أكد رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، أن المملكة ليست حدثاً جديداً على التاريخ، فالمكانة التي تحظى بها اليوم بين دول العالم، على المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والحضارية، إنما هي امتداد لإرث حضاري عريق، وأن الإسلام العظيم الذي خرج من هذه الأرض المباركة قد خرج إلى العالم من أرضٍ غنية بتاريخها وحضارتها واقتصادها. وأشار في المحاضرة التي ألقاها في الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب بباريس بدعوة من الأكاديمية أمس الأول، إلى أن الدور الذي تضطلع به المملكة وشعبها في الوقت الحاضر، والدور الذي ستقوم به في المستقبل، لم يأت من فراغ، بل هو نتاج طبيعي للتراكم الثقافي والحضاري لإنسان الجزيرة العربية كوريث لسلسلة الحضارات العظيمة التي صنعها وشارك في صنعها وحمايتها وتطوير اقتصادها، إلى جانب دوره كخادمٍ أمين لأقدس المواقع الإسلامية التي انطلقت منها رسالة الإسلام إلى العالم . وقال: إن هذه المناسبة تأتي في مرحلة مهمة من تاريخ المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، فهو إلى جانب حكمته السياسية وقيادته، يُعد مثقفاً موسوعياً ورجل تاريخ من طراز رفيع، فقد عُرف عنه اهتمامه الكبير بتاريخ الجزيرة العربية وحضارتها وتاريخ العالم أجمع، وتُعد دارة الملك عبدالعزيز التي أنشئت عام 1972م، ويرأسها خادم الحرمين الشريفين – منذ أكثر من عقدين- وجهة للباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة السعودية وتاريخ الجزيرة العربية من جهة، وبالتاريخ العربي والإسلامي من جهة أخرى وارتباط ذلك بتاريخ العالم». ونوّه إلى أن هذا الوعي التاريخي الذي يتمتع به خادم الحرمين الشريفين، كان له أثر كبير في تسهيل مهام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وقد صدرت منذ ولايته للعهد ثم توليه مقاليد حكم البلاد وحتى الوقت الراهن كثيراً من الأنظمة والقرارات التي أحدثت نقلة نوعية في مجالات العناية بالتراث الحضاري للمملكة، وتوجت هذه القرارات بالموافقة على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، الذي وصفته المديرة العامة لمنظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا بالمشروع الوطني الطموح وأحد أشمل البرامج العالمية عناية بالتراث في دولة واحدة وفي وقت واحد، وغير مسبوق في العالم أجمع. وأبان أن المكتشفات الأثرية حتى الآن أثبتت أن بداية الاستيطان البشري في أرض المملكة يعود إلى العصر الحجري القديم الأسفل منذ مليون ومائتي ألف سنة قبل الوقت الحاضر، ومن الدلائل على ذلك «موقع الشويحطية» الذي يقع على بُعد 30 كلم شمال مدينة سكاكا بمنطقة الجوف شمال المملكة، حيث تم اكتشاف أدوات حجرية بدائية مصنوعة من حجر الكوارتز، تدل على ارتباط الموقع بمواقع في شرق إفريقيا تعود إلى ما قبل الحضارة الأشولية. ولفت رئيس الهيئة الانتباه إلى أن هذه المكتشفات الأثرية إذا كانت تعكس البُعد الحضاري لبلادنا قبل التاريخ، وقبل الميلاد، فإن هذا التسلسل التاريخي العظيم ظل ممتداً ومتصلاً بالمراحل الزمنية اللاحقة، حيث كان ظهور الإسلام نقطة تحول كبرى في تاريخ شبه الجزيرة العربية، فالدولة الإسلامية التي نشأت في المدينةالمنورة، وامتد نفوذها إلى جميع المناطق التي وصل إليها الإسلام توضح أن الجزيرة العربية لم تكن بمعزل عن التطورات في العالم عبر العصور.