يعدُّ مرض السكّري أحد الحالات المَرَضية المزمنة الأوسع انتشاراً، حيث تضاعفت أعداد المصابين به على مدار العقود القليلة الماضية في ظل التغيرات الكبيرة في أنماط الحياة والتغذية. ويمثل مرض السكري من النوع الأول بشكل خاص تحدياً لمنظومة الرعاية الصحية العالمية، إذ يستهدف خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الإنسولين، لاسيما لدى شريحتي الأطفال والشباب. وفي ضوء ذلك، شهدت السنوات الماضية تركيزاً أكبر على زيادة شمولية وفعالية أساليب التعامل مع هذا المرض، مما يفضي إلى تحولٍ نوعي في إدارة مرض السكري من النوع الأول، وإمكانية تطوير علاجاتٍ مناعية تؤخر ظهور المرض لمدة ثلاث سنوات على الأقل لدى الفئات الأكثر عرضةً للإصابة، ما يمثل بارقة أملٍ جديدة لمرضى السكري وعائلاتهم. يشير استشاري الغدد الصماء والسكري الدكتور بسام صالح بن عباس، ، إلى أنَّ العلاج المناعي الجديد يمثل تحولاً في إدارة مرض السكري من النوع الأول، إذا يتجاوز النطاق العلاجي ليشمل استهداف الخلل المناعي الكامن خلف الإصابة بالمرض، وذلك من خلال تثبيط الأجسام المضادة التي تهاجم خلايا البنكرياس المسؤولة عن انتاج الإنسولين في جسم الانسان. وتؤكد الإحصاءات إلى أنَّ نحو 90% من المصابين بالسكري من النوع الأول لم يسجِّل التاريخ الصحي لعائلاتهم حالات تعرضٍ للسكري، الأمر الذي يبرز أهمية تعزيز وعي أفراد المجتمع بضرورة الكشف المبكر، وتوسيع نطاقه ليتجاوز شريحة أقارب المرضى، وهي الشريحة التي شكلت مُنطلق البروتوكولات الجديدة في مستشفى الملك فيصل. وأوضح أن أبرز مزايا هذا العلاج تتمثل في كونه يجمع بين الفعالية والبروتوكول المبسَّط، حيث يُعطى في فترة لا تتجاوز 14 يوماً، للأطفال والبالغين من عمر 8 سنوات فما فوق، وتشترط نتائج فحوصات تؤكد وجود جسمين مضادين على الأقل كمؤشر خطر، وهي مؤشراتٌ قابلة للرصد في مرحلة "ما قبل السكري"، والتي تعدّ بدورها المرحلة التي لا تظهر فيها أي أعراض سريرية. يؤكد ، استشاري الغدد الصماء وسكر الأطفال، وأستاذ مساعد في جامعة دار العلوم الدكتور محمد الحربي، أن هذه النقلة العلاجية تعد سابقةً على صعيد تأخير المرحلة الثالثة من المرض، وتأجيل الاعتماد الكامل على الإنسولين، لتسهم بذلك بشكلٍ ملموس في تحسين جودة حياة المرضى. ويستلهم العلاج الجديد بُعدهُ المناعي من الرسالة الإنسانية التي يحملها أطباء الأطفال على عاتقهم، والذين يحرصون على زراعة الأمل في نفوس المرضى لتحفيز جهازهم المناعي. ويمهد هذا الابتكار الطبي الطريق أمام مرحلةٍ جديدة للإدارة العلاجية لمرض السكري، كما يدعم المساعي الوطنية الرامية لتعزيز وقاية وتحصين أفراد المجتمع، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة العربية السعودية على الصعيد الصحي. ويجسد هذا العلاج مفهوماً أشمل في التعامل مع الحالات المَرَضية المزمنة وتمكين المرضى، كما يُبرز أهمية التركيز على الكشف المبكر واتباع نهجٍ استباقي ووقائي في إدارة الأمراض الأكثر شيوعاً.