كنا نعرف تباشير قدوم رمضان من استعداد الأهالي والمساجد وتزيين الشوارع والمحلات التجارية والأسواق واليوم أصبحنا نعرفها من السيل المتدفق من رسائل التهنئة عبر الجوال وأرتال عربات التسوق وأكوام الأطعمة الرمضانية في أسواق السوبر والهايبر، وانتقلت المشاعر ومظاهر الفرحة من الوجدان إلى العين التي ترى أكوام الأطعمة وكميات الرسائل ثم لا تتجاوز تلك النظرة ثواني معدودة ويعود كل منا إلى سابق أسلوب حياته النمطية التي وضعته في إطارها منظومة إيقاع الحياة السريع والنظام الاستهلاكي وروحه المحاصرة بالأجهزة الإلكترونية حتى تجده مشغول البال وهو يحدثك ومشغول اليد والعين والأذن وهو يقود السيارة وذاهلاً عمن حوله وهو جالس وسط أهله وأصدقائه، والتهنئة الإلكترونية لا عيب فيها في حد ذاتها فهي أضعف الإيمان وأدنى درجات التواصل بين الناس وكم منا من وصلته رسالة من صديق أو قريب بعُد العهد به ولم يره أو يسمع صوته منذ زمن فإذا وجد اسمه على رسالة ابتسم وهو يرى الاسم يقفز من تلافيف الذاكرة ووسط الزحام حاملاً معه ذكريات يستحضرها وعلاقات ومواقف سارّة في الغالب ولسانه لسان حال المتنبي الذي يقول “فكيف وصلت أنت من الزحام” غير أن ما يفقد هذه الحميمية التي تصل كدفقة شعور مختزلة وقصيرة ويفسد دفء التواصل الذي يمكن أن تحمله رسالة التهنئة هذه أن أغلب الرسائل تأتي باردة معلبة تحمل من بلاغة التعبير وجماليات الإنشاء أكثر مما تحمله من صدق المشاعر وذلك لأن كاتبها تعجبه رسالة وصلته فيعيد توجيهها إلى الجميع ويتلقاها الآخر على أنها رسالة مدورة يكتفي بمعرفة مرسلها وفحواها ولا يقرأها للآخر لأنه يشعر أنها لم تكتب له وإنما هو مجرد حلقة في سلسلة إلكترونية طويلة مرتبطة بعداد شركات الاتصالات وأقسام الفوترة ولكنها لا تمس شغاف القلب، رزقنا الله وإياكم القبول في رمضان وتقبل دعواتنا لأنفسنا ولأهلينا وأحبابنا وموتانا وكافة المسلمين.