وسط حضور لافت لأدباء ومثقفي المنطقة افتتح رئيس تحرير جريدة «اليوم» الأستاذ عبدالوهاب الفايز أمسية الشاعرين حسن السبع وجاسم الصحيح، التي تعدّ الفاتحة لأمسيات الفعاليات الثقافية التي دشنتها "اليوم" مساء الأربعاء الماضي في قاعة الشيخ حمد المبارك بمبنى الجريدة. وأوضح الفايز أن هذه الخطوة تهدف إلى خدمة الثقافة والأدب ومحبيهما في المنطقة، ودعا إلى تفعيل ودعم هذا الملتقى الذي تتيحه لهم الجريدة بما لديهم من أفكار ومقترحات ومشاركات. وشكر مدير الملتقى مسؤول القسم الثقافي بالجريدة الزميل أحمد سماحة رئيس التحرير الأستاذ عبدالوهاب الفايز لما يقدّمه من دعم واضح للثقافة منذ بداية رئاسته التحرير، وهو ما لاحظه المشهد من خلال ملحق "الجسر الثقافي" مثل ما كان داعما لهذه الأمسيات التي ستكون بشكل دوري، ودعا سماحة الحضور إلى دعم هذه المبادرة بما لديهم من إبداع ورأي ومقترح، قدم بعدها لشاعري الأمسية بقوله: إنهما شاعران لا يحتاجان إلى التقديم، فما حققاه من حضور ثقافي عربي وما حصداه من جوائز شاهد على سيرة حافلة يعرفها الجميع. صفاء وتجلٍّ الشاعر حسن السبع الذي افتتح القراءات الشعرية شكر رئيس التحرير لإتاحته هذه الفرصة الجميلة وقال: كل المؤسسات تهدف إلى الربح إلا جريدة اليوم تخطو خطوة ثقافية جميلة أتمنى أن تقوم الجرائد الأخرى بمثل هذه الخطوة. أما الشعر في الأمسية فقد حلّق بالحضور في عوالم بعيدة ومتعددة كان الحبُّ سيدها إلا أنه لم يكن الوحيد فقد كان إلى جانبه عوالم إنسانية وجمالية اجترحها الشاعران بفرادة، مثبتين من خلال أشعارهما ما يمتلكانه من قدرات هائلة على تطويع اللغة من أجل تصوير عوالم من الشعور والجمال وتقديمها إلى الجمهور في قوالب ممتعة وشيقة. وتميّز الشاعر السبع بمقدّمات نثرية موجزة ومكثفة تتولى التقديم لها وتهيئة المستمع للولوج إلى عوالمها مثل ما فعله في أولى قصائده، إذ أهدى القصيدة إلى محبوبة يكتب لها الكثير من القصائد إلا أنها تبقى دائما "في الكلام الذي قد تعذّر" مستعصية على أن يدركها الشاعر بلغته. ويستمر السبع في الإلقاء وتستمر معه فكرة الخفاء والتجلي من خلال معابر اللغة وتعبيراتها وقدرتها أو عجزها عن الكشف عن أفكار الإنسان ومشاعره، يقول في مقدّمة قصيدة أخرى راسما مفارقة من مفارفات عديدة يهدف من خلالها إلى خلق الدهشة وحفز التفكير: "يقال إن الإنسان إنما أعطي القدرة على النطق لكي يخفي أفكاره!!". ويقول السبع في قصيدة بعنوان "نصف الضجيج" تؤكد حالة التأرجح بين عالمين، بين بلوغ المعنى والعجز عن الوصول إليه: "من تستفز تدفُّقَ العشرينَ في قلمي فأشطبُ حكمةَ الموتى وأستدعي قرنفلةَ الكتابَهْ يغتالني نصفُ اقترابِكِ كلما رفّ الذي في القلبِ أجَّلتُ انسكابَهْ لأغيبَ في نصفِ الضجيجِ وفي كلامٍ ناشبٍ في الحلقِ في نصفِ الكتابَهْ" كما يظهر في شعر السبع جليا الهمّ الاجتماعي العام الذي شكّل جزءا مهما من اشتغالات جيل الثمانينيات الثقافية. ويبقى الحبّ الموضوع الأشهى والأعذب للسبع ولأي شاعر، إلا أنّ للسبع قدرة على "تجريد" الشعر من بساطته الجسدية ومزجه مع حالة فكرية متأملة لبواطن الإنسان.. يقول في قصيدته التي سماها "نرفانا" وهي تعني حالة التجلي والصفاء إلا أنه حولها إلى فتاة محبوبة دون أن يفقدها معناها الأصلي: أجملُ لقطةٍ تتخطف الأبصارَ/نِرفانا../وأجرأ لحظةٍ في دفترِ الأعمار/نرفانا.. فلسفة الحبّ ولم يكن الشاعر جاسم الصحيح بعيدا عن أجواء السبع في مزج العوالم والعبور من خلالها إلى استكشاف الإنسان واستجلائه، وإن تفرّد بلغته الخاصة التي وسمته ببصمة خاصة يعرفه بها كل من يقرأ له فيهتدي إلى أنه كاتب القصيدة دون أن يكون بحاجة إلى كتابة اسمه أسفلها. غاص الصحيح في بحور الشعر ومحيطات من الحبّ وأكوان من التأمّل في علاقة الإنسان بالمطلق، يشتغل الصحيّح بالإنسان كثيرا، فيرثي أباه في قصيده يخاطب فيها ولده.. إلا أن الأنثى كانت واحدة من أجلى اشتغالاته، لذلك تجده ملتفتا إلى موضوع قلّ أن تجد شاعرا ذكرا يلتفت إليه وهو موضوع سرطان الثدي، وحتى لو وجدت فنادرا ما ستجد من ينجح فنيا في تناوله مثلما تناوله الشاعر الصحيح.. يقول في قصيدته "النعشُ أثقلَ حاملِيه": مهداةٌ إلى ذاتِ الثدي (المُسَرطَن): يَعِزُّ عليهِ أنْ تستأصلِيهِ.. وذاكرةُ الهوى تخضرُّ فِيهِ وأسرارُ الأنوثةِ مُودَعَاتٌ.. بقُبَّتِهِ، تراودُ عاشقِيهِ يَعِزُّ عليهِ أنْ تعلو الموسيقى.. فلا يهتزُّ من فَرَحٍ وتِيهِ ...... حصانٌ شَبَّ في صحراءِ وَجْدٍ.. يُرَوِّضُهُ الغرامُ ويَمتَطِيهِ هو الكنزُ الذي أَثرى الليالي.. بما تهفو إليهِ وتشتهيهِ هو المَلِكُ المُتَوَّجُ في الأعالي أُطِيحَ بهِ عن العَرشِ الوَجِيهِ تَعَرَّتْ آخرُ الأوراقُ عنهُ بصَيفٍ من مواجعَ تَجْتَوِيهِ وأوردةٌ تشفُّ بهِ احتقانًا فتكشفُ عن جراحِ الوَردِ فيهِ إذا وَخَزَتْكِ من ماضيهِ ذكرَى بكى الثديُ السليمُ على أَخِيهِ يَحِنُّ كلاهُما بعضًا لبعضٍ كما حَنَّ الغريبُ إلى ذَوِيهِ وختمت الأمسية بكلمة شكر للشاعرين قدّمها رئيس التحرير الأستاذ عبدالوهاب الفايز مؤكدا أهمية مثل هذه الأمسيات الأدبية. الأدباء والمثقفون في ضيافة «اليوم» الشاعران حسن السبع وجاسم الصحيح