لا يكاد يخلو زمان من وجود الملحدين والمتشككين، وإن اختلفت نظرياتهما وحججهما. ولكن التساؤل القائم اليوم بخصوص الملحدين العرب هو: لماذا ثقافتهم ضحلة، وضجيجهم أعلى من حججهم؟ والمقارنة هنا بين الجيل الحالي والجيل السابق، ويتحاشى المقال ذكر الأسماء لعدة أسباب. إن المطلع على كتابات وآراء مثقفي الجيل السابق، أو تحديدا النصف الثاني من القرن الماضي، سوف يجد من الملحدين والمشككين العرب مجموعة من كبار المثقفين والفلاسفة، كتبوا عشرات الكتب الرصينة في الفكر والفلسفة كجزء من نتاجهم الفكري. وكانوا يحتلون مراكز كبيرة في مقاعد المثقفين والمفكرين والأدباء العرب، وبعضهم – نسبة كبيرة منهم – انتهت بهم الحال إلى العودة للإيمان، وكانوا أيضًا في مكانة فكرية كبيرة، مثقفين وأدباء وفلاسفة. أما اليوم، فنلحظ أن المستوى الثقافي للملحدين والمشككين العرب متدنٍ بشكل كبير جدًا، أما الوسط الفكري والفلسفي فهو فقير بهم، وقد لا يوجد إنتاج فكري أو فلسفي أبدعه أحد من أبناء الجيل الحالي من الملحدين والمشككين العرب. ووجودهم ونشاطهم شفهي في وسائل التواصل الاجتماعي، يعتمدون على الشتائم والبذاءات، وحديثهم فقط عن الإسلام، وشبهاتهم المطروحة مكررة وساذجة وسطحية في أغلبها. وهذا هو التساؤل الذي يحاول المقال مناقشته. وهناك عدة أسباب يمكن مناقشتها، نذكر منها ثلاثة، اثنان منها يتبناهما كل طرف من الأطراف، ونضيف سببًا ثالثًا ربما هو أقرب إلى الحقيقة منهما. فلعل من الأسباب، أن مستوى المثقفين في الجيل السابق بشكل عام كان أعلى، وبطبيعة الحال كان للملحدين نصيب منهم، فكان مستواهم السابق أفضل كجزء من مستوى الجيل بشكل عام. أو أن من الأسباب أن موقف الإلحاد اليوم، فلسفيًا وعلميًا، على مستوى العالم قد تراجع، وبالتالي تراجع مستوى الملحدين في هذا الجيل كجزء من واقع العالم. ولكن قد يكون السبب الأهم يكمن في البواعث التي تُنتج هذه الحالة، فقد كان باعث الملحدين والمشككين في الجيل السابق فكريًا بالدرجة الأولى. إذ إن الصراع الفكري الكبير بين الاشتراكية الشيوعية والليبرالية الرأسمالية كان هو المناخ السائد حينها. وبغض النظر عن أي شيء آخر، فإن هذين التيارين كانا فكريين، يتصارعان فكريًا وليس فقط سياسيًا، وخلقا مناخا من الصراع الفكري، أثّر بشكل كبير جدًا في العالم العربي، وبرزت فيه الفلسفة والفكر، وصُقِل المنطق في العقل الجمعي عند كل من احتك بهذا الصراع الفكري. ومن الملاحظ أن جناحًا كبيرًا من الملحدين العرب في تلك الفترة كانت ميولهم الاشتراكية واضحة للعيان، كما أن جزءًا من البقية كان تأثرهم بالفكر الليبرالي واضحًا. أما ملحدو اليوم، فباعثهم "نفسي" بالدرجة الأولى، وقد نشرت إحدى القنوات العربية وثائقيًا يوضح أن نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب قادمون من خلفيات لتيارات إسلامية سياسية، وأن إلحادهم وتشكيكهم أتى ردود فعل نفسية. ومع ذلك، عند التأمل في هذه المسألة، نجد أن السبب قد يكون خليطًا من جميع هذه الأسباب الثلاثة وغيرها، ولكن يبدو أن سبب الباعث هو السبب الأكبر والأهم. نسأل الله الهداية والصلاح للجميع.