هل انصتم يوما بجدية إلى نوعية الكلمات والجُمل التي نخاطب بها أنفسنا، وهي قد تأتي أيضا على شكل تمتمات لا يسمعها أحد غيرنا!. وهل سمعتم مثلها في حديث مجالسنا؟ أو من خلال نقاشاتنا المتنوعة. ولقد تم حفظ الكثير منها، بل والاقتناع بها بسبب كثرة ترديدها، وهي للأسف تؤثر فينا على المدى البعيد لأن عقولنا الباطنة تصدقها على أنها حقيقة. وسأحاول ها هنا أن أسرد بعضا من نوعية تلك الكلمات والجُمل، منها: أنا طفولتي تعيسة، أنا لم أكمل تعليمي، أنا ليس لدي المال الكافي، أنا حياتي العاطفية والزوجية كلها شقاء، أنا رئيسي في العمل لا يحبني ولا يقدرني، أنا أعيش في أيام الاقتصاد فيها متدهور، أنا في عالم لا يقدر المواهب!، أنا حظي دائما سيئ، أنا حياتي كلها فشل، أنا جربت كل شيء، أنا لا أحد يحبني! أنا أنا أنا.. والقافلة سلسلتها طويلة جدا لا تنتهي!!. ما الذي نلاحظه في كل تلك الكلمات السابقة؟ هناك شيء واحد مشترك بينها، هو بذل كل جهد وتفكير في اختلاق الأعذار برمي الكرة إلى الطرف الآخر ! بينما الفائزون في الحياة يبذلون كل جهدهم وتفكيرهم للخروج من دائرة الأعذار، ويحاولون دائما الاحتفاظ بالكرة بين أرجلهم!. ودعوني احكي لكم قصة واقعية حدثت في قرية من قرى الهند، فقد كان هناك رجل يعيش مع زوجته التي يحبها حبا جما (كما في قصص الروايات الرومنسية) وقد مرضت يوميا مرضا شديدا، فاتصل بالإسعاف الذي وصل متأخرا وبعد فوات الأوان، فماتت حبيبته وانفطر قلبه. والسبب أن قريته تقع على بُعد 70 كيلو مترا من المركز، والطريق إليها وعر وناء بين الجبال. ومن حرقة قلبه ولوعته طالب المسؤولين بشق طريق بين الجبال لاختصار المسافة، ولكن لا حياة لمن تنادي!. الأمر المعتاد وردة الفعل المتوقعة هي أن يلوم الآخرين والمسؤولين، ويندب الحظ والزمان، ويخلق ألف عذر وعذر، ولكن هذا الرجل فعل شيئا مختلفا!. مع اشراقة يوم جديد حمل المعول والمطرقة، وبدأ العمل في ضرب ودق الجبل دقا، في محاولة لشق الجبل كالشق الذي في قلبه!، وبيديه الضعيفتين ولوحده، وكل من رآه اعتقد أنه قد جُن بالفعل!. ولكن الحقيقة أنه استغل عاطفته الجياشة وحبه الحقيقي لزوجته كوقود له وبشكل ايجابي. واستمر هذا الوقود يُشعل حماسته لمدة 22 عاما !! بلا كلل ولا ملل، ويعمل من بزوغ الفجر إلى غروب الشمس. وفي عام 1982 تحقق الحلم المستحيل حيث انتهى من شق طريق في الجبل، واختصر المسافة من 70 كيلومترا إلى 7 كيلومترات!، و بطول 110 امتار ، وعرض 9 أمتار، وارتفاع 7 أمتار. وقد لقب بعد ذلك برجل الجبل. وبذلك يكون رجل الجبل والذي يدعى (ديشراث منجهي) قد أثبت صحة نظرية ابن القيم الجوزية التي ذكرها قبل 700 سنة، حيث قال: لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله. والآن هل نحن مستعدون أن نشق الطرق والأنفاق في تلك الجبال النفسية والمالية والأسرية والاجتماعية التي تواجهنا في معترك الحياة؟ ( المستعد يرفع يده!)