وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال21 من طلبة كلية الملك عبدالله للدفاع الجوي    ولي العهد يعزي رئيس الإمارات في وفاة الشيخ طحنون    الهواية.. «جودة» حياة    الحرب على غزة.. محدودية الاحتواء واحتمالات الاتساع    الهلال يتغلب على الأهلي بثنائية في دوري روشن    الهلال يقترب أكثر من لقب دوري روشن بالفوز على الأهلي    جواز السفر.. المدة وعدد الصفحات !    برعاية وزير الإعلام.. اختتام «ميدياثون الحج والعمرة» وتكريم الفائزين والجهات الشريكة    أفضل منشأة في تطبيق اللغة العربية وتمكينها    يتوارى البدر.. ولكنه لا يغيب !    المتشددون يطالبون باقتحام رفح.. وذوو الأسرى: أعيدوا أبناءنا أو نحرق إسرائيل    مناورات نووية روسية رداً على «تهديدات» غربية    بالهاتريك السادس.. رونالدو يطرق أبواب التاريخ في الدوري السعودي    وصافة الخلود في اختبار هجر.. الفيصلي للتعويض بجدة    المسافر راح.. وانطفى ضي الحروف    "البحر الأحمر السينمائي" مشاركًا في "أفلام السعودية"    «سعود الطبية» تقلص فترات علاج زراعات الأسنان    «مهرجان الحريد».. فرحة أهالي فرسان    أمير الجوف يشدّد على تسخير الخدمات لخدمة المواطن    الشورى: سلامة البيانات الشخصية تتطلب إجراءات صارمة    النائب العام يلتقي عدداً من قيادات السلطات القضائية والدستورية في البحرين    "آل هادي" إلى رتبة "لواء" ب"الشؤون القانونية للجوازات"    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان في وفاة ابنه    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    بايدن يحذّر نتانياهو مجددا من أي اجتياح لرفح    صندوق البيئة يعزز الاستدامة المالية لخمسة قطاعات    تسعير المنتجات الطبية    اتحاد تسع جهات حكومية لحماية طلاب مكة سلوكياً وفكرياً    انخفاض أرباح شركات التكرير الأميركية مع اضطرابات المصافي الروسية    أوامر الاحتلال بإخلاء رفح تؤكد قرب الغزو البري    تطوير للطرق والمحاور بالخبر    انطلاق تمرين «الغضب العارم 24» بين القوات المسلحة السعودية ومشاة البحرية الأمريكية    القبض على مقيم بمكة المكرمة لترويجه مادة الميثامفيتامين المخدر    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    السعودية تحذر من مخاطر استهداف الاحتلال لرفح وتهجير سكان غزة    100 ميدالية بالأولمبياد الخاص    "البيئة": 54 بحثًا للابتكار وتنمية المجتمعات الريفية    أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال68 لطلاب جامعة الإمام.. غداً    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي كلية التقنية بالمحافظه لحصولهم على جائزة المركز الأول في مسابقة الروبوت والذكاء الاصطناعي    7 غيابات في كلاسيكو الأهلي والهلال    تقديم الاختبارات النهائية بمدارس مكة    نائب وزير الخارجية يستقبل وزير الدولة البريطاني للتنمية وأفريقيا    خطط وبرامج لتطوير المساجد في الشرقية    إعلان نتائج أرامكو غدا.. ترقب من سوق الأسهم وتوصيات المحللين    مخبأة في حاوية بطاطس.. إحباط تهريب أكثر من 27 كيلوغراماً من الكوكايين بميناء جدة الإسلامي    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    العوفي يحتفل بزفاف نجله حسن    افتتح المؤتمر الدولي.. الراجحي: المملكة عززت منظومة السلامة والصحة المهنية    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوقف ضرورة برزخية
نشر في الوكاد يوم 07 - 01 - 2024

ما فائدة الصدق إن كنت على يقين من (أوهامك)؟ ما الوهم إن لم يكن كذباً على النفس ما زلت تصدقه؟
يا لفجيعة الأخلاقيين عندما يكتشفون الصدق باعتباره موقفاً عقلياً من تصورات (نفسية) لأحداث لها زوايا رؤية مختلفة تجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً، فأين القيمة؟ وعندما نتحدث عن (القيمة) فنحن نتحدث عن (ذات الشيء) وهذا أمر يختلف عن (الثمن) المرتبط بالشيء وعلاقته بما حوله، لترى الشيء وقد تحول من (قيمة ذاتية) إلى (قيمة تبادلية)، ولهذا فلم أجد شيئا أعلى قيمة من (الإنسان) حتى الكعبة هدمتها السيول وضربها الحجاج بالمنجنيق ونقضها القرامطة حجراً حجراً ثم عاد بناؤها شامخاً من جديد لتحمل معناها من خلال (الإنسان) يطوف حولها، ولهذا ستجد كبرياء السنوات الضوئية في مجرات ونجوم الكون تتحطم بمجرد انقراض آخر مبتهلٍ في الأرض، فبقدر ما قمع العلم كبرياءنا المتماهية مع كبرياء الكون، بقدر ما انعكس ذلك على (قيمتنا) التي ازدادت تذبذباً حتى أصبحت تجمع تناقضات فيزياء الكم، كما لو كان سؤال الكون مختزلاً في (قطة شرودنغر).
ما لنا ولقطة شرودنغر إن نحن لم نفهم ونفطن ونتفكر ونتأمل ونستوعب ونعي وندرك ونعرف مسيرة حي بن يقظان منذ ميلاده في حضن مرضعته الظبية حتى (أتاه اليقين)، ما لنا وللتفكير ونحن نخلطه بالوهم غير مدركين أن من يفكر يحاول إدراك الشيء في معناه/جوهره، فالمفكر يريد الإمساك بالأنطولوجيا وقد تخلى عن الميثولوجيا؟! لنرى هايدغر يرضع من ثدي الشرق روحانيته نقمةً في الآلة لنشرب نبيذاً من عنب الميثولوجيا من جديد تحت سقف الدازاين الغنوصي، بينما الواهم يدعي الوعي بالشيء في مبناه وقد تلاعبت به مرايا الأيديولوجيا لنرى الأصولية الدينية المتطرفة كرأس هيدرا الأسطوري عندما يقطعه هرقل الحداثة، فينمو برؤوس أكثر لنجد الأصولية من الهندوسية شرقاً إلى المسيحية غرباً مروراً بعراب التطرف بينهما، فكأنما هيدرا الأصولية المتطرفة تنبت في كل ملة ونحلة رغم ضربات هرقل الحداثة، ربما السر في الرأسمالية التي حملت جرثومة البروتستانتية كما يدعي ماكس فيبر، فالرأسمالية ما زالت تشد عجين الحضارة إلى موقدها الإمبريالي، تنضجه لنا خبزاً اسمه (حقوق الإنسان) يأكله الجوعى إلى «كرامة» على أرضهم، فيبصقونه دماً في الدياسبورا العربية.
قد يردد الواهم «ألفية ابن مالك» غيباً ويسميها رجزاً يريد بحفظها سلطةً في النقد بسبب محفوظاته النحوية والصرفية (الألسنية)، بينما المفكر يدرك أن أخطاء المتنبي النحوية والصرفية التي تحذلق بها بعض النحاة على رأسه لم تحرك شعرة واحدة في مفرقه، مدركاً أن اللغة جاءت قبل النحو، وأن الشعر كان لقرون قبل الفراهيدي، وأن (الشعراء/أنبياء اللغة) سادة المجاز الممتد للأبد.
توقفت عن الكتابة لأنها بالنسبة لي (قيمة ذاتية) وليست (قيمة تبادلية)، وبقدر عجزي الذاتي بقدر ما أنكفئ عن الكتابة، فلست هوميروس أو دي مونتيني خالداً في الكتابة، ولا حتى كاتب مبتدئ منذ سنتين يشبهني في الحماس (والغرور) قبل عشرين عاما، توقفت عن الكتابة لأني عاجز عن تجاوز التكرار، ليس أمام الجمهور فغالبهم سمك/ذاكرتهم قصيرة، بل أمام القلة النادرة التي وصلت إلى مقام قاسم حداد إذ يقول: (القراءة زيت قنديلك، أيها القابع في عتمة الثقة) ولهذا من حقنا القلق على (حقيقة وجودنا) ما بين (وجود أصيل) نعض عليه بالنواجذ وحدنا، خير من (وجود مبتذل/مزيف) يملؤه تصفيق الجموع، والفرق يكمن في أن تعيش (أنت)، أو تعيش طيلة عمرك (تتقمص الآخرين) فاقداً ذاتك ذاهلاً عنها مدمناً لعبة (الزحلقة/الانزلاق) على الوقت.
توقفت عن الكتابة لأنها شيء عزيز لا علاقة له بالهراء، وخطر (الهراء) على الحضارة أشد من خطر الكذب كما يرى ذلك الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت، لم يوقفني أحد لكن أوقفني (اللا أحد)، شعور الصقيع بداخلي يؤكد مصابي القريب لمصاب ديوجين يطوف بمصباحه في هاجرة الشمس بحثاً عن (رَجُل/ إنسان)، وقد نجده في الكتب أكثر مما تجده بين الناس، توقفت عن الكتابة عندما ارتد العقل العربي إلى عقل بدائي شبه عاري يقدم قرابينه/ أبناءه بالآلاف على مذبح الإله مولوخ متضرعاً بالقرابين يرجو النصر بصوت الرعد وسيف البرق، فيزداد بخوعه أمام (عبث الأقدار).
توقفت عن الكتابة وكتبت هذا المقال لأؤكد رغبتي في مواصلة التوقف ما دمت جاهلاً جهلي، غافلاً عن غفلتي، سادراً في سدرتي، أريد أن أعود قلماً بفتوة الشباب كما كنت في (سياط الكهنوت، حجامة العقل وإخوتهما الأشقاء وغير الشقيق)، ربما يعود هذا إلى أن الكتابة امتزجت بأزمة منتصف العمر، ولا بأس فقد كنت في شبابي أقوى في الكتابة، لكني الآن أقدر، فالقوي أنفذ مع رهق، والقادر أحكم مع رشد، ولهذا أعود لحالي القديمة في الكتابة بلا موعد أو ارتباط.
قرأت منذ انقطاعي شيئاً معقولاً من كتب الاقتصاد الأكاديمية، فإذا بها كتب التسويق/السوق الرأسمالية، كي نبقى ذاهلين عن النظر الحر في كتب (الاقتصاد السياسي)، فأخافني أن يتحول الناس إلى صنفين أدوات وسلعة وتتحول الدول إلى سوق، والذكاء الصناعي سيحدد الثمن ويبيع البشر، سوق نخاسة مؤتمت/رقمي، ترى فيه (الإنسان) منقسما على ذاته نصفين، فنصف نخاس/رأسمالي، ونصف عبد/مستهلك.
خوفي ليس سببه (نباهة) أو (استحمار) يُحذِّر منه (علي شريعتي)، بل يعود إلى جينات زراعية وراثية ترى أن الأرض (قيمة ذاتية) وليست (قيمة تبادلية)، فتراني أختم هذا المقال وفي ذاكرتي سطر السنابل في الحقول/المصاطب الجبلية، وعمري عشر سنوات وأبي يهمزني بالكلام (كيف يسبقك العُمَّال في الصريم؟!!) ومعي المنجل، سابقتهم مخلصاً صادقاً فانجرحت يدي بالمنجل وأنا أجز السنابل، اتهمني أبي بتعمد ذلك كي أرتاح، لم أبال بتبرير نفسي أمامه، تركت المنجل والصريم، جلست في الظل أطبب جرحي ودمي النازف، فبداخلي كل نفاق البرجوازية تصرخ بالعمال كأنها منهم رافعةً بيسارها سنابل القمح، وبيمينها كوب فرابوتشينو من ستاربكس، فاحذروا (شياطين البرجوازية) وصدقوا (تراب الوطن).
نقلا عن الوطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.