أمير حائل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    استعراض تقرير الميزة التنافسية أمام أمير الشمالية    توصيات شورية لإنشاء المرادم الهندسية لحماية البيئة    خسائر بقيمة 1.6 مليار يورو في إسبانيا بسبب انقطاع الكهرباء    165 عقدا صناعيا واستثماريا بصناعيتي الأحساء    250% تفاوتا في أسعار الإيجارات بجازان    أمانة القصيم تحقق التميز في كفاءة الطاقة لثلاثة أعوام متتالية    أول تعليق من رونالدو بعد ضياع الحلم الآسيوي    برشلونة وإنتر ميلان يتعادلان 3/3 في مباراة مثيرة    سعود بن بندر يطلع على المبادرات الإصلاحية والتأهيلية لنزلاء السجون    أضواء بنت فهد: «جمعية خيرات» رائدة في العمل الخيري    جمعية الزهايمر تستقبل خبيرة أممية لبحث جودة الحياة لكبار السن    فيصل بن مشعل: اللغة العربية مصدر للفخر والاعتزاز    المتحدث الأمني للداخلية: الإعلام الرقمي يعزز الوعي المجتمعي    العلا تستقبل 286 ألف سائح خلال عام    جامعة الملك سعود تسجل براءة اختراع طبية عالمية    مؤتمر عالمي لأمراض الدم ينطلق في القطيف    اعتماد برنامج طب الأمراض المعدية للكبار بتجمع القصيم الصحي    قطاع ومستشفى محايل يُفعّل مبادرة "إمش 30"    الأمير سعود بن نهار يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    محافظ سراة عبيدة يرعى حفل تكريم الطلاب والطالبات المتفوقين    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    خسارة يانصر    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أوكرانيا وأمريكا تقتربان من اتفاقية إستراتيجية للمعادن    حينما يكون حاضرنا هو المستقبل في ضوء إنجازات رؤية 2030    جاهزية خطة إرشاد حافلات حجاج الخارج    الرئيس اللبناني يؤكد سيطرة الجيش على معظم جنوب لبنان و«تنظيفه»    المملكة: نرحب بتوقيع إعلان المبادئ بين حكومتي الكونغو ورواندا    المتحدث الأمني بوزارة الداخلية يؤكد دور الإعلام الرقمي في تعزيز الوعي والتوعية الأمنية    وزير الخارجية يستقبل نظيره الأردني ويستعرضان العلاقات وسبل تنميتها    ميرينو: سنفوز على باريس سان جيرمان في ملعبه    بمشاركة أكثر من 46 متسابقاً ومتسابقة .. ختام بطولة المملكة للتجديف الساحلي الشاطئي السريع    وزير الخارجية يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير خارجية الأردن    رسمياً نادي نيوم بطلًا لدوري يلو    "مبادرة طريق مكة" تنطلق رحلتها الأولى من كراتشي    أمانة الشرقية تطلق أنشطة وبرامج لدعم مبادرة "السعودية الخضراء"    تدشين الهوية الجديدة لعيادة الأطفال لذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد بجامعة الإمام عبد الرحمن    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    العمليات العقلية    هند الخطابي ورؤى الريمي.. إنجاز علمي لافت    ترامب وهارفارد والحرية الأكاديمية    "الشورى" يطالب "التلفزيون" بتطوير المحتوى    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. إنتر المتراجع ضيفًا على برشلونة المتوهج    خلال لقائه مع أعضاء مجلس اللوردات.. الربيعة: السعودية قدمت 134 مليار دولار مساعدات ل 172 دولة حول العالم    هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع    هيكل ودليل تنظيمي محدّث لوزارة الاستثمار.. مجلس الوزراء: الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    حوار في ممرات الجامعة    "هيئة العناية بالحرمين": (243) بابًا للمسجد الحرام منها (5) أبواب رئيسة    مسؤولو الجامعة الإسلامية بالمالديف: المملكة قدمت نموذجاً راسخاً في دعم التعليم والدعوة    محمد بن ناصر يزف 8705 خريجين في جامعة جازان    إيلون ماسك يقلق الأطباء بتفوق الروبوتات    أسباب الشعور بالرمل في العين    نائب أمير منطقة مكة يستقبل محافظ الطائف ويطلع على عددًا من التقارير    تنوع جغرافي وفرص بيئية واعدة    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرق كبير بين «الاختلاط» و«الخلوة».. «إلاّ عندنا»!
من يحرّم لا يزال متمسكاً ب «درء المفاسد» ومن يحلل ب «الفطرة السوية»
نشر في الرياض يوم 14 - 10 - 2014


مفاهيم سائدة
اعتبرت "دلال عزيز ضياء" - إعلامية - أنّ المشكلة الحقيقة تكمن في نظرة المجتمع لمفهوم الخلوة، فالمرأة التي تعمل في جهة يعمل بها نساء ورجال لا يمكن إدراج عملها ضمن مفهوم الخلوة، والتي لها شروطها الشرعية وأوضحها الدين الإسلامي، وأوجب أن تتجنبها المرأة، كأن تكون في مكان يثير اللغط حولها، أو أن يكون مثاراً للظن والاتهام من قبل البعض، ولكن في العموم أنّ العمل في البيئات المختلطة -كالمستشفيات - لا تنطبق عليه شروط الخلوة الشرعية، مضيفةً: "على المجتمع مسؤولية تصحيح الفكر بين مفهوم الخلوة والاختلاط، ونحن كمجتمع مسلم له عاداته وتقاليده ومفاهيمه نرفض أن تنطبق الخلوة الشرعية بشروطها ولا يمكن أن نعمم هذه الصورة على ما يحدث في بيئة العمل المختلطة"، مؤكّدةً أنّ المرأة تعمل وفق المفاهيم السائدة في المجتمع.
نظام حماية
ورأت "د. أميرة كشغري" - كاتبة - أنّ أهم نقطة في الموضوع أن يتم التفريق بين الاختلاط والخلوة، حيث كان الناس يجزمون على أنّ الاختلاط محرم، معتبرةً - حسب رأيها - أنّه غير صحيح؛ لذلك أصبحت مشاهدة المرأة والرجل في مكان عام ينظر له بريبة، وتثور غيرة الناس، ويفرضون الكثير من التصرفات الهجومية عليهم، سواء بالكلام أو بالتصرفات، وكلما أعطيت المرأة فرصا أكبر للعمل في الأماكن العامة أعطى هذا انطباعاً أكبر لدى المجتمع أن وجوده أمر طبيعي، وتقل الريبة والشك، ويحسن التعامل معها بثقة في المؤسسات الحكومية أو الأسواق، لافتةً إلى أنّه يفترض أن تكون هناك مجالات عمل تسمح للمرأة أن تمارس نشاطها فيها، وهذا سيسهل تغير النظرة لهذه العلاقة، شريطة أن توفر الحماية للمرأة بعدم التعدي عليها والاستمرار في هذا التوجه، حتى في ظل وجود محاولات الرفض من البعض أو عقبات؛ لأننا بحاجة لفترة من الوقت لتتغير نظرة الناس للمرأة.
وأضافت أنّ الأنظمة والقوانين عليها مسؤولية كبيرة في تغيير نظرة المجتمع تجاه مفهوم الخلوة والاختلاط، فكلما كان هناك قانون يحمي الناس من بعضها ويحمي تواجدها في الأماكن العامة كلما كان هناك تعزيز لتغير الثقافة، مؤكّدةً أنّ دور المرأة هو الأهم، بأن تتصرف بكل مهنية في مواضع الاختلاط وتثبت أنّها تتعامل بمهنية، حتى لا تعزز الصورة المبهمة السلبية عنها، لافتةً إلى أنّ المرأة ما زالت في بداية المشوار، ولم تتخلص من النظرات السلبية التي تضعها في دائرة الاتهام.
احتراف مهني
ولفتت "حنان الزهراني" - مدير شؤون الموظفين بعيادة المجمع الطبي بجدة - إلى أنّ نظرة المجتمع تغيرت حول مفهوم الاختلاط بالنسبة لبيئة العمل، حيث أصبحت كلمة لها مفهوم آخر في نظر معظم الناس من المعتدلين في التفكير، منوهةً بأنّ بيئة العمل الصحية تحتاج لسن قوانين، سواءً من مكتب العمل أو من جهات العمل، وإلاّ ستقع المشاكل والاحتكاكات السلبية بين زملاء المهنة، حتى وإن كانت الفتاة ملتزمة بأصول العمل باحتراف وقواعد الأدب العامة، فإذا لم يكن هناك قوانين مطبقة لتنظيم العمل المختلط ولو بشكل صوري فستحدث التبعات التي لا يكاد يخلو منها مكان أي بيئة عمل، مضيفةً: "لا بد من تطبيق مبدأ الالتزام بالاحتراف المهني، وأنّي هنا لست امرأة، بل موظفة أؤدي مهام عملي كأي موظف آخر بغض النظر عن جنسه".
كلاهما محرم!
وبيّن "د. خالد بن عبدالله الشمراني" - الأستاذ المشارك في كلية الدراسات القضائية بجامعة أم القرى - أنّ هناك فرقا بين الخلوة والاختلاط، ولكن كلاهما منكر، وقد ورد في الخلوة نص قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا يخلو رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم"، وقوله: "لا يخلو رجل بامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما"، بمعنى أنّ المرأة تكون مع الرجل في مكان مغلق لا يطلع عليهم أحداً، وهذه خلوة محرمة ومعصية، لافتاً إلى أنّ الاختلاط يعني أن تعمل المرأة بجانب الرجل بشكل دائم؛ مما يسقط الحواجز بينهما، فيسهل ولوج الشيطان إلى تحقيق مآربه من الفساد، وهو معصية؛ لأنّه يوقع فيما حرم الله - عز وجل -.
وقال إنّ الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر أو يحدثون لغطاً وتشويشاً يقولون إنّ النصوص إنما وردت في الخلوة، ولم يرد في الاختلاط شيء، موضحاً أنّ هذا ليس بصحيح، حيث أنّ اختلاط المرأة بالرجل في العمل بشكل دائم يسقط الحواجز بينهما، كما أنّ التكليف والاحتشام قد يسقط من المرأة، وبات من الطبيعي أن نشاهد الرجال والنساء الذين يعملون في أماكن العمل المختلطة يتمازحون بشكل لا يقره دين، وهذا يعتبر مقدمة من مقدمات الوقوع في الحرام.
وأضاف أنّ كون وجود بيئة عمل مختلطة أمرا متطلبا، فذلك يعني أنّه بمثابة انحراف الواقع، متسائلاً: لماذا لا نحاول أن نوجد بيئة عمل آمنة للمرأة بشكل لا يجرح حياءها ولا يوقعها في المحظور الشرعي؟، فهذا الأمر لا ينبغي الاستسلام له، ولدينا نماذج مشرفة في قطاع التعليم النسائي والذي يندر وجود جرائم تحرش فيه أو اغتصاب، مبيّناً أنّه اطلع على تقارير أجنبية عن الاختلاط ذكرت إحصاءات مخيفة عن ما يحدثه من جرائم الزنا والتحرش بنسب مفزعة، لافتاً إلى أنّ ميل الرجل للمرأة من الأمور الطبيعية، والإسلام هذب هذه العلاقة، وجعلها في إطار العلاقة الزوجية أو في إطار الحاجة والضرورة، بمعنى أن تكون المرأة بحجابها الكامل والرجل يتعامل معها عن بعد.
تحرير مفاهيم
وردّ "د. أحمد الغامدي" -الباحث والمستشار لمركز علوم القرآن والسنة- على ما ذكره "د. خالد الشمراني"، قائلاً: إنّ المعاني الشرعية لم تتغيّر منذ عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وكان النساء يعملن ويخرجن مع الرجال، ويلتقون في المسجد الحرام، ويطوفون، وفي أفراحهم تخرج النساء لخدمة من جاؤوا للفرح، وهذا أمر طبيعي، مستدركاً: "لكن ومع مرور الوقت تغيّرت توجهات الناس وأصبحوا يرون ما كان مباحاً من المحرمات؛ بداعي سد الذرائع أو سد الفتنة، خصوصاً وأنّ العادات الاجتماعية خدمت هذا الجانب، وبدأ الناس يرسخ في أذهانها أنّ هذا هو الأصل في الدين"، لافتاً إلى أنّ الحقيقة تشير إلى أنّ هذا هو المفهوم الخطأ والمخالف لنصوص الشرع وللحاجات الإنسانية والاجتماعية، والتي تفرض أن تكون هناك علاقة مكشوفة عامة للملأ بين الرجال والنساء، لا تخدش الحياء ولا تخالف الشرع، سواء في العمل أو الدراسة أو التسوق.
وقال إنّه لا يمنع أن يتولد عن هذه العلاقة أمور اجتماعية وروابط، كأن يخطب فلان امرأة أعجبته رآها في الطريق وكانت مناسبة لمواصفاته، والمرأة كذلك تختار من تراه مناسباً من واقع عملها، معتبراً أنّ هذا من الغرائز التي شرع الله تعالى قضاءه بالطرق الصحيحة كالزواج، وهذا يفتح أبواباً بين الجنسين من أجل أن يتحصنوا، ويقلص أشياء كثيرة يعاني منها المجتمع نتيجة الانغلاق، كالعنوسة، والشذوذ، ونسب الطلاق المرتفعة، وما يترتب عليه كذلك لقلة الخيارات أمام الرجل والمرأة في حال الرغبة بالارتباط بطرق تقليدية، والتي تجعل دوام العشرة ضعيفا، ولذلك كلما أتيحت الفرصة لكليهما لتحديد الخيارات الصائبة وفق العلاقات المكشوفة بين الناس، ولم تتطور إلى فساد ومسالك بعيداً عن تقوى الله والتي لا تعتبر محرمة؛ أصبح ذلك من دوام العشرة وإقامة الأسرة، فهذه البيئات العامة لا تخالف الدين، ولا تعتبر أمراً منكراً، طالما أنّه يستحيل أن يكون انفرداً بين الاثنين.
وأضاف أنّ من يفتي عليه أن يحرر مفاهيم الناس من هذا الخلط، فهناك من يرى جواز الاختلاط، لافتاً إلى أنّ التوعية ترفع مستوى الوعي بين الناس، وتحرر الأفكار من الفهم الخاطئ، ولا مانع من أن يوضح كلٌ رأيه في الاختلاط، ولا بد أن تتوسع التوعية لجميع الشرائح، وعدم الاكتفاء بالخطاب الديني في المساجد أو وسائل الإعلام، بل يجب أن يتم التركيز على برامج الدراما و"الكوميديا"، التي قد توصل رسائل توعوية للمجتمعات، وتزيل الشبهات والأفكار الخاطئة التي تتسبب في تعقيد بعض المفاهيم الدينية.
وأشار إلى أنّ المسألة فيها نوع من الاختلاف - بخلاف ما كان سابقاً -، فقد كان راسخاً عند الكثير من الناس أنّ الاختلاط حرام، مع أنّه كان في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام -، موضحاً أنّه لو تأملنا في حقيقة الاختلاط لا نجد أسباباً تدعو لتحريمه، فالمرأة تشتري وتبيع في محيط الرجال، متسائلاً: ما الفرق وما المانع بين الصورتين؟، فطالما أنّ هناك رقابة من الجهات المسؤولة لا تعتبر هذه البيئة محرمة، ففي عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - كان النساء يدخلن المساجد، ويسألن الرسول، وكان - عليه الصلاة والسلام - يحضر زواج أصحابه من الصحابيات، وكان النساء يضربن بالدفوف، لافتاً إلى أنّ ذلك إن دل فإنما يدل على أنّ الحياة الاجتماعيه كان يتشارك فيها الرجال والنساء، فالمرأة تخرج للسوق، وللعلم، وللعبادة، ولكل الصور الاجتماعية، ولا يعد ذلك خللاً بالشريعة، بل الخلل في تصرف المكلف الذي يباشر أمراً محرماً مع المرأة، والعكس، مؤكّداً على أن الله - جل جلاله - لم ينه عن محادثة الرجل للمرأة - مطلقاً - في الأسباب المشروعة، كالزواج، وإنما نهى عنه في الأفعال المحرمة التي تتم بعيداً عن الأنظار.
مفاهيم سائدة
اعتبرت "دلال عزيز ضياء" - إعلامية - أنّ المشكلة الحقيقة تكمن في نظرة المجتمع لمفهوم الخلوة، فالمرأة التي تعمل في جهة يعمل بها نساء ورجال لا يمكن إدراج عملها ضمن مفهوم الخلوة، والتي لها شروطها الشرعية وأوضحها الدين الإسلامي، وأوجب أن تتجنبها المرأة، كأن تكون في مكان يثير اللغط حولها، أو أن يكون مثاراً للظن والاتهام من قبل البعض، ولكن في العموم أنّ العمل في البيئات المختلطة -كالمستشفيات - لا تنطبق عليه شروط الخلوة الشرعية، مضيفةً: "على المجتمع مسؤولية تصحيح الفكر بين مفهوم الخلوة والاختلاط، ونحن كمجتمع مسلم له عاداته وتقاليده ومفاهيمه نرفض أن تنطبق الخلوة الشرعية بشروطها ولا يمكن أن نعمم هذه الصورة على ما يحدث في بيئة العمل المختلطة"، مؤكّدةً أنّ المرأة تعمل وفق المفاهيم السائدة في المجتمع.
نظام حماية
ورأت "د. أميرة كشغري" - كاتبة - أنّ أهم نقطة في الموضوع أن يتم التفريق بين الاختلاط والخلوة، حيث كان الناس يجزمون على أنّ الاختلاط محرم، معتبرةً - حسب رأيها - أنّه غير صحيح؛ لذلك أصبحت مشاهدة المرأة والرجل في مكان عام ينظر له بريبة، وتثور غيرة الناس، ويفرضون الكثير من التصرفات الهجومية عليهم، سواء بالكلام أو بالتصرفات، وكلما أعطيت المرأة فرصا أكبر للعمل في الأماكن العامة أعطى هذا انطباعاً أكبر لدى المجتمع أن وجوده أمر طبيعي، وتقل الريبة والشك، ويحسن التعامل معها بثقة في المؤسسات الحكومية أو الأسواق، لافتةً إلى أنّه يفترض أن تكون هناك مجالات عمل تسمح للمرأة أن تمارس نشاطها فيها، وهذا سيسهل تغير النظرة لهذه العلاقة، شريطة أن توفر الحماية للمرأة بعدم التعدي عليها والاستمرار في هذا التوجه، حتى في ظل وجود محاولات الرفض من البعض أو عقبات؛ لأننا بحاجة لفترة من الوقت لتتغير نظرة الناس للمرأة.
وأضافت أنّ الأنظمة والقوانين عليها مسؤولية كبيرة في تغيير نظرة المجتمع تجاه مفهوم الخلوة والاختلاط، فكلما كان هناك قانون يحمي الناس من بعضها ويحمي تواجدها في الأماكن العامة كلما كان هناك تعزيز لتغير الثقافة، مؤكّدةً أنّ دور المرأة هو الأهم، بأن تتصرف بكل مهنية في مواضع الاختلاط وتثبت أنّها تتعامل بمهنية، حتى لا تعزز الصورة المبهمة السلبية عنها، لافتةً إلى أنّ المرأة ما زالت في بداية المشوار، ولم تتخلص من النظرات السلبية التي تضعها في دائرة الاتهام.
متشددون في وزارة العمل إنكاراً على توظيف المرأة بحجة الاختلاط (أرشيف الرياض)
احتراف مهني
ولفتت "حنان الزهراني" - مدير شؤون الموظفين بعيادة المجمع الطبي بجدة - إلى أنّ نظرة المجتمع تغيرت حول مفهوم الاختلاط بالنسبة لبيئة العمل، حيث أصبحت كلمة لها مفهوم آخر في نظر معظم الناس من المعتدلين في التفكير، منوهةً بأنّ بيئة العمل الصحية تحتاج لسن قوانين، سواءً من مكتب العمل أو من جهات العمل، وإلاّ ستقع المشاكل والاحتكاكات السلبية بين زملاء المهنة، حتى وإن كانت الفتاة ملتزمة بأصول العمل باحتراف وقواعد الأدب العامة، فإذا لم يكن هناك قوانين مطبقة لتنظيم العمل المختلط ولو بشكل صوري فستحدث التبعات التي لا يكاد يخلو منها مكان أي بيئة عمل، مضيفةً: "لا بد من تطبيق مبدأ الالتزام بالاحتراف المهني، وأنّي هنا لست امرأة، بل موظفة أؤدي مهام عملي كأي موظف آخر بغض النظر عن جنسه".
كلاهما محرم!
وبيّن "د. خالد بن عبدالله الشمراني" - الأستاذ المشارك في كلية الدراسات القضائية بجامعة أم القرى - أنّ هناك فرقا بين الخلوة والاختلاط، ولكن كلاهما منكر، وقد ورد في الخلوة نص قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا يخلو رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم"، وقوله: "لا يخلو رجل بامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما"، بمعنى أنّ المرأة تكون مع الرجل في مكان مغلق لا يطلع عليهم أحداً، وهذه خلوة محرمة ومعصية، لافتاً إلى أنّ الاختلاط يعني أن تعمل المرأة بجانب الرجل بشكل دائم؛ مما يسقط الحواجز بينهما، فيسهل ولوج الشيطان إلى تحقيق مآربه من الفساد، وهو معصية؛ لأنّه يوقع فيما حرم الله - عز وجل -.
وقال إنّ الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر أو يحدثون لغطاً وتشويشاً يقولون إنّ النصوص إنما وردت في الخلوة، ولم يرد في الاختلاط شيء، موضحاً أنّ هذا ليس بصحيح، حيث أنّ اختلاط المرأة بالرجل في العمل بشكل دائم يسقط الحواجز بينهما، كما أنّ التكليف والاحتشام قد يسقط من المرأة، وبات من الطبيعي أن نشاهد الرجال والنساء الذين يعملون في أماكن العمل المختلطة يتمازحون بشكل لا يقره دين، وهذا يعتبر مقدمة من مقدمات الوقوع في الحرام.
وأضاف أنّ كون وجود بيئة عمل مختلطة أمرا متطلبا، فذلك يعني أنّه بمثابة انحراف الواقع، متسائلاً: لماذا لا نحاول أن نوجد بيئة عمل آمنة للمرأة بشكل لا يجرح حياءها ولا يوقعها في المحظور الشرعي؟، فهذا الأمر لا ينبغي الاستسلام له، ولدينا نماذج مشرفة في قطاع التعليم النسائي والذي يندر وجود جرائم تحرش فيه أو اغتصاب، مبيّناً أنّه اطلع على تقارير أجنبية عن الاختلاط ذكرت إحصاءات مخيفة عن ما يحدثه من جرائم الزنا والتحرش بنسب مفزعة، لافتاً إلى أنّ ميل الرجل للمرأة من الأمور الطبيعية، والإسلام هذب هذه العلاقة، وجعلها في إطار العلاقة الزوجية أو في إطار الحاجة والضرورة، بمعنى أن تكون المرأة بحجابها الكامل والرجل يتعامل معها عن بعد.
تحرير مفاهيم
وردّ "د. أحمد الغامدي" -الباحث والمستشار لمركز علوم القرآن والسنة- على ما ذكره "د. خالد الشمراني"، قائلاً: إنّ المعاني الشرعية لم تتغيّر منذ عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وكان النساء يعملن ويخرجن مع الرجال، ويلتقون في المسجد الحرام، ويطوفون، وفي أفراحهم تخرج النساء لخدمة من جاؤوا للفرح، وهذا أمر طبيعي، مستدركاً: "لكن ومع مرور الوقت تغيّرت توجهات الناس وأصبحوا يرون ما كان مباحاً من المحرمات؛ بداعي سد الذرائع أو سد الفتنة، خصوصاً وأنّ العادات الاجتماعية خدمت هذا الجانب، وبدأ الناس يرسخ في أذهانها أنّ هذا هو الأصل في الدين"، لافتاً إلى أنّ الحقيقة تشير إلى أنّ هذا هو المفهوم الخطأ والمخالف لنصوص الشرع وللحاجات الإنسانية والاجتماعية، والتي تفرض أن تكون هناك علاقة مكشوفة عامة للملأ بين الرجال والنساء، لا تخدش الحياء ولا تخالف الشرع، سواء في العمل أو الدراسة أو التسوق.
وقال إنّه لا يمنع أن يتولد عن هذه العلاقة أمور اجتماعية وروابط، كأن يخطب فلان امرأة أعجبته رآها في الطريق وكانت مناسبة لمواصفاته، والمرأة كذلك تختار من تراه مناسباً من واقع عملها، معتبراً أنّ هذا من الغرائز التي شرع الله تعالى قضاءه بالطرق الصحيحة كالزواج، وهذا يفتح أبواباً بين الجنسين من أجل أن يتحصنوا، ويقلص أشياء كثيرة يعاني منها المجتمع نتيجة الانغلاق، كالعنوسة، والشذوذ، ونسب الطلاق المرتفعة، وما يترتب عليه كذلك لقلة الخيارات أمام الرجل والمرأة في حال الرغبة بالارتباط بطرق تقليدية، والتي تجعل دوام العشرة ضعيفا، ولذلك كلما أتيحت الفرصة لكليهما لتحديد الخيارات الصائبة وفق العلاقات المكشوفة بين الناس، ولم تتطور إلى فساد ومسالك بعيداً عن تقوى الله والتي لا تعتبر محرمة؛ أصبح ذلك من دوام العشرة وإقامة الأسرة، فهذه البيئات العامة لا تخالف الدين، ولا تعتبر أمراً منكراً، طالما أنّه يستحيل أن يكون انفرداً بين الاثنين.
وأضاف أنّ من يفتي عليه أن يحرر مفاهيم الناس من هذا الخلط، فهناك من يرى جواز الاختلاط، لافتاً إلى أنّ التوعية ترفع مستوى الوعي بين الناس، وتحرر الأفكار من الفهم الخاطئ، ولا مانع من أن يوضح كلٌ رأيه في الاختلاط، ولا بد أن تتوسع التوعية لجميع الشرائح، وعدم الاكتفاء بالخطاب الديني في المساجد أو وسائل الإعلام، بل يجب أن يتم التركيز على برامج الدراما و"الكوميديا"، التي قد توصل رسائل توعوية للمجتمعات، وتزيل الشبهات والأفكار الخاطئة التي تتسبب في تعقيد بعض المفاهيم الدينية.
وأشار إلى أنّ المسألة فيها نوع من الاختلاف - بخلاف ما كان سابقاً -، فقد كان راسخاً عند الكثير من الناس أنّ الاختلاط حرام، مع أنّه كان في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام -، موضحاً أنّه لو تأملنا في حقيقة الاختلاط لا نجد أسباباً تدعو لتحريمه، فالمرأة تشتري وتبيع في محيط الرجال، متسائلاً: ما الفرق وما المانع بين الصورتين؟، فطالما أنّ هناك رقابة من الجهات المسؤولة لا تعتبر هذه البيئة محرمة، ففي عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - كان النساء يدخلن المساجد، ويسألن الرسول، وكان - عليه الصلاة والسلام - يحضر زواج أصحابه من الصحابيات، وكان النساء يضربن بالدفوف، لافتاً إلى أنّ ذلك إن دل فإنما يدل على أنّ الحياة الاجتماعيه كان يتشارك فيها الرجال والنساء، فالمرأة تخرج للسوق، وللعلم، وللعبادة، ولكل الصور الاجتماعية، ولا يعد ذلك خللاً بالشريعة، بل الخلل في تصرف المكلف الذي يباشر أمراً محرماً مع المرأة، والعكس، مؤكّداً على أن الله - جل جلاله - لم ينه عن محادثة الرجل للمرأة - مطلقاً - في الأسباب المشروعة، كالزواج، وإنما نهى عنه في الأفعال المحرمة التي تتم بعيداً عن الأنظار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.