في الماضي القريب, وعلى امتداد أزمانه الماضية, واللاحقة, وقبل ثورة الاتصالات وفي مقدمتها (الانترنت) ومشتقاتها كانت هنالك علاقة جميلة, وحميمية بين الادباء في انحاء الوطن العربي الكبير, وفي مختلف اصقاع كوكب الارض.. ولا ننكر اننا قرأنا ذلك الادب (ادب الرسائل), واستمتعنا به.. منه ما كان بين رجال ورجال او رجال ونساء او نساء ونساء ممن امتهنوا (حرفة الادب) ان صحت التسمية.. الآن في هذا الزمن الذي تحجرت فيه حتى الاحبار وليست القلوب فقط, ما عادت لكتاباتنا تلك الحميمية, وذلك الدفء الذي يذيب جليد الروح قبل الجسد, اصبحت وسائل اتصالاتنا, كما وسائل مواصلاتنا جامدة لا حياة فيها, باردة وخالية مما يكسر حدة جبال الجليد التي تفصل بيننا وبين دفء الرسائل, وبرغم قرب الوسائل وسرعة وصولها, الا انها اصبحت كالوجبات السريعة, لا طعم لها, وان كفت من شر لواعج الجوع.. ما عدنا نمسك بتلابيب الرسالة, ونضمها على صدورنا حبا في مرسلها, وما عدنا نقبل خط الحبيب, وتسيل دموعنا شوقا لرؤيته, ورجاء لعودته, فقدنا حتى الحميمية بين الاهل والجيران. عندما تجيء رسالة (خط) كما نسميها في الخليج لبيت لهم غائب لا يدرون من اخباره شيئا, حيث الكل يأتي ليهنئ.. الآن احبتنا برغم عواطفنا التي لا تزال نابضة بالحب, والشوق, والنشيد الجميل لرسالة قادمة, من نغمة جوال, لا نملك حتى خاصية الاحتفاظ بها, وبقائها في صندوق ذكرياتنا كلما عبث بنا الحنين اخرجناها وضممناها الى صدورنا, وكأننا نضم ذلك البعيد, القريب.. وندخل بريدنا الاكتروني, فنصطدم بالجمود ايضا. كل حياتنا اصبحت بخط الطباعة, ذات الوان زاهية, ولكن باهتة عاطفيا, وان اكتست صبغة اللون الا انها تفتقد حميمية التواصل, ورهق البعد, وشوق ورغبة الاتصال.. تصلني الكثير من الرسائل الالكترونية, سواء عبر الجولات, او البريد الالكتروني, او غيرها, وارسل انا ايضا اضعافها (رسائل ادبية) جميلة رائعة ومكتوبة بدم القلب ونبض الوجدان قصائد كاملة, وعبارات بليغة, ولكن يؤلمني انني لا استطيع الاحتفاظ بها الا لمدة محدودة لريثما يمتلئ صندوق الرسائل, او ذاكرة الجوال, ثم اضطر لمسحها, وقد انقل بعضها, ولكنها تكون بخط يدي, او بخط الطباعة البارد, لا بخط مرسلها فتخلو من حقيقة التواصل. هل من مهرب من زمن التواصل الالكتروني؟ هل من منفذ, او سرداب نعبر خلاله الى وهج احلامنا بحميمية, الى شوق الانتظار وفرح اللقاء.؟