الحياة حق للجميع وليس من العدل سلبها من أحد، ولكن هناك حياة تشبه الموت، أو بقاء يُفضي إلى ضرر. في كل الشرائع السماوية حُرم الإجهاض حفاظًا على النفس، إلا إذا شكل الحمل ضررًا على صحة الأم، وهذا ما تقره الشريعة الإسلامية، حيث إنها تجيز هنا إنهاء الحمل. بينما الكنيسة الكاثوليكية تحرمه على الإطلاق، ففي القرن السابع الميلادي كانت تعدم كل امرأة تُجهض نفسها، وفي عصرنا الراهن تُحرم إجهاض الجنين حتى لو كان في أنابيب مياه مختبرات التلقيح والخصوبة، كطفل الأنابيب. الإجهاض من الممكن أن يحدث تلقائيًا، حيث يولد الجنين قبل إتمام الأسبوع العشرين من الحمل، ويحدث ذلك عادة لتشوهات شديدة لدى الجنين أو أمراض مزمنة لدى الأم، ووجود تشوهات في الرحم أو التهابات من الممكن أن تسبب الإجهاض التلقائي، دون أي تدخل، فمن رحمة الله أن يلفظ الرحم الجنين المشوه، كي لا يكبر ويولد ومن ثمّ يموت، بعدما حملته أمه وهنًا على وهن، ووضعته في كبد. هناك عمليات إجهاض متعمدة لسبب طبي أو غيره، وغالبًا أساليب الإجهاض لأسباب غير طبية ليست آمنة، لأنها تتم على أيدي أشخاص غير مدربين أو ممارسين شعبيين، وهنا يكمن الخطر، إذ من الممكن أن تؤدي للوفاة نتيجة نزف شديد، أو تحدث لدى السيدة مضاعفات تقلل من فرص حملها مستقبلا. وحسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية فإن حوالي 73 مليون حالة إجهاض يشهدها العالم سنويًا، %45 منها اجهاض غير آمن، وقرابة %97 منها حدثت في البلدان النامية، حتى السيدات اللاتي يعشن في مناطق مرتفعة الدخل لم يسلمن من الموت، فهناك قرابة 30 سيدة تلقى حتفها من بين 100000 حالة إجهاض غير آمن. الإجهاض كإجراء مارسه الأطباء منذ قديم الزمان ومن بينهم الأطباء المسلمون ضمن ضوابط معينة، حيث يمكن إجهاض الجنين قبل نفخ الروح فيه والتي تحدد بفترة 120 يومًا من الحمل، إذا ترتب على هذا الحمل ضرر صحي على الأم تقره لجنة طبية مؤهلة. كذلك ينهى الحمل في أي وقت إذا كان يهدد صحة الأم، ولكنني أسأل نفسي كلما رأيت مولودًا مشوهًا، تشوهًا لا يُرجى برؤه وتستحيل معه الحياة، يولد بعد تسعة أشهر، طفلًا مكتملًا لكنه حسب الأعراف الطبية لا يتم إنعاشه، ويُترك ليموت بسلام بعد تقديم الرعاية التلطيفية، لماذا لم يتم إجهاض هذا الجنين مُبكرًا، لماذا تتحمل الأم أعباء الحمل لمدة تسعة أشهر وبعد ذلك تعاني من آلام المخاض، وفي نهاية الأمر يُترك الطفل ليموت؟! رغم أنه يمكن تشخيص التشوهات الخلقية والجينية مبكرًا ما بين 11-13 أسبوعًا من الحمل ويكون عمر الجنين وقتها أقل من 120 يومًا، أي قبل نفخ الروح، وهو الوقت الذي أباح فيه العلماء إجهاض الجنين لأسباب طبية. ربما لم تراجع الأم في حملها مبكرًا، فأضاعت فرصة التشخيص والتدخل المبكرين، أو ربما تكون خبرة الطبيب غير كافية للتشخيص أو إمكانيات المنشأة الصحية بسيطة لا توفر التشخيص الدقيق. المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي أقر في دورته الثانية عشرة عام 1410 الإجهاض في هذه الحالة واعتمدته وزارة الصحة السعودية. وفي الدورة الخامسة والعشرين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي انعقد في الرابع من شعبان لهذا العام، قُدم بحثان للدكتور محمد البار والدكتور حسان باشا، كانت من توصياتهما: الطلب من حكومات الدول العربية والإسلامية إصدار القوانين المتعلقة بتنظيم مسألة إجهاض المرأة المغتصبة في التشريعات الجنائية في مدة زمنية أقصاها 120 يومًا، ينتهي بعدها حق المرأة المغتصبة في الإجهاض. ننتظر ما سيكون في أمر هذه التوصيات، هل سيتم إقرارها والعمل بموجبها فيحفظ حياة الفتاة من محاولات إجهاض غير آمنة، ويقل عدد الأطفال الذين يُتركون في المستشفيات لأنه غير مرغوب فيهم، فيتقلص عدد نزلاء دور الحضانة الاجتماعية، أو يبقى مجرد بحث علمي؟