من اسوأ نتائج ثورات الربيع العربي ان هذا الربيع كشف محدودية تفكير وتطلعات المواطن العربي، لا يمكن بحال من الاحوال في يوم وليلة يتحول مواطن بسيط ومدقع بالأمية السياسية وتحوله لقائد سياسي أو صاحب رأي عام مؤثر، الخطاب الثوري العربي المؤدلج والمتلاعب بخبث بالعواطف عاد وبقوة يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير، مصر تعيش في فوضى داخلية وضياع سياسي خارجي واقتصاد يهوي للسقوط بقوة وخطيب الجمعة في الميدان ومن خلال نقل مباشر عبر الجزيرة يتوعد إسرائيل ويقول نحن قادمون للقدس!. آخر خطاب ثوري حقيقي خادع استخدمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أثناء غزوه للكويت وتلاعبه بالعواطف العربية من المشرق إلى المغرب أنه سيحرق إسرائيل لو اعتدت القوات المشتركة آنذاك عليه، وكانت الحصيلة عددا من الصواريخ الروسية البدائية التي سقطت على أطراف إسرائيل وكسبت إسرائيل وخسر صدام، وكذلك الحال عند غزو القوات الأمريكية لبغداد، وهذا الخطاب برع فيه كما نعلم الرئيس جمال عبدالناصر وتبناه بفكاهة وغباء في أحيان كثيرة القذافي، ولكن أن يعود هذا الخطاب وبالصورة التي شاهدتها يوم الجمعة وبهذه الظروف فالأمر طريف جداً. مرة أخرى سقط الإعلام الفضائي المصري، فتعامل مع الخطاب الثوري العاطفي بصورة بدائية جداً، أصبح هذا الإعلام أخطر على مصر من ثوارها الذين لا يعرفون أحياناً ما يريدون، حتى هالة سرحان أصبحت من رموز الثورة الإعلامية، استخدمت برنامجها وتويتر وفيس بوك لإيجاد بطولة خاصة بها، الكل يهيج الشباب بدعوى الثورة، الكل ينادي بما لا يعرف, اللقاءات التلفزيونية أتاحت لمواطنين أقل من بسطاء في ثقافتهم السياسية للحديث عن أمور يجهلون أبسط تفاصيلها، المشاهدة المستمرة للفضائيات المصرية الحكومية والخاصة تجعلك تعيد سيناريو ما قبل ثورة 25 يناير عندما سقطت هذه الفضائيات ونجحت قناتا العربية والجزيرة مع اختلاف كل قناة بطبيعة الحال!. الآن ما يحدث في مصر كنموذج للثورات العربية الثورية هو ثورة تحريضية فضائية، رجل الشارع العادي يتأثر بنجوم الفضائيات وهم يتحدثون بلغة غير دقيقة وغير مستقبلية لواقع بلادهم، أصبحوا مقلدين وبصورة كربونية تقليدية لسياسة قناة الجزيرة مباشر من مصر، البعض جمع الحديث مع أكل المحشي ونجاح الثوار وربط ما بين وليمة كشري وتحقيق مطالب الثوار من خلال استضافة الطباخة أم أحمد التي وعدت المذيع وعلى الهواء بذلك وكأن ما يحدث من أمر خطير ما بين ثوار التحرير وتجمع مؤيدي ميدان العباسية مباراة دورية في كرة القدم ما بين الأهلي والزمالك، وهذا للأسف ما يحدث حالياً، فغاب الإعلام الفضائي المصري بصورة مخجلة، وأتيحت الفرصة للكل لمناقشة أمور تتهاوى ببلد، وتجعل من خطيب للجمعة ثقافته الاقتصادية صفر، يردد على الثوار وبحماس وبتصفيق أنهم سينقذون الاقتصاد المصري بالتوفير من رواتبهم وكأنهم يوفرون لوليمة كشري أو محشي. الفضاء العربي من خلال تجاربه أثبت أنه فضاء بالكم وخالٍ جداً من حيث الكيف، الدور السلبي كان العنوان الرئيسي لهذا الفضاء حتى ولو كان على حساب مستقبل وطن، فغابت المهنية والاستراتيجية وأتيحت الفرصة للعامة لكي يتحدثوا للأسف بما لا يعون، لذا لا نستغرب أن يكون الضرب بالكراسي والزعيق غير المؤدب من عناوين البرامج العربية التي تناولت الربيع العربي!.