يتقلص الأمل في التغيير، لكنه لم يتلاشَ بين مؤيدي المعارضة الإيرانية. ويتمسك الداعون إلى الإصلاح بمطالباتهم رغم بقاء أبرز زعمائهم رهن الإقامة الجبرية، في وقتٍ يبدو الرئيس البراجماتي، حسن روحاني، عاجزاً حتى الآن عن تكوين «المجتمع الأكثر حرية» الذي وعد به. ويؤكد نشطاء إيرانيون في الخارج أن «الحركة الخضراء» مازالت قوةً في الداخل لم تتبدد. ويشير النشطاء إلى استمرار الصراع وإن كان من خلال صناديق الاقتراع وليس عبر الاحتجاج الحاشد الذي اندلع قبل 7 سنوات وأثار حملة شرسة من جانب الدولة. والأجواء في الداخل أكثر توتراً قبيل الانتخابات المقررة هذا الشهر لانتخاب أعضاء البرلمان ومجلس الخبراء الذي يتمتع بسلطة اسمية على المرشد. وتقرَّر استبعاد عددٍ لا بأس به من المرشحين «الإصلاحيين» مما زاد من تقويض فرص التغيير والتمهيد لحياة اقتصادية أفضل بعدما أنجز روحاني ملف رفع العقوبات الدولية. وكانت احتجاجات التيار «الإصلاحي» بلغت الذروة مع إعادة انتخاب الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، في 2009، ما أغرق البلاد في أكبر أزمة داخلية منذ الثورة، لكن قوات الحرس الثوري وميليشيا الباسيج «التعبئة العامة» سحقت المحتجين. ويُعدُّ عارف (28 عاماً)، الذي طردته الجامعة لدعمه «الحركة الخضراء» آنذاك، نموذجاً لزوال حلم «العمل الجماعي» بين المتعلقين بأمل التغيير. ويذكر عارف، الذي طلب عدم نشر اسمه كاملاً، أنه شارك في الاحتجاجات وتعرض للضرب عدة مرات على يد الحرس الثوري والباسيج. وبالنسبة له؛ كان الأمر مكلفاً جداً و»لم يكن يستحق» رغم اقتصار مطالبه على احترام حقوق الإنسان والحياة الحرة. ورغم كل الآمال التي تعلّقت بانتخاب روحاني رئيساً في 2013؛ لا تزال «الحركة الخضراء» بلا قيادة. ولا يزال رئيس الوزراء الأسبق، مير حسين موسوي، ورجل الدين ورئيس البرلمان السابق، مهدي كروبي، اللذين نافسا نجاد على الرئاسة؛ رهن الإقامة الجبرية في المنزل بعد فرضها عليهما منذ 5 سنوات. ولم يُحاكَم أي منهما، لأن ما نالهما ارتبط بموجة الصراع السياسي. ويلاحظ مسؤولٌ سابقٌ اعتُقِلَ عاماً بعد انتخابات 2009 لدعمه المعارضة أن «الاقتتال السياسي بين المتشددين والإصلاحيين ازداد شدَّة منذ ذلك الحين، مبيِّناً أن «الاحتجاجات في الشارع والاعتقالات والشقاق بين كبار الحكام؛ رجَّت الجمهورية الإسلامية رجَّاً». و»حين انتُخِبَ روحاني ثارت آمال كبيرة في إنهاء إقامة موسوي وكروبي الجبرية في المنزل، لكن هذا لم يحدث»، بحسب المسؤول السابق. وتؤكد المعارضة أن المواطنين ما زالوا يتوقون إلى إصلاحاً مؤسسياً داخل إطار عمل النظام كما كان يطالب موسوي وكروبي. واعتبر المتحدث باسم زعماء المعارضة والمقيم في باريس، أردشير أمير أرجمند، أن «الحركة الخضراء ما زالت حية، وهذا يظهر في مطالب الأمة بحرية التعبير والعدالة واحترام حقوق الإنسان». لكنه رأى أن «الحركة الخضراء لا تعني فقط احتجاجات الشارع»، متداركاً «سيواصل الناس الجهاد لنيل حقوقهم من خلال صناديق الاقتراع، فالحركة لا يمكن إسكاتها». كان المرشد، علي خامنئي، أيَّد روحاني في إنهاء المواجهة الطويلة مع الغرب بشأن البرنامج النووي. وأبرمت طهران اتفاقاً مع 6 دول غربية تضمَّن رفع عقوباتٍ عرقلت اقتصاداً بدأ سريانه الشهر الماضي. لكن رد فعل المرشد تجاه «التحرر السياسي» جاء مختلفاً، إذ حذر هو وحلفاؤه المحافظون من «الأجندة التحريضية» للانتخابات المقررة في ال 26 من فبراير. وتشير لفظة «تحريضية» إلى المتحالفين مع قوى المعارضة بعد انتخابات 2009. وعلَّق مسؤول كبير طلب عدم نشر اسمه قائلاً «المتشددون ما زالوا قلقين من إحياء حركة الإصلاح وإحياء الاحتجاجات، لذلك نشهد استبعاداً جماعياً للمرشحين المعتدلين». وانتقد عددٌ من رجال الدين والسياسيين والنشطاء، بينهم 300 من أساتذة الجامعة، قرارات الاستبعاد التي اتخذها مجلس صيانة الدستور. والمجلس عبارة عن هيئة تضم محافظين يقول محللون إنهم يريدون وأد أي تحرك يمكن أن يهز قبضتهم في السلطة. وتضم هذه الهيئة 6 من رجال الدين و6 من الخبراء القانونيين يدورون بشكلٍ عام في فلك خامنئي ويتمتعون بسلطة مراجعة القوانين وقوائم المرشحين. وخامنئي، الذي أقر سريعاً نتائج انتخابات 2009 الرئاسية، أشاد بإشراف المجلس على الانتخابات، قائلاً إن له أثراً فعالاً. إلى ذلك؛ يعتقد سياسيون وحقوقيون أن روحاني أخفق في إتاحة مزيد من الحريات وركَّز بدلاً من ذلك على تحسين الاقتصاد. يأتي ذلك فيما تحسنت قليلاً الظروف المعيشية لزعيمي المعارضة المحتجزين مقارنةً بما كانت عليه عقب احتجازهما مباشرة. ويعاني الرجلان، وكلاهما في السبعينيات من العمر، من مضاعفاتٍ صحية، وسبق نقلهما إلى المستشفى عدَّة مراتٍ إما للجراحة أو العلاج. وتقرَّر حظر التغطية الإعلامية ل «الحركة الخضراء» حتى عام 2014 عندما ظهرت صور موسوي وهو في المستشفى على بعض المواقع الإلكترونية. وموسوي وزوجته زهراء رهنورد، وهي أيضاً من أشد منتقدي النظام، محتجزان في منزلهما جنوبي طهران. وذكر أمير أرجمند أنه «تصلهما يومياً 4 صحف رسمية تختارها السلطات، لكنهما ممنوعان من استخدام الهاتف أو الإنترنت أو القنوات التلفزيونية الفضائية». وعلى مدى أشهر؛ ظلَّ موسوي ورهنورد، وهي فنانة ونحاتة وأكاديمية بارزة، بمعزلٍ عن العالم الخارجي. وأوضح أمير أرجمند «مسموحٌ لهما الآن بلقاء ابنتيهما مرة في الأسبوع في منزل مجاور في حضرة ضباط من الحرس الثوري، منزلهما يقع في شارع مسدود ويحيطه سياج معدني وما من أحد يمكنه أن يرى شيئاً في الداخل». ويحتفظ الحرس الأمني بمفاتيح كل الأبواب داخل المنزل مما لا يدع للزوجين خصوصية تُذكَر. ويقيم كروبي في الطابق الثاني من منزله، بينما يبقى الحراس في الطابق الأول، أما زوجته فرُفِعَ قرار الإقامة الجبرية عنها في 2014. ولا يزال عشراتٌ من كبار السياسيين والصحفيين والحقوقيين المطالبين بالإصلاح بعد انتخابات 2009 قابعين في السجون. وتقرر حظر الحزبين الرئيسيين المطالبين بالإصلاح بعد هذه الانتخابات المثيرة للجدل التي وصفتها السلطات ب «أصح انتخابات في تاريخ الثورة». وأصيبت الحركة الطلابية التي لعبت دوراً رئيساً في الاحتجاجات بالشلل مع انتقال زعمائها للخارج أو إيداعهم السجن. ويعتقد المحلل السياسي، حميد فرحواشيان، أن «الناس دفعوا ثمناً غالياً لاضطرابات 2009، فالمعارضة ليس لها زعيم يلهم الناس، فيما أخفق روحاني في تنفيذ وعوده بإقامة مجتمع يتمتع بقدر أكبر من الحريات».