تخبط حقوقي يتابع قضية وحشية عن كثب ومتعلقاتها السابقة واللاحقة.. مغيبة عن التفكير فضلا عن النجدة والتغيير. إنها حقوق الإنسان..!؟ وأنظمة مستمرة في غض النظر عن الجاني الحقيقي..!! "أحرق قلبكم عليّ.. مثل ما سكتوا عن حقي" بجملة قاطعة وصارمة وصفت المرحومة بإذن الله حنان الشهري جريمة القتل بكل تفاصيل عنفها الصريح والمرموز.. لم تختر إن كان ثمة اختيار أمامها - قتْلَ نفسها عن سابق رغبة في الموت، إنما جفلت روحها بما عانته من عنف وحشي وعضل إجرامي مزّقها حزناً على كرامتها المسلوبة، بالعنف تارة، وبالسكوت الظالم تارة أخرى. إنه معنى أن تختزل اللحظة صرامة كرامة الجسد المهان، فتصرخ بالدموع لتتوقف وتنهي حالة الضعف والخنوع، طبعاً الجلاد والمؤمِّن على خرافة ولاية الجلادين لن يحس بلحظة الحزن المدمر لحياة ما عادت سوى غليان قهر وانتظار أسى، وقعت حنان رحمها الله بهذا الخندق المستبد قهراً وظلماً، وتوقفت قدرة تحملها عن المزيد فنثرت روحها أمام واقع طال استبداده وتفرعنت ساديته.. وجع روحها صرخ ببوح سكوتنا عن الحق فأدمى مهجنا بمأساتها، لنعلن لروحها أنها أحرقت قلوبنا، فحقها حق علينا سنكتبه ونعترف بأننا نستحق العقاب. كشفت عائشة شقيقة حنان الشهري، أن اللحظات الأخيرة التي سبقت وفاتها كانت تردد عبر الواتساب "سامحوني لو توفاني الله.. ولا تتنازلوا عن حقي" لا أعتقد أن حنان كتبت عبارة تؤمن أنها لن ترى نتائجها؛ - السماح عنها وطلب حقها المسلوب - وهي في حالة ضعف، بل كانت لحظة استشهاد لكرامتها التي أوسعها أخوها وخالها قهراً وذلاً، لحظة قناعة أن كل شيء يستطيع الانتظار إلا انتظار مر أمام سجن مؤبد للحق والعدل، لحظة لا يفقهها مستبد وظالم، لحظة يتحول الوجود كله عدماً، ما عدا هدير صوت الكرامة المقهور، والعزة المستغيثة المذلولة. تضيف أخت حنان: أن خالها أوسع حنان ضرباً وكلاماً جارحاً في يوم انتحارها نفسه، وحاولت طلب المساعدة من أقاربها لتخليصها، واستنجدت بشرطة الدمام إلا أنهم طلبوا منها توثيق عملية الاعتداء عليها بتقرير طبي، - "العنف ينتظر المزيد، فالإجراء أهم من إنقاذ نفس بريئة" - ، فلم تستطع نظراً لوعورة مكان سكنها ولعدم وجود سائق ينقلها إلى المستشفى، وذكرت أن الإسعاف لم يصل إلا بعد أربع ساعات.. للزمن مقاييس علاقاتية بالحقوق، ولكلٍ زمنٌ يناسب إنسانه! وأوضحت "أن الخال موقوف في السجن العام، والأخ ما زال حراً طليقاً، وأن الحماية تحاول إقناع العائلة بالصلح، لكن شقيقاتها غير المتزوجات فضلن البقاء في دار الضيافة على الرجوع لأخيهن". من جهته، "أوضح المشرف على فرع هيئة حقوق الإنسان في منطقة عسير، د. هادي اليامي، أن الهيئة باعتبارها جهة رقابية تقوم بمتابعة الجهات المختصة لتقديم الخدمات اللازمة، سواء رعاية صحية، أو تحقيق، أو حماية.. مشيراً إلى إمكانية عقد جلسة صلح تشرف عليها لجنة إصلاح ذات البين التابعة لهيئة حقوق الإنسان إذا توفرت البيئة المناسبة للإصلاح بما يضمن لهم حياة كريمة، وعدم تعرض أي طرف من أطراف الأسرة لعنف مستقبلي". وكأنهم يعاقبون طفلاً أخطأ فشخبط على جدار منزل جديد "لا تسويها مرة ثانية يا شاطر"!! الحقيقة؛ لا وصف يليق بهذه التفاهات الإجرائية، فأي إصلاح وأي بينٍ والعنف والإهانة والجلد والعضل سيد الموقف أيها الحقوقي الجهبذ؟!! ونفس أهدرت ظلماً، قدّم المجرم أولاً للمحاكمة واهتم بحماية الفتيات الخائفات الهاربات من الوحش!!.. تخبط حقوقي يتابع قضية وحشية عن كثب ومتعلقاتها السابقة واللاحقة. مغيبة عن التفكير فضلا عن النجدة والتغيير. إنها حقوق الإنسان!؟ وأنظمة مستمرة في غض النظر عن الجاني الحقيقي!! في علم الجريمة؛ قراءة المشهد الإجرامي كاملاً من الفعل وردة الفعل لا يمكن فصلهما عن سوسيولوجيا البناء الذهني الجمعي للمجتمعات الذي يستمد وعيه من الموروث التراكمي لقيمة الإنسان، ويستمد قوته من الواقع الاجتماعي ومدى تأهله لاحتمال توالي الاستيلاد والفرز للجرائم، فالجريمة لاتتوفر بمعزل عن مكوناتها الأصلية؛ "الثقافة" والمؤهلة؛ "التنظيمات"، وتهتم المجتمعات الحرة الحديثة بصياغة قانونية تحد من الجريمة بسن القوانين المجرّمة للعنف والمحتاطة للأمن، مايجعل الجريمة أمرا محتوم المواجهة تتكاتف لمواجهته المؤسسات والثقافة بمزيد من تنمية الغطاء الإنساني الذي يمسح منطقة الجريمة من القاع، وفقا لجدية الاعتبار الإنساني وقيمة الإنسان؛ روحه، حريته وأمنه فيحفظ حقوقه الطبيعية والقانونية. لذلك نظم رعاية الإنسان تسن القوانين المجرمة للعنف لتربي النفوس المتوحشة بالتربية القانونية وبمنهج وقائي متين البنية والاعتبار. صراحة العنف المتزايد تخفي رمزيته مايقارب عنفه أو يزيد، وبين رمزية القتل وصراحته.. نحن مهمومون بالمصير الأخروي, لا ينشغل أهل الأرض لدينا - للأسف - إلا بحكم السماء، رغم أن الله تعالى لم يأمرنا إلا بنشر الرحمة بالإنسان والتركيز على إقامة العدل في الأرض، وشأن الآخرة يتفرد به لوحده سبحانه، ولكننا بحسب قيمة الشيوخ أبخص "الشيوخ تعني" الفقهاء والأولياء والمؤسسات التعليمية والحكومية وهلم جرا نصرُّ على حرصنا الأخروي، فيأتي التساؤل أهبلَ أجوفَ؛ هل تعتبر حنان منتحرة؟ ومصيرها: أهو الجنة أم النار؟! أما العنف قلع العيون سكب الزيت الحار والجلد وتكسير العظام فكلها رغم أنها مقدمات للقتل لاتخلّف سوى "أجرها على الله والعاقبة لها"، ولجنة إصلاح وينتهي الموضوع على عنف مستور يخلف مزيدا من جنايات القهر والاعتداء. فامرأة سعودية تخسر عينها على يد زوجها بعد لحظات من موعد إفطار الصائمين في شهر رمضان لعدم إعدادها لشوربة "الحريرة"، والسبب: سي السيد "منرفز" لعدم شربه الدخان؟!! فكما تقول الضحية: "اعتدت أن يكتب لي زوجي كل طلباته الخاصة من الطعام الذي يحب تناوله على الإفطار، وأحرص على تنفيذ كل طلباته يوميا"، لكنها أخطأت قراءة طلباته وأعدت له شوربة عدس بدل الحريرة مع أنه وضع تحتها أربعة خطوط لأهميتها، معللة ذلك "بضيق الوقت قبل الإفطار الذي تكون فيه المرأة مشغولة بأشياء كثيرة داخل المطبخ".. ضحية وتعلل لماذا لم تعمل للمجرم الحريرة! لاغرابة فهي إحدى ضحايا إفراز عبادة الزوج. وما إن وضعت الشوربة حارة حتى تفاجأت به يسكبها على وجهها في حالة من الهيجان والغضب وبألفاظ سيئة، وينهض ليغرس إصبعه السبابة بعنف في عينها اليسرى، وهو يصرخ ويطلب منها قراءة نوع الشوربة التي طلبها، ويحاول إدخال إصبعه في عينها الأخرى. تشير الضحية ألى أن الأطباء أكدوا عدم تمكن عينها من الرؤية بسبب إتلاف الشبكية والقرنية والغشاء المحيط بهما، كما وتؤكد أن أهلها رفضوا كل المغريات التي تقدم بها الزوج وأهله وطالبوا بتنفيذ الحكم الشرعي عليه. أظن أن الفقهاء سيجدون للمجرم مخرجاً، فإذا كان الوالد لايقاد بولده كما تقول خزعبلاتهم، فلن يقودوا الزوج بزوجته، ولا الأخ بأخته، الجدير بالحق أن الفائدة تتخبط معرفيا عندما نربطها بالقصاص فقط، ليس تقليلاً من قيمة القصاص ولكن للجريمة إتلاف روح لايعوضه القصاص. خلف هذه الجرائم الصريحة المتكررة عنف رمزي يستدعي الوصاية الأبدية على كائن عاقل كامل الأهلية، كهذا الخبر "قال المتحدث الرسمي للمديرية العامة للجوازات ل"الشرق" ليس هناك سن محددة تعفي المرأة من شرط حضور ولي أمرها، لكي تصدر جواز سفر أو تصريح مغادرة. هناك توجيهات وأوامر محددة بهذا الخصوص، مقتضاها أن المرأة لابد لها من ولي شرعي، ونحن نطبِّق الأنظمة والتعليمات...". أشكر المتحدث الرسمي للجوازات لصراحته، نعم يحق لكم ألا تخجلوا طالما العاهات الفكرية ضد المرأة تستخدم كإجراء نظامي يتجاوز قهر الموروث الذكوري إلى تفعيل المؤسسات فحرمان المرأة من أهليتها الكاملة وحرمانها حق التعليم والعمل، إلى حق قرار الزواج والسفر والسكن يعلل لهذه الترهات الإجرائية لتقف بوجه المرأة عائقاً فظ الخلق والإنسانية، تجعل المسؤول يقف بكل ثقة ليطبق الأنظمة والتعليمات المكرسة لدونية وتبعية المرأة مدى الحياة، فطالما تعنصرت الحقوق فلا تسأل عن شأن المستبدين. وبدل أن تتأسف المؤسسات على تأجيل الاعتراف بهوية مستقلة للمرأة يقول عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خالد الفاخري "المرأة لديها عدة خيارات لاستخراج الهوية الوطنية دون الرجوع إلى ولي الأمر, وأن أي مواطن له الحق في استخراج الهوية الوطنية من دون أي تمييز، مشيراً إلى أن الإجراءات في إدارة الأحوال المدنية تشترط التعريف عليها فقط بحكم خصوصية المرأة في مجتمعنا فيتطلب ذلك منها إحضار شخص يعرفها تسهيلا لها" من دون أي تمييز؟! هل رأيتم رجلا يجلب امرأة للتعريف عليه؟! إذاً لايوجد تمييز!! أما الخيارات التي توفرها اللائحة التنظيمية الحالية للمرأة: فمنها "حضور ولي الأمر لأجل التعريف عليها، وإذا لم تتمكن فتتقدم بمعرف من أقاربها فوق 18 سنة، والخيار الثالث أن تأتي بامرأتين فوق 18 سنة من أجل التعريف عليها" رجل، أو امرأتان، الانتقاض إجرائي قادم من تراث ذكوري يحسب المرأة بنصف رجل حتى في مهمة تافهة كالتعريف، لا يوجد طبعاً أي تمييز!! مجرد إجراء يخص ناقصات العقل والدين فلا بد أن يختلف عن الكُمّل!.. إنها خصوصية مجتمع انتقاص المرأة. المرأة كيان إنساني طال به عبث فقهاء مستبدين وشيفونية ذكور سي السيد، حتى ألحق عبث الحقوق عبث الأرواح، والحل بمواجهة البنى الاستبدادية مواجهة صارمة متمردة لا مترددة تنزع رغما عن الوحوش كل صفحات العنف اللا إنساني ضد المرأة، وتعاملها كمكافئ حقوقي تماماً للرجل، بقطيعة إبستمولوجية معرفية صارمة مع جميع مزاعم انتقاص الأهلية وانتهاك الحقوق، فلا طريق للأنسنة إلا بحرق المراحل المتخلفة بلا أسف واللحاق بزمن أوفياء الإنسان.