من الملاحظ أن الأفراد الذين يمتلكون طريقة تفكير حدّية، إذا تخلّوا عن الأيديولوجيات المتطرفة التي يعتنقونها، فإنهم يتحولون إلى فكر متطرف آخر وليس إلى الوسط. وهذه ظاهرة منتشرة، يلاحظها تقريبًا كل فرد منا في المحيط الشخصي، في صور مصغرة، كما أن الشواهد عليها كثيرة في المحيط العام. فمثلًا، ترى شخصًا ينتمي إلى جماعة دينية متطرفة، فإذا تركهم يتحول إلى الإلحاد وإلى أكثر أنواعه مادية، أو قد يتحول إلى الجماعة الدينية المقابلة لجماعته الأولى، إذا ظنّ أنها هي الأبعد فكريًا عن ما كان متيقنًا من أنه عين الحقيقة. وهذا في حد ذاته من القرائن المهمة على أن التطرف هو طريقة تفكير أكثر منه أفكارًا. وفي الوسط السياسي أيضًا، لوحظت هذه الظاهرة وأُطلق عليها نظرية «حدوة الفرس»، وهذا المفهوم في الفلسفة السياسية يزعم أن أقصى اليسار وأقصى اليمين يتقاربان في الفكر أكثر مما يتقارب أيٌّ منهما مع الوسط السياسي. والحقيقة أن التشابه بينهما هو أن طريقة تفكيرهما متطابقة. وكثير من المفكرين والفلاسفة ذكر هذا النوع من الناس الذين ينتقلون من الطرف الأقصى إلى الطرف الأقصى دون المرور بالوسط. واليوم، علم النفس أيضًا يدخل على الخط في محاولة لفهم هذا النوع ممن يمتلكون طريقة التفكير المتطرفة. ووجدوا أن من صفاتهم أنهم يريدون إجابات كاملة وقطعية، ولا يقبلون الغموض، كما أنهم يقومون بتسفيه خصومهم ويتعاملون بغضب مع من يختلف معهم. فهم يبنون هوياتهم على نفي الآخر، فإذا انهارت أفكارهم الأولى، فإنهم يحتاجون إلى فكرة أو أفكار متطرفة أخرى يستطيعون من خلالها نفي الآخر، لأنهم يحتاجون إلى مهاجمة الآخرين، سواء بهجوم فعلي أو بكيل الغضب والشتائم والسخرية والازدراء. ولكي يمارسوا هذه الرغبة التي هي جزء أساس من هويتهم وشخصيتهم، فإنهم يحتاجون إلى يقين متطرف واعتقاد يلجؤون إليه، وإذا انهار هذا الاعتقاد لسبب أو لآخر، فإنهم سيقفزون إلى اعتقاد متطرف آخر يستطيعون من خلاله ممارسة رغباتهم. لذلك، لا تجدهم أناسًا منشغلين بأنفسهم مطمئنين إلى ما يزعمون أنهم متيقنون بالاعتقاد به، كما يفعل أغلب الناس. المتطرف لا يتخلى عن روح التطرف، بل يغيّر موضعها. وقد يتغير في الشكل، لكنه يبقى على مستوى البنية النفسية والذهنية ذاتها.