كل يوم يمر، يثبت الأمير الشاب محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، أنه يستشرف المستقبل بوعي وخبرة، وأنه يمتلك بصيرة اقتصادية عالية وعين كالمجهر، تجعله يقرأ كل التفاصيل بدقة متناهية، تمكنه في النهاية من تحقيق الهدف، بأيسر السبل، ومن أقصر طريق. هذه الفراسة في اقتناص الفرص التي يتم تطويعها واستثمارها لتحقيق مصلحة الوطن وخدمة قضاياه، ترجمها واقعيًا سموه في صندوق "رؤية سوفت بنك" الذي أطلقته المملكة؛ لتنويع استثماراتها، واللحاق بركب التقنية والتكنولوجيا العالمية وتعزيز وتحفيز رؤيتها الوطنية 2030، التي ستغير بها السعودية ملامح وجه اقتصادها، بعد أن ظل لسنوات وحتى وقت قريب أحادي التوجه، معتمدًا على النفط فقط كمورد رئيسي لتمويل الميزانية. وإيمانًا بأهمية هذا التنوع، وإصرار خادم الحرمين الشريفين على تسليح شبابنا والاستفادة الكاملة من كل الوسائل التكنولوجية؛ كان لابد من البحث عن كيان أو مجموعة اقتصادية عالمية، يمكن من خلالها تحقيق أحد أهم أهداف رؤية المملكة المستقبلية، وكان التفكير في إنشاء صندوق استثماري عالمي، بمساهمة كبيرة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي وبعض الشركات والصناديق الاستثمارية الكبرى. وتمكن سمو ولي ولي العهد بعد جولات ولقاءات مكوكية مع قيادات شركات التكنولوجيا العالمية، من تشكيل القاعدة الأساسية لهذا الكيان الجديد الذي أطلق عليه "صندوق رؤية سوفت بنك"، وبالفعل تم الإعلان في أكتوبر الماضي عن المجموعة الاستثمارية لهذا الصندوق، الذي سيساهم في جذب المزيد من الشركات الأجنبية العالمية للاستثمار، وضخ أموالها بأمان في شرايين الاقتصاد السعودي، وبما يعود بالفائدة الكبيرة على شبابنا وكل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ودخلت المملكة كمستثمر رئيسي في تأسيس وإطلاق "سوفت" الذي يعد من أكبر صناديق الاستثمار العالمية. وفي آخر لقاء لسمو الأمير محمد بن سلمان مع مدير"سوفت"، كانت رؤية المملكة حاضرة، وتم وضع النقاط على الحروف، وما أن تمت هذه الخطوة حتى توالت خطوات أخرى من كبريات الشركات العملاقة في أوروبا وأمريكا. ولم تأت مشاركة المملكة في مجموعة سوفت العالمية من فراغ، وإنما من ثقة شديدة بقوة ومتانة الاقتصاد السعودي، وبالخطط التي وضعها ولاة الأمر لتسهيل عمليات الاستثمار الأجنبي، وتطوير التكنولوجيا. ولهذا السبب أيضًا أعلنت مؤخرًا شركة آبل اعتزامها استثمار مليار دولار في صندوق التكنولوجيا الجديد، إضافة إلى استثماراتها البالغة 25 مليار دولار، في خطوة عالمية تؤكد سير صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مساره الصحيح بعد مساهمته في تأسيس صندوق "سوفت بنك العالمي". وفور إعلان مجموعة "صندوق رؤية سوفت" توقيعها مذكرة تفاهم غير ملزمة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودية لاستثمارات بقيمة 45 مليار دولار أمريكي كأكبر المستثمرين في الصندق الجديد، وبعد كشف آبل عن رغبتها في استثمار نحو مليار دولار سارعت عشرات الصناديق والشركات العالمية وأعلنت رغبتها في الاستثمار بالصندوق الذي يستهدف 100 مليار دولار، وتُعَد السعودية المسثتمر الرئيسي فيه. ومن بينها صندوق الثروة السيادي لإمارة أبو ظبي، وهيئة قطر للاستثمار، وشركة كوالكوم المصنعة لرقائق الأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى شركة أوراكل لاري إليسونو. وكما يتوقع خبراء ومتخصصون في التقنية، سينقل هذا الصندوق اقتصاد المملكة نقلة نوعية وغير تقليدية، ولاسيما وأن الشركات والصناديق المشاركة لها ثقل دولي في مجال الكنولوجيا المتقدمة بكل أنواعها، ولها باع طويل في برامج وأنشطة الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والتعليم الآلي والأقمار الصناعية. إضافة إلى ما يعرف باسم "إنترنت الأشياء"، وغيرها من البرامج التي تمهد الطريق لتحقيق رؤية الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودية في اختيار نوعية الاستثمارات، التي ستعزز قدرات المملكة في المجال التقني والتكنولوجي وتنويع مصادر الدخل. وتحقق لها امتيازات كبيرة كونها المستثمر الرئيسي في "سوفت بنك". ومن الضروري هنا أن نسرع الخطوات للاستفادة من معطيات "صندوق الرؤية" الذي يعد أكبر تجمع لرؤوس الأموال الخاصة، وأن يعي المسئولون بالجهات الاقتصادية المختلفة أهمية هذا الصندوق، والعمل على الاستفادة من استثماراته الضخمة. ومن المهم أن يلمس المواطن تحركًا سريعًا خلال الأشهر المقبلة لتحويل أحلام وآمال ولاة الأمر إلى واقع ملموس، تنطق به كل قلاعنا الاقتصادية، ومناطقنا الصناعية التي أنفقت الدولة على بنيتها التحتية مليارات الريالات.