أشعر بالقلق المستمر، القلق يراودني، قلق يتردد صداه في داخلي يوماً بعد يوم، كأنه ظل قاتم يضغط على صدري ويحوم حولي حيثما مضيت. سئمت من ذلك الظل الأسود الذي يطاردني أينما أذهب، يتحكم بي، ويسيرني كما يريد. أهدافي متلاحقة أحاول تحقيقها وكل يوم أسير وراء أهدافي، أخطب ودها، أتعقبها بلهفة كمن يسعى وراء سراب لا نهاية له. كلما مددت يدي نحو غاية، برزت أمامي غايات أكثر إلحاحاً، وكلما عبرت عتبة منجز، انفتحت أمامي أبواب جديدة، وكلما حللت مشكلة لاحت أمامي مشاكل أكثر تعقيداً. حققت معظم أهدافي الأكاديمية، وتراكمت خبراتي وتجاربي. أمني النفس أن أصل لطريق النهاية، غير أن مكتبي يعج بالمهام التي تذكرني بأن الرحلة لم تنته وأن محطة الوصول ما زالت بعيدة المنال. أشعر أحيانًا أنني أعيش في حفرة عميقة مغلقة من جميع الاتجاهات، ويلوح في أعلاها بصيص لضوء جميل، أشم رائحة الأزهار، وأسمع من بعيد صوت زقزقة العصافير وضحكات الأطفال. قالو لي إنها الحياة أو هي بقايا همسات الحياة، ولكني في سباق لا يُمهلني فرصة للتأمل في جمال الحياة، سباق محموم تُقاس فيه القيمة بعدد الإنجازات لا بعمق التجربة. سباق لم يمهلني لحظة متعة الإحساس بالسلام الداخلي. اليوم، أريد أن أتصالح مع نفسي التي تألمت من أفعالي، أريد أن أعوض نفسي من الحرمان لفترات عشت فيها كآلة صماء بلا مشاعر، أريد أن أتحرر من قيود جعلتني مكبلاً طول العمر، أريد أن استخرج السلام، ذاك السلام من أعماق النفس وانتشله عالياً لأخرج به نحو الحياة. لا أعرف كيف أفعل ذلك؟ ولكن أتمنى أن أصل إلى هذا السلام الداخلي، وأتساءل دوماً هل السعادة في تحقيق الذات، أم هي في معنى الحياة والتأمل في الوجود؟ الطريق لن ينتهي، والسعادة لا تأتي؛ إلا عندما ندرك أن الهدوء يمكن أن يجاور السعي، وأن الطمأنينة ليست نقيض الطموح، وأن العثرات ليست أشواكًا. تعلمت أن السعادة طريق يزهو بالمحبة، وأن الخطيئة ليست سوى دروس تنحت أرواحنا نحو الأمل المنشود، وتسمو بها من رماد الانحدار، تنثره خلفها في ذاكرة الماضي، حينها تتجلى أماني الصبر مطراً تنبت فيه زهور الحكمة. ورغم أوجاع الطريق أطمح أن أصل إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها الإنجاز وسيلة لتنقية الروح، وطهارة الإيمان، وأن أتعلم الإصغاء إلى همسات الحياة، والنظر إلى الأزهار، وأحرر نفسي من القيود. هي لحظة لا تعبر عنها المعاني، لحظة صفاء خالد، لحظة يتجاور فيها السعي والسكينة في مركب واحد، ويغدو القلق ماضيا أفتح به بوابة الحكمة لفهم أعمق لمعنى الحياة.