ماذا يقول عنّا عمال النظافة، حينما ينتشرون في الأرض قبل مطلع الشمس في الصباح، وحينما يأتي المساء ؟! كل يوم دوّارين في الشوارع، دوّارين في الحارات والأسواق والمتنزهات.. يحملون أوزارنا من الطرقات ومن على الأرصفة .. يشهدون بطر الإنسان الذي أنساه الشبع جوع أخيه الإنسان .. ربما أبوه أو حموه القريب قبل البعيد الغريب .! لا تغضبوا مني .. أنا لا اريد قطعًا أن أعكر صفو صباحكم المبهج .. أو أفسد أمسياتكم الجميلة الحالمة .. لكنه الخوف من الجوع بعد الشبع.. والقلّة بعد الكثرة والوفرة .! حكى لي غريب.. وبكى لي قريب.. قال لي عامل النظافة كيف يموت الناس جوعًا في بلده القصي.. وكيف تفرط الأم والاخت والقريبة في أي شيء، من أجل صغارها، على (دعوة على العشاء) .! وأقول لكم - على طريقة القنوات الفضائية - لا تذهبوا بعيدًا، فقد حكى لي من أثق بصدقه أنه كان يبكي في صغره، حينما قدم إلى هذه البلاد، كلّما دُعي إلى وليمة ورأى الموائد العامرة بما لذ وطاب.. كان يتذكّر أمه التي تصوم يومًا وتفطر يومًا في بلاد مجاورة .. تتسحّر على كسرة خبز .. وتفطر على تمر وماء ولا شيء سواه . وحكى لي معمّر كيف مرّت بأرض الحرمين وما حولها، في جزيرة العرب وبلاد الشام ، أعوام أكل الناس فيها كل ما يدب على الأرض.! ولا تزال عالقةً برأسي قصص رواها الاستاذ عزيز ضياء في كتابه (حياتي مع الجوع والحب والحرب) عن زمن الحرب العالمية الثانية، وكيف عض الجوع بأنيابه أفئدة آبائنا وأمهاتنا وسائر الناس صغارًا وكبارًا .! احفظوا النعمة قبل أن يعاقبنا الله بزوالها.. واسألوه أن لا يحمّلنا ما لا نطيق.!