في سبعينيات القرن الماضي، غادر عدد من أبناء وبنات المملكة أرض الوطن مبتعثين إلى مختلف دول العالم. كان من بينهم الشاب سعيد آل قبوص، أحد الموفدين من وزارة الداخلية إلى الولاياتالمتحدة، لدراسة تخصص غير مألوف آنذاك، وهو تقنية المعلومات. كان ذلك القرار، من حيث المظهر، مجرد ابتعاث دراسي، لكنه في حقيقته كان بداية مشروع وطني عميق، لا تُرى ملامحه في حينها، بل تُقطف ثماره بعد عقود. ذلك الجيل لم يكن يُشكّل طلابا في الخارج فحسب، بل كان يُشكّل اللبنات الأولى لعقل الدولة التقنية، إذ لم يكن ابتعاثهم امتدادا لعُرف، بل مقدّمة لرؤية، واليوم نعيش نتائجها. المملكة العربية السعودية في عام 2023 ليست مجرد دولة تُطوّر خدماتها، بل تعيد صياغة تجربتها بالكامل، من الجذور وحتى التفاصيل اليومية، أنظمة رقمية، خدمات ذكية، أمن سيبراني متقدّم، وشراكات إستراتيجية في الذكاء الاصطناعي.. كل هذا ليس وليد اللحظة، ولا نتاج تحوّل فجائي، بل نتيجة عقود من العمل الصامت، والرؤية المستبصرة. لكن ما هو أبعد من ذلك.. لم يبدأ بعد. ما تخطّطه المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي، والبيانات، والتحوّل الرقمي، وما تعمل عليه من إستراتيجيات نوعية ومبادرات طموحة، لا يُقاس بواقع اليوم فقط، بل بما سيكون عليه الغد بعد خمسين عاما من الآن. حين يكتب المؤرخون مستقبل التقنية في المنطقة سيكتبون أن المملكة لم تكن تتبع، بل كانت تبتكر، لم تكن تبحث عن مقعد في المستقبل، بل صاغته على طريقتها. الرخاء الذي نعيشه اليوم هو امتداد طبيعي لمنهجية عمل ترى الإنسان في قلب كل قرار، والمواطن في عمق كل مشروع، رفاهيته ليست أمنية، بل هدف يُصاغ في السياسات، ويُبنى في المبادرات، ويُترجم في جودة الحياة، ولهذا السبب ليس غريبا أن تُصبح المملكة وجهة مفضلة للعيش لا فقط للمواطن، بل للمقيم، وحتى للزائر. في عالم تتشابه فيه الدول، تسعى المملكة إلى أن تكون الاستثناء، أن تصنع نموذجا لا يشبه سواه، ليس بالصوت العالي، بل بالتخطيط العميق، ليس بالسرعة المؤقتة، بل بالثبات المتقن، وسيبقى الفارق واضحا. ما نشهده اليوم ليس إلا البداية، أما التفرّد الحقيقي، فتأكّد أنه سيُدهش العالم، بإذن الله.