أهم ما فعله (أبو قراط) القديم أنه أرسى قواعد الطب المنهجي ومناهج العلاج وفهم آليات حدوث المرض بطريقة تجريبية، حتى جاء جالينوس فطوّر الطب على نحو جديد، ولكنه أعاق تقدمه بأيديولوجية سيطرت على السوق الطبية ألفي عام، حتى كسرها الطب الحديث. ومما يذكر المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) عن عام 1543 أنه كان عام العجائب لأن ثلاثة فتوحات معرفية حدثت فيه: كوبرنيكوس في قلب فهم حركة الأرض ودوران الشمس، وماجلان في خريطة الأرض، والثالث فيساليوس الطبيب الذي شرح جسم الإنسان للمرة الأولى، أما جالينوس فقد اعتمد تشريح جسم الخنزير، لأن العصر الذي كان يعيش فيه لم يسمح له بأكثر من هذا فوقع في أخطاء فاحشة، مثل أن الرحم عند المرأة مكون من سبع حجرات، والسبب هو نقل تشريح الخنزير وتطبيقه على جسم ابن آدم، وهذا قياس مع الفارق كما يقول المناطقة. ومما ينقل من الحكم عن أبو قراط قوله: (إن الطب أشرف الصنائع كلها) و(ينبغي لمن أراد تعلم الطب أن يكون ذا طبيعة جيدة وحرص شديد ورغبة تامة) و(ينبغي على الطبيب أن يكون مشاركا للعليل مشفقا عليه حافظاً للأسرار) و(ينبغي أن يكون محتملا للشتيمة) وهي قضية ذكرها القرآن فيجب تحمل المريض وأهله تحت قوله تعالى (ليس على المريض حرج). ويصف أبو قراط لباس الطبيب، أن تكون: (ثيابه بيضاء نقية لينة) وينقل (ابن جلجل) من أخلاقه السمحة أن (أفليمون) كان يدعي الفراسة من رؤية صورة المرء فلما عرضوا عليه صورة أبو قراط قال هذا رجل يحب الزنا؟؟ قيل له يا معلم ولكن هذا أبو قراط؟ ولم يكن اجتمع به قال إني شديد الفراسة فانقلوا له كلامي، فلما وصله قال: صدق أفليمون فأنا رجل أحب الحرام ولكني أملك نفسي؟ ومن حكمه التي قالها: (إنما نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل) و (الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف) و(العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما يبلغك قليله إلى كثير). ووصفه (المبشر بن فاتك) في كتابه (مختار الحكم ومحاسن الكلم) أنه كان «ربعة أبيض حسن الصورة عظيم الهامة بطيء الحركة إذا التفت التفت بكليته، كثير الإطراق، مصيبا، متأنيا في كلامه، يكرره على سامعه، كثير الصوم قليل الأكل، بيده دوما إما مبضع أو مرود (للكحل)» ولم يخدم أبوقراط ملكا لزيادة ماله، وفلسفته تقوم على المال الضروري وحسب، فهو خير خادم وشر سيد، وحينما طلبه طاغية الفرس في مرض ألم به مع عرض مالي سخي رفض قائلاً: (لست أبدل الفضيلة بالمال). وحين عالج ملك مقدونيا انصرف في فترة إقامته يعالج فقراء المنطقة. ومات الرجل بالفالج وقال حينما دنت منيته (خذوا عني جامع العلم: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره)، وهي أمور صحيحة في العرف الطبي من راحة البال والغذاء الجيد وعدم التعرض للجفاف. وأخيرا ودع تاركاً خلفه ذكرا في العالمين، ومدرسة تعتمد التجريب، والنظر إلى المريض، وأن الطبيب يجب أن يبحث عن سبب العلة ليس عند الآلهة، بل في جسم المريض. ومن الغريب أن صاحب كتاب المائة الأعظم في التاريخ (مايكل هاردت) الفلكي الأمريكي لم يضع كلا الرجلين لا جالينوس ولا أبو قراط بين العظماء مع أن الرجلين أسسا الطب في العصر القديم.