القُديح بضم القاف وفتح الدال تصغير «قَدَح»، أرض تحيط بها النخيل من كل جانب تقع على أطراف القطيف الشمالية الغربية تكاد تكون الأقرب لطريق الدمامالجبيل السريع، وقد يكون ذلك أحد أسباب اختيارها من قبل داعش ومن خلفها للقيام بعمليتهم الإجرامية. سبب آخر له دلالته الرمزية -أشار إليه أحد المحللين- وهو لقدح زناد الفتنة. فُجعت كما فجع الوطن بأسره بالحادث الإرهابي الذي وقع في مسجد الإمام علي بالقديح وخلف ضحايا أبرياء. المؤلم أن الحادث وقع يوم الجمعة وفي بيت من بيوت الله وباسم الدين ومنفذه وضحاياه سعوديون. فأي جرم هذا بحق الدين والوطن. أمضيت أعواماً جميلة في المنطقة الشرقية نشأت خلالها علاقات صداقة وزمالة مع عدد من أبناء القطيف، زرت القطيف والقديح في مناسبات عدة وحضرت بعضها في قاعة الملك عبدالله للمناسبات التي أنشئت إثر حريق خيمة الزفاف عام 1999م، وراح ضحيتها 76 من النساء والأطفال. وكأن للقديح التي لا يتجاوز عدد سكانها «30 ألف نسمة» موعداً مع الأحزان الجماعية، فصبراً أهل القديح. الرد جاء سريعاً بشجب هذه الجريمة النكراء واستنكارها من كافة أوساط المجتمع ونُخبِه ومؤسساته وما بيانات سماحة المفتي وهيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للقضاء إلا دليل على ذلك. للمملكة تاريخ طويل في مواجهة الإرهاب ومكافحته وإحباط عملياته ولها مساعيها وجهودها ومبادراتها في هذا المجال. ولإيران الثورة تاريخها في احتضان الإرهاب وتأسيس ودعم الجماعات الإرهابية، كما أن لديها -كما أشرت في مقال سابق براءات اختراع في الإرهاب- فهي أكثر من استهدف المقدسات بمحاولات إثارة القلاقل خلال مواسم الحج وما تفجير نفق المعيصم عنا ببعيد، إضافة إلى تفجير المساجد والمراقد والحسينيات في كل مكان لإثارة الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد ثم تقديم إيران كمدافع عن حقوق الشيعة، ومن أراد الاستزادة في هذا الجانب فليعد لتصريحات السيد محمد علي الحسيني والجنرال جون كيسي وياسر الحبيب. كما أنها -ومن خلال وكلائها في لبنان- أول من دعم العمليات الانتحارية وأسماها استشهادية وأدخلنا في جدل عقيم ولسنوات حول صحة التسمية!! وضمن أوليات إيران تأسيسها للمليشيات لزعزعة استقرار البلدان العربية واحتضانها لقيادات الإرهاب بعد ضرب أفغانستان. أما سيناريوهات تفجير مسجد للشيعة يتبعه بفترة تفجير مسجد للسنة فقد وقعت في الباكستان وفي العراق مراراً وفي لبنان وها هو الجزء الأول من هذا السيناريو المرعب يحل في القديح.. فماذا بعد؟ ما حصل في القديح جريمة إرهابية تهدف إلى الإخلال بالنسيج الوطني السعودي، فإيران وعملاؤها ومن خلفهم من استخبارات العالم لا يسرهم استقرار المملكة العربية السعودية وتوحد شعبها خلف قيادته، كما لا يسرهم قيام المملكة بتقليم أظافر إيران في اليمن والتحرك السعودي في كل اتجاه للجم العبث الإيراني. المملكة التي اكتوت بنار الإرهاب واستهدفت مقدراتها ومنشآتها ومُعاهدوها ورجال أمنها ومسؤولوها ومواطنوها، أحبطت عشرات العمليات الإرهابية الأخرى التي كانت معدة للتنفيذ، وحصلت على احترام العالم بجهودها الحثيثة في مكافحة هذا الداء، وستواصل -بإذن الله- هذا الجهد المبارك. أما إيران ومكينتها الإعلامية فقد انتهزت الفرصة للحديث عن الإرهاب التكفيري الوهابي [هكذا] وتحدثت عن الخطاب التحريضي الإقصائي، وكالعادة -ومع الأسف- ردد بعضهم هذه المقولات ناسين أو متناسين الخطاب التكفيري الإقصائي الإيراني والممارسات الرسمية للسلطات الإيرانية في هذا الجانب. على مر التاريخ مارس أتباع الديانات والمذاهب المختلفة شيئاً من التحريض والإقصاء ضد مخالفيهم، ومحاولة إلصاق هذه التهمة بأتباع المذهب الحنبلي فقط هي لنفي التهمة عن التكفيريين الحقيقيين فالحنابلة على مر تاريخهم كانوا أخف وطأة مع مخالفيهم ومن أراد فليرجع لتعامل المعتزلة معهم أثناء المحنة في العهد العباسي ثم تعامل الحنابلة مع المعتزلة. إن استدعاء التاريخ واستعداء الآخر واجتزاء النصوص من سياقاتها التاريخية وتداخل الحركي السياسي مع الديني جزء من إشكاليتنا الفكرية التي نعيشها اليوم. وما هؤلاء الشباب الذين يستخدمون وقوداً للإرهاب إلا ضحية لأفكار ومعلومات وحشد عاطفي ومؤثرات مختلفة، إضافة إلى فتور الدعاة المعتدلين وبُعد خطابهم عن هموم الشباب مع ضعف البرامج التعليمية والتربوية والإعلامية والمحاضن المعتدلة التي تستطيع بناء العقل المتوازن وتؤسس للفهم الصحيح للنصوص. علينا كسعوديين إدراك أننا مستهدفون وأن الهدف هو ضرب وحدتنا الوطنية. لقد عشنا وتعايشنا كشعب واحد مع كل اختلافاتنا المذهبية قبل أن تبدأ أصابع الإرهاب في محاولاتها اليائسة. ما نحتاجه اليوم هو استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب فما تقوم به وزارة الداخلية جهد استثنائي مقدر على المستوى الأمني، وعلى باقي الجهات القيام بدورها. وأرى أن يتولى مجلس الشؤون السياسية والأمنية إعداد هذه الاستراتيجية وتحديد أدوار الجهات المختلفة، كما أدعو إلى الإسراع في إصدار نظام تجريم العنصرية وخطاب الكراهية. إضافة إلى سرعة تطبيق وتفعيل الاستراتيجية الوطنية للشباب وإعادة النظر في كل البرامج والخطط المتعلقة بالشباب. ولأهلنا في القديح أقول: إن المصاب واحد، والدم واحد، والألم واحد، والعزاء واحد، والعدو واحد. بنا فوق ما (تشكون صبرا) لعلنا ** نرى فرجا يشفي السقام قريبا رحم الله شهداء الوطن وعجل بشفاء المصابين، والعزاء للوطن بأسره ولأسر الشهداء وعظم الله أجرنا جميعاً، وستبقى المملكة العربية السعودية -بعون الله- موحدة خلف قيادتها، مستقرة بوعي شعبها، آمنة بيقظة رجال أمنها، تحرسها رعاية الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.