دعا مثقفون وإعلاميون، رؤساءَ تحرير الصحف في المملكة، إلى الاهتمام بالصفحات والملاحق الثقافية وإعادة تأهيلها، خلال ندوة بعنوان «قراءة في الملاحق والصفحات الثقافية»، أقامها المنتدى الثقافي في فرع جمعية الثقافة والفنون بالباحة. وأجمع المشاركون في الندوة، التي أدارها الإعلامي علي صمان مساء السبت الماضي في مقر الفرع، على أهمية موضوع الندوة وحاجته إلى نقاش طويل ومُعمّق من خلال المؤتمرات والملتقيات الثقافية الموسمية. وأكّدت المحررة الثقافية مريم الجابر، التي شاركت في الندوة عبر الهاتف لتكون أول سيدة تشارك في فعالية للمنتدى، أن الثقافة مشروع الحياة الأول للكائنات الحيّة وعنوان البشرية المتحضرة، مبدية أسفها من حرص بعض من يعملون في التحرير الثقافي على تعبئة الفراغ بفارغ الكلام بعيداً عن ثقافة الثقافة، لافتة إلى أن عقليات بعض مشرفي الصفحات الثقافية تقليدية، وغير مواكبة للتحديث المشهود في السياسة والاقتصاد والرياضة، مؤمّلة من الجيل الجديد من رؤساء التحرير والمحررين الثقافيين النهوض بالصفحات والملاحق الثقافية. وتوقف المحرر الثقافي عبدالله وافية عند توجُّه إدارة الصحيفة ورؤساء التحرير للربحية ووضع الصفحات الثقافية في آخر الاهتمامات وتركها متنفساً للإعلانات، قبل أن يُعرّج على علاقة المثقفين بالصحافة، مشيراً إلى إشكالية النرجسية عند بعضهم واشتراطاتهم المسبقة على المحرر أن يُبرز مشاركاتهم في إطار خاص، واختيار صور فاتنة لهم، موضحاً أن أحد المثقفين الكبار في المملكة عاتبه على نشر صورة قديمة له بشارب كث. وأبدى التربوي حمود الفقيه أسفه أن يكون المثقف والكاتب عُرضة للتوقيف والمنع، مؤكداً أن التميز مطلب جماهيري، وأن التقليدية في الصحافة السعودية ستورث العزوف والاستغناء عنها بوسائل التواصل الحديثة. وتحفَّظ الشاعر والكاتب محمد زايد الألمعي على حالة التشابه في الصفحات الثقافية وعجزها عن تجاوز ما بلغته، داعياً إلى التفكير الجاد في إعادة تأهيل الصفحات الثقافية والاستعانة بالمؤهلين لمواكبة الحدث وصناعة الخبر، لافتاً إلى ما تكسبه الملاحق الثقافية من هوية للصحيفة تدفع القرَّاء إلى الترقب والتلهف على جديدها، مشيراً إلى أن المتابعات الخبرية للخدمات وازدحام الإعلانات يضغط على الصفحات الثقافية ويهضم حقها كونها آخر أولويات رئاسة التحرير، مبدياً في الوقت ذاته أسفه من أن المملكة هي البلد الوحيد المحروم من صحيفة ثقافية متخصصة، على حد قوله. واستعاد أستاذ اللسانيات في جامعة الباحة الدكتور جمعان بن عبدالكريم حقب الصحافة السعودية، واصفاً الحقبة الأولى ب»حقبة الأدباء الصحفيين». وأشار إلى أن إشكالية الصحافة الثقافية جزء من إشكالية الصحافة بوجه عام، كون المحرر يسعى إلى الإثارة، والقارئ يتلهف للتسويق ونقل المثير على وجه التسلية وتسخين المواقف. وشدَّد مدير تحرير الشؤون الثقافية في «الشرق» عبدالوهاب العريض، عبر الهاتف، على أهمية اضطلاع الصفحات الثقافية والملاحق بدورها التنويري وتبني القضايا الفكرية وقراءة المشهد بمهنية وحرفية، مبدياً تحفظه على عزلة بعض المثقفين وابتعادهم عن المشاركة الثقافية الفاعلة كتابة ونقداً وتحليلاً، مؤكداً ترحيب رئيس تحرير «الشرق» ونائبيه بكل الرؤى والتطلعات النخبوية لتقديم صفحات ثقافية جادة ومواكبة للمشهد الثقافي في كل محافظة ومنطقة، مشيراً إلى أن اقتناص اللافت مهمة الصحفي المحترف وهو نادر في الصحافة الثقافية عموماً. وأجرى الشاعر محمد الدميني مقارنة بين ملاحق وصفحات الثقافة في الثمانينيات وبين المَعيش منها اليوم، مؤكداً أن وظيفة الثقافة جذرية وتحتاج إلى العمل الجاد والمحفز للإبداع، لافتاً إلى أن النخب الثقافية في العالم العربي أفادت من صفحاتنا الثقافية، وتأثرت بما قدّمه جيل الثمانينيات من أطروحات. فيما طالب المحرر الثقافي سعيد الدحية بصحيفة إلكترونية متخصصة في الثقافة، كون الصحافة الثقافية الورقية استهلاكية وغير تفاعلية، موضحاً أن ما يقارب من نصف سكان المملكة يستخدمون الإنترنت ويتفاعلون مع النشر الإلكتروني، في حين لا يبلغ توزيع جميع الصحف المليون صحيفة، قرَّاؤها ربما لا يتجاوزون نصف مليون من النخب والمعنيين بالشأن الثقافي، مؤكداً أنه لو كان الأمر بيده لأغلق جميع الملاحق الثقافية كونها منتهية العمر افتراضياً. واتفق الكاتب سعد الحارثي مع الدحية، مؤملاً أن تخرج الصفحات الثقافية من الشللية والتحزبات إلى فضاء وطني حُر ومشترك. وتناول رئيس أدبي حائل الأسبق عبدالسلام الحميد، جانب غياب الإبداع والابتكار وتقدير الرموز الثقافية، مشيراً إلى أن التنافس سيُشكل حالة فرز، ولن يُكتب البقاء إلا للجيد والمهني والمعنيّ بالثقافة الخلاقة. وتطلع المسرحي محمد ربيع إلى صفحات ثقافية تصنع الحدث وتحرك الساكن وتبعث على الأمل وتستغل مساحات الحرية المتاحة. فيما تخوَّف المحرر محمد المرزوقي من استحواذ مواقع التواصل الاجتماعي على مساحة الاهتمام لدى المتلقي النخبوي إن لم تجدد الصفحات الثقافية والملاحق روحها وتواكب تطلعات قرَّائها، مؤكداً أن مهمة المحرر الثقافي المنتمي شاقة وشائقة، مؤمّلاً أن تعود روح المنافسة بين الصفحات الثقافية ليمكنها استقطاب مزيد من القرَّاء وكسب ثقة القارئ. تكريم الشاعر محمد الدميني في «فنون» الباحة