان. إن العوامل الهيكلية كالإنتاجية المنخفضة وأسواق العمل المختلة وظيفيا وانخفاض دينامية المشاريع والسياسات السيئة ربما تكون مهمة، لكنها ليست محور القصة. وبالنسبة للعدد القليل الأخير من العمال المحبطين، ينبغي أن تكون الولاياتالمتحدة آخذة في بذل الجهود الرامية إلى تحديدهم ومساعدتهم في استرداد عافيتهم، في الوقت الذي تعمل فيه كل شيء لضمان أن الولاياتالمتحدة لا تزال مكانا جيدا لتشغيل وإدارة الأعمال التجارية والمشاريع.