تتحرك سيارات المجموعة المرتحلة وسط البراري؛ في طرق غير معبدة، وتسير متباعدة عن بعضها عادة بفاصل لا يقل عن مائتي متر بين السيارة والأخرى لتفادي الأتربة والغبار المتطاير، وقد تقصر المسافة الفاصلة أو تطول تبعًا لاختلاف تضاريس الأرض. أتحدث عن رحلة تنقّل أعضاؤها في فصل الربيع قبل عامين، على ست سيارات تتحرك من مكان إلى آخر وسط كثبان الربع الخالي، هذا يعني أن المسافة بين السيارة الأولى والأخيرة تبلغ أحيانا ثلاثة كيلو مترات، وإذا توارت السيارات عن الأنظار يتواصل السائقون غالبا مع بعضهم عبر أجهزة الاتصال اللاسلكي، لكن قائد السيارة الأولى تقع عليه مسؤولية إرسال التنبيهات إلى بقية السيارات، مثل التحذير من حفرة أو جرف أو ألسنة من الرمال المتشابكة التي تتطلب استدعاء كل المهارات الممكنة في القيادة. كنا نتابع المسير في ظهيرة يوم مشمس في أطراف منطقة تسمى الحباك قبل الوصول إلى منطقة العروق المعترضة في الزاوية الجنوبية الشرقية من المملكة، وهاتان المنطقتان تعرضتا ذلك العام إلى أمطار غزيرة مما جعلها من أجمل المناطق من حيث تميزها بكثافة الغطاء النباتي المكون من شجيرات الأرطى والعلقى والزهر والثدّاء والهرم والحاذ. لم ننتظر في هاتين المنطقتين الوعرتين من قائد سيارة المقدمة إلا تنبيهات لما اعترضه من مصاعب قد تعوق تقدمنا، لكن المفاجأة الجميلة بالنسبة إلى بعضنا أن صوت السائق انطلق عبر اللاسلكي بعبارة (الجراد.. الجراد). لم يتسن مشاهدة سرب الجراد إلا لراكبي سيارات المقدمة بعد أن أفزعتها السيارة الأولى وطارت حتى بدت كسحابة في كبد السماء - حسب قول السائق - منطلقة باتجاه الشمال الغربي. ترجلنا لمشاهدة ما تبقى من سرب الجراد الواقع على الأرض. كان واضحا من طبيعة الغطاء النباتي الكثيف أن سرب الجراد حط في المكان منذ فترة وجيزة وإلا لما بقيت النباتات على حالتها, فالجراد آفة كونه ملتهم نهم للنبات إذ بمقدور سرب واحد في ظرف سويعات أن يحيل مساحة واسعة إلى قاع صفصف لا أثر فيها إلا للجذوع والجذور، ومثل هذه الأرض كان الأجداد يصفونها ب( الارض المجرودة )