يختلف البشر باختلاف الثقافات واختلاف الأماكن والتربية ويصبح الجميع حاملاً هوية من كان بينهم من حيث البيئة والمجتمع وينقلها معه اينما كان، وبأي حال كانت تلك البيئة وذلك المجتمع عربيا أم أجنبيا، فالكل يمارس الأمور نفسها باختلاف الطريقة والاسلوب، وطالما تحدثت عن الاختلاف الذي لا تكاد تخلو منه حياة أي من البشر فسأتوقف هنا لأناقش مقولة (الاختلاف لا يفسد للود قضية). كثيراً ما نكون في خضم نقاشات متعددة سواء أكانت هذه النقاشات هادفة أو غير هادفة تتعلق بنا أو لا تتعلق، لكن طبيعة البشر الولوج في أي نقاش وتوضيح وجهة نظره في الأمر المطروح. وقد يصل الأمر الى أن يقع الجدال للحفاظ على وجهة النظر رغم أن الموضوع ليس مما يعنيه أو يخصه ... ولكن !!! وحين يتم الانتهاء من هذا النقاش يتم قول هذه العبارة مع ضحكات مصطنعة من قبل الجميع، لكن هذا ليس صحيحا والاختلاف أفسد الود وأفسد المزاج وأفسد الجلسة وعكر الجو الكامل وبالرغم من محاولة الكل الحفاظ على شكله العام وعدم الاستمرار في الجدل القائم أو في النقاش المطروح، إلا أن الأنفس تريد أن تقول للمناقش أو لمن خاض الجدل: ليس لك من الأمر شيء ولا نريد هذا الرأي، ذلك لأنه خالف الرأي المطروح في القضية من قبل الشخص الآخر وحين تم طرح الأمر لم يتم طرحه حتى يتم النقاش فيه، بل حتى يقال: (أنت صح) وهذه أيضاً قضية أخرى من قضايا النقاشات المطروحة التي يرفض فيها البعض الرأي المعارض لهم الذي يعتبر هو الصحيح، لأنه فقط معارض، وبالتالي النقاش والاختلاف أفسد كل شيء مطروح. وهنا ينتقل الأمر من كونه نقاشا عاما إلى حرب داخلية تنقسم فيها الأطراف إلى قسمين أو إلى ثلاثة حسب الاقطاب المتواجدة على ساحة النقاش التي تؤيد لمجرد أن أمر هذا الشخص يعنيها وليس لأنه على حق بالرغم من قناعتهم بأنه على خطأ، لكن تأبى الصداقة إلا أن أكون مع صديقي حتى وإن كان على خطأ، وهنا تفرع الاختلاف لقضية أخرى وانتقلت هذه الحرب للأزواج والبدء بالحديث عما حصل ومنه للأهل والكيل لهذا المناقش أو طرح القضية بصورة عامة والتفرع بها حتى تصل من مجرد اختلاف في وجهة نظر لمشكلة ومعضلة تعددت أطرافها وضاعت حقائقها وطمست معالمها. وانتقلت من كونها نقاشا إلى مشكلة بين شخصين تفرعت لحزبين وعُرفت الأطراف وتم الانقسام سواء في مجال العمل أو على مستوى الأهل والعائلة، والأدهى من ذلك ان المشكلة قد تتعدى حدود المعقول ويتم ضم من لم يتواجد في الموقف لهذا الأمر لمجرد أنه كان مع فلان أو أيد رأي فلان. لطالما كان العقل هو سيد الأمر في الحياة ولطالما كانت البيئة التي تكون فيها قاتلة لهذا العقل أم تبعث فيه الحياة، لكن هذا الأمر يتوقف عند حدود استقلالنا بتفكيرنا والبعد عن الضغوط الابوية والمجتمعية التي حولنا، لذلك دوماً وأبداً قبل ان تخوض نقاشا أو تدلي بدلوك في أمر ما أو تعطي رأيك في قضية مطروحة طُلب منك أو لم يطلب، توقف لمجرد ثانية، واطرح على نفسك هذه الأسئلة : * هل لي من الأمر شيء؟ * هل أفهم به؟ * من الشخص الذي أمامي؟ * هل ما سأقوله سيقدم أو سيؤخر في الأمر؟ * هل سيُحترم الرأي المطروح؟ * هل يريد راياً أم يريد تأييداً؟ والكثير الكثير من الاسئلة التي لابد منها حتى تقرر، هل تخوض النقاش أم تتوقف عند الاستماع والخروج من الموضوع وأنت محافظ على الود الذي بينك وبين من هم أمامك في كل مجال؟ برأيي أن (الصمت لا يفسد للود قضية .. والاختلاف يفسد كل القضايا).