في الزمن الحاضر بات يتسارع كل شيء في الحياة ويتطور ويتغير، وذلك على الأصعدة كافة، وهناك جوانب إيجابية تطورت وتحسنت وقادت العالم نحو تسهيلات معيشية ووعي علمي وحضاري وثقافي كبير. كما أن هناك تطورات سلبية ألقت بظلالها على المجتمعات، بحكم انفتاح حلقات الاتصال والتواصل وتبادل الثقافات والعادات، وهذا لا يجعلنا نتخذ موقفاً سلبياً من التطور الحضاري والانفتاح الاجتماعي، بقدر ما يجعلنا نبحث عن أسباب التعاطي السلبي مع هذا التطور والانفتاح والتراخي وضعف التمسك بالمبادئ التي تميز كل بلد عن غيره وكل ملة ومذهب. إن الذوبان في شخصية الآخر والتأثر به دون قيود ودون اختيار سليم لما يناسب، والبعد عما لا يناسب، لهو ذوبان ممقوت وتأثر مذموم، ومن مظاهر هذا الذوبان على سبيل المثال: تطورت تقنية الاتصال الذكي والتقنية الذكية، وقربت البعيد وصنعت المستحيل، وبات كل شيء تقريباً في متناول اليد، سواء أكانت معلومة أو مكانا أو ثقافة أو حضارة أو مهارة أو غيرها، ولكن صاحبتها برامج هادمة للأخلاق ومميتة للمروءة ومضيعة للوقت ومعيقة للعمل ومدعاة للخمول والكسل، والانشغال عن العالم الواقعي والانخراط في العالم الافتراضي. ومثال آخر: يتمثل في تقليد الصرعات والموضات والأفكار المتطرفة والإلحادية والشاذة وغيرها. ومثال ثالث: يتمثل في التمرد على الثوابت الدينية والاجتماعية، بحجة الحرية الشخصية وديموقراطية الرأي وغير ذلك الكثير، كنظريات الإلحاد، وأفكار النسوية، وترهات المثلية، مما أوجد أجيالاً تائهة بين الأصالة والتجديد، فلا هي متمسكة بأصالتها وثوابتها ولا هي قادرة على التعامل مع التجديد كما ينبغي، ومن هنا لا حظنا أصنافاً من التخبط الحياتي وأنواعاً من الضعف الإيماني والتفكك الأسري والجفاء الاجتماعي أو ما يسمى بضياع الهوية. وإذا أردنا البحث عن أسباب ذلك فإن القائمة تطول، ولكن لعل من أهم الأسباب المباشرة التي يمكن أن نوردها هنا باختصار، هو ضعف التربية الأسرية وعدم تأهيل المقبلين على الزواج وتكوين الأسر تكويناً صحيحاً. فتبنى الأسرة دون علم أو معرفة، أو خبرة، ويتركز اهتمام الوالدين على إطعام وكسوة الأبناء، دون اهتمام بالتربية والبناء السليم للعقول والأخلاق والتمسك بالدين الإسلامي وثوابته. كما أن قصور المناهج الدراسية التربوية، وعدم اهتمامها ببناء الأجيال بناءً تربوياً صحيحاً، والاقتصار على تلقين المعلومات وربطها بالاختبارات والنجاح، وجعل الحصول على الشهادات الدراسية والوظيفة هي الغاية الأسمى دون زرع غايات أكبر وأرقى تعنى بالشخصية وتؤكد على الثوابت والمبادئ والمهارات الحياتية، أدى كل ذلك إلى ضعف التفكير الإيجابي لدى الأجيال، وعدم الاعتداد بالذات ولا بالمبادئ والقيم الإسلامية، ولا العادات والشيم العربية، ولا التاريخ المجيد والرواد والعظماء. ومن ذلك عدم نشر الوعي باستخدام التقنية والإفادة من معطياتها الغزيرة المفيدة، واستثمار طاقات الشباب فيها، والتأكيد على عدم اقتصار تعاملهم على الألعاب والتواصل الفارغ الذي لا يعود عليهم بفائدة تذكر. وإذا أردنا إنقاذ أجيالنا، فإنه يتوجب علينا القيام بالكثير والكثير جداً، من الجهود والمبادرات وعلى المؤسسات التعليمية والتربوية. وكذلك الأسر والآباء والأمهات وذوي الرأي عليهم أن يبادروا بدراسات ميدانية واستقصاء الوضع الراهن وتحديد الأسباب من الواقع، ثم صناعة البرامج المناسبة لإعادة الأجيال للمسار الصحيح، والحفاظ على الشباب الذين هم عدة الأوطان وصمام أمانها، وهم جديرون بكل ما يبذل من جهود لتطويرهم والارتقاء بعقولهم والإفادة من حيويتهم ونشاطهم، وهو الشيء الذي يعود عليهم وعلى أوطانهم إيجاباً ونفعاً، ويعزز القدرة والتمكين، ويؤسس لمستقبل زاخر بالعطاء والنماء للأجيال الحاضرة والقادمة بعون الله وتوفيقه.