يعيش النصر هذا الموسم حالة فنية متناقضة تثير الدهشة، تحت قيادة المدرب البرتغالي جورجي جيسوس، في مشهد يبدو أقرب إلى مفارقة كروية نادرة. فريق يكتسح في الدوري بلا رحمة، ويتقدّم قارياً بثبات، لكنه يتعثّر كلما دخل منعطف خروج المغلوب، وكأن شخصيته تنقلب رأساً على عقب. في الدوري يظهر النصر كآلة لا تعرف التوقف؛ عشرة انتصارات من عشر مباريات، صدارة مريحة، وأداء هجومي كاسح يجعل المنافسين يلهثون خلفه دون جدوى. الصورة نفسها تتكرر آسيوياً، حيث يسير الفريق بثقة الفريق المرشح، معتمداً على ضغط عالٍ ومنظومة هجومية شرسة تفرض طريقة لعبها منذ الدقيقة الأولى. لكن ما إن تبدأ مباريات الكؤوس، حتى يتبدد هذا البريق. خسر النصر لقب السوبر، ثم تلقى الصدمة الأكبر بالخروج من كأس الملك أمام الاتحاد، ليعود السؤال القديم بثوب جديد: كيف لفريق يهيمن على موسم كامل أن يسقط في مباراة واحدة؟ التناقض في نتائج النصر يشير إلى أن الفريق يمتلك «نفساً طويلاً» يسمح له بحسم البطولات التي تُلعب بنظام النقاط، حيث تكون الاستمرارية ويتم تصحيح الأخطاء. لكن في مواجهات الحسم، تصبح الغلطة قاتلة، ويظهر النصر عاجزاً عن حماية تفوقه. جيسوس يعتمد على أسلوب هجومي ثابت ودفاع متقدم للغاية، وهو نهج مثالي أمام فرق الوسط والمؤخرة التي تفتقر إلى سرعة التحول، لكنه يتحول إلى مغامرة خطيرة أمام فرق تمتلك أدوات استغلال المساحات، مثل الاتحاد أو الهلال. هناك، يصبح الخط الدفاعي فريسة للكرات الطولية والمرتدات السريعة. المشكلة لا تكمن في جودة اللاعبين ولا في وفرة النجوم، بل في الجمود التكتيكي عند التعرض للضغط. في مواجهة الاتحاد بكأس الملك، بدا واضحاً بطء الارتداد الدفاعي، ووجود فراغات قاتلة خلف الأظهرة، استُغلت ببساطة من قِبل هجوم الاتحاد. النصر مع جيسوس يلعب بعقلية واحدة «سأهاجم مهما كان الخصم». فلسفة جذابة وممتعة، لكنها في بطولات الكؤوس أشبه بالمغامرة، حيث لا يوجد وقت للتعويض ولا مجال لتدارك الأخطاء. المرحلة المقبلة قد تكون الأكثر حساسية في موسم النصر. مواجهة الهلال المرتقبة في الدوري ستكون مرآة حقيقية لمشروع جيسوس، فالهلال يعيش استقراراً فنياً واضحاً، وإذا دخل النصر اللقاء بالاندفاع الهجومي نفسه دون تأمين العمق، فقد يتكرر سيناريو السوبر، وتُكسر سلسلة الانتصارات. أما في البطولة الآسيوية، فالتحدي الحقيقي لن يكون في دور المجموعات، بل في الأدوار الإقصائية. التاريخ لا يرحم الفرق التي تعتمد على الهجوم وحده، إذ غالباً ما تسقط أمام فرق منظمة دفاعياً، وتعرف كيف تضرب في اللحظة المناسبة. النصر يمتلك كل مقومات الموسم الاستثنائي: جودة فنية، عمق في التشكيلة، ومدرب صاحب شخصية قوية. لكنه يقف على أرض مهتزة في مباريات «كسر العظم». الثغرة الوحيدة التي تهدد هذا البناء هي الثقة الزائدة في الهجوم على حساب التوازن الدفاعي. إذا نجح جيسوس في إيجاد هذا التوازن، فقد يكتب النصر موسماً للتاريخ. أما إذا استمر العناد التكتيكي، فقد ينتهي المشهد بدرع دوري لامعة.. وغصة ضياع كل الكؤوس الأخرى.