تواجه المملكة ظاهرة سكانية فريدة تتمثل بجماعات ليسوا من المواطنين وفي نفس الوقت لا تنطبق عليهم المنظورات والمقاربات الخاصة بالمقيمين، فلا تطبق عليهم قوانين الكفالة والإقامات المؤقتة وما شابه. ولقد أطلق على هذه الجماعات مسمى «الفئات المعفاة من الإبعاد». ثمة أربع حقائق فيما يخص واقع هذه الفئات. الأولى: أنه ولأسباب تاريخية والتزامات دينية وأخلاقية من جانب المملكة؛ فإن هذه الفئات مستقرة في البلاد لأجيال مضت وأجيال قادمة. ثانياً: أن جزءاً معتبراً من شباب هذه الفئات قد ينقصه كل من المهارات الحياتية والمهنية للالتحاق بسوق العمل ولذا يعانون البطالة والفراغ وانعدام الأمل. ثالثاً: بنية سوق العمل في المملكة تعتمد في طائفة كبيرة من المهن اليدوية على العمالة المُستقدمة التي قد تكون مناسبة لشباب هذه الفئات. رابعاً: أن توظيف شباب هذه الفئات يقلل من الاستقدام من ناحية ويخفف من عوامل الفقر والمعاناة لفئات اجتماعية مقيمة بما تحمله هذه المعاناة من ألم إنساني من ناحية ومن نذر تهديد للسلم والأمن المجتمعيين من ناحية أخرى. ولقد بدأت الجهات المختصة بتصميم سياسات العمل في المملكة بالالتفات إلى هذه الفئة. فقد أصدر الأسبوع الماضي وزير العمل قراراً بحساب الفئات المعفاة من الإبعاد بربع نقطة في برنامج نطاقات لتوطين الوظائف. ويعد قرار وزارة العمل تجاوباً مؤسساتياً مناسباً للتعامل مع واقع اجتماعي له إشكالاته الخاصة به. ويعد تحفيز شباب هذه الفئات، أو بعض مكوناتها، مشكلة بحد ذاته. فبعضهم ينقصه التعليم بأساسياته وحتى الخبرات الحياتية اللازمة للتعامل مع أجواء العمل وبيئاته المبنية على الانضباط والتحكم في النفس والانفعالات. وبناء على ذلك، يمكن النظر إلى جزء من شباب هذه الفئات باعتبارهم يكونون فعلا ما يسمى بالشباب المهمش، بما تحمله هذه التسمية من حمولات دلالية ومعانٍ اصطلاحية تحيل إلى أساليب خاصة في العمل الاجتماعي لمساعدة هذه الفئة. وإذا لاحظنا في واقعنا المحلي، فإننا نعاني نقصاً في التنظيمات الرسمية والأهلية وغير الربحية المحتضنة لخبرات في التعامل مع هذه الفئة. ويعد المعهد العربي لإنماء المدن، عبر برنامج الأطفال والشباب، واحداً من تلك التنظيمات غير الربحية المختزنة لخبرات في التعامل مع هذه الفئة. فقد راكم المعهد العربي لإنماء المدن خلال السنوات الماضية خبرة في تصميم تدخلات من أجل مساعدة الشباب المهمشين وتمكينهم من الحصول على فرص عمل. ولقد تركزت خبرة المعهد، في هذا المجال، على إعداد برامج تُشرك الجهات والفئات ذات العلاقة بقضية تمكين الشباب المهمش في المدن العربية (أي القطاع الحكومي، القطاع الخاص، المنظمات الأهلية ذات العلاقة، والشباب المهمش) من أجل تطوير مقاربات تتحول إلى نماذج للتدخل الميداني يهدف لمساعدة هؤلاء المهمشين. ولقد عمل المعهد خلال العشر سنوات الماضية على مشاريع من هذا النوع في كل من صنعاء، الخرطوم، القاهرة، وطرابلس/لبنان. وقام المعهد العربي لإنماء المدن بتنفيذ هذه البرامج بالشراكة مع منظمات عالمية (مثل البنك الدولي ومنظمة الشباب الدولية)، وزارات، بلديات، غرف التجارة والصناعة والزراعة ومنظمات أهلية بغرض خلق بيئة تؤمن الفرص لإعادة إدماج الشباب الأكثر تهميشاً في هذه المدن. وتتلخص فكرة البرامج في تحسين فرص عمل وتوظيف الشباب عبر التعرف على خصائصهم وإمكاناتهم من جهة، وسوق العمل ومتطلبات اندماج الشباب في مجتمعاتهم من جهة أخرى، بالإضافة إلى معرفة المؤسسات التي تبني قدرات هؤلاء الشباب وتسهل اندماجهم في مجتمعاتهم. ومن خلال هذه البرامج، راكم الفريق المختص بالمعهد شيئاً فشيئاً خبرات في تشبيك (Networking) الجهات ذات العلاقة في التعاطي مع قضايا تمكين الشباب المهمش من العمل. والتشبيك في العمل الأهلي يعد من أصعب القضايا من جهة وأكثر ما تحتاجه مثل هذه المواضيع من جهة أخرى. وقد لاحظنا وجود فجوة بين منظمات المجتمع المدني والأطر الرسمية الموكل لها التعامل مع هذه الفئة وصياغة السياسات اللازمة. لذا يركز المعهد على تصميم مناهج عمل تشبك الفاعلين سوياً في برنامج عمل موحد من ناحية وتحتوي على نماذج تدريب عملية يوكل إلى منظمات المجتمع المدني تقديمها للفئات المستهدفة من ناحية أخرى. وقضية الشباب المهمش لا تنحصر فقط في عدم توفر فرص العمل، بل إن عاملها الصعب يتمحور حول النقص الشديد في المهارات اللازمة للحصول على العمل أصلاً لدى هؤلاء الشباب، ابتداء من تنمية مفاهيم عملية من قبيل الالتزام وإدارة الوقت وطاعة الرؤساء والتعامل مع الزملاء في بيئات العمل وخلافه من المهارات الحياتية اللازمة للاستمرار في العمل. ولتأهيل تلك الفئة، فإنه يجب قبل إكسابها مهارة ما، من قبيل سباكة أو نجارة أو خلافه، أن تكسب المهارات الحياتية اللازمة. ومن خبرة المعهد والدراسات المسحية التي أجريناها، لاحظنا أن منظمات المجتمع المدني المتعاطية مع القضية تنقصها القدرة اللازمة لتأهيل الشباب المهمش حياتياً قبل تأهيله مهنياً. ومن أجل تمكين الجمعيات الأهلية من تأهيل شباب الشوارع، صمم المعهد برامج لتدريب المختصين في تلك الجمعيات على تأهيل هذه النوعية من طالبي العمل. وبحسب المختصين بقضايا أطفال وشباب الشوارع في مصر، فإنه للمرة الأولى يصمم برنامج للتعاطي مع المشكلة بهذا المنظور الشامل للمشكلة في إطارها المصري. وبناء على هذه الحقائق وعلى ما سبق ذكره عن خبرة المعهد في تصميم التدخلات المؤدية لتأهيل مستدام للشباب المهمش في عدة مدن عربية، فإن المعهد يضع بين أيدي الجهات المختصة خبرته وعزمه في أن يكون من المساهمين في تصميم برامج تدخل لتمكين الشباب المهمش من الفئات المعفاة من الاستبعاد من اكتساب المهارات الحياتية والمهنية اللازمة للتأهيل المهني المستدام.