المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    إسرائيل تجبر عشرات الآلاف على النزوح في رفح    طلاب وطالبات تعليم الطائف يؤدون غدًا اختبارات "نافس"    الأفكار المولدة للسلوك أصلها ديني    علاج جيني يعيد لطفلة صماء السمع    الجوف: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    رابطة العالم الإسلامي تدشّن «مجلس علماء آسْيان»    الهاجري يتوج «الرياض» بكأس كرة الطائرة من الجلوس    «سدايا».. تقدم خدمات تقنية وممكنات رقمية ضمن مبادرة طريق مكة لعام 1445ه    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الحزم وتحقيق لقب دوري روشن    دعم وتطوير العلاقات بين المملكة وغانا    بتوجيهات ولي العهد.. الدبلوماسية السعودية تنتصر لفلسطين    إختتام مهرجان المنتجات الزراعية الثآلث في ضباء بعد 4 أيام    كريسبو مدرب العين واثق من الفوز بدوري أبطال آسيا رغم الخسارة باليابان    الأمن العام يدعو لتجنب الإعلانات المضللة بمواقع التواصل    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في جنوب البرازيل إلى 136    "الوطنية للإسكان" و"طلعت مصطفى" تضعان حجر أساس "مدينة بنان"    الأمير سعود بن نهار يدشن أكبر مجمع "قرآني تعليمي نسائي "على مستوى المملكة    محافظ جدة يشرف أفراح الغامدي    أروقة الشعر بين علم الاجتماع والنفس    المياه الوطنية تُكمل الاختبارات التشغيلية لمخطط درب الحرمين بجدة    جازان تسجّل أعلى كمية أمطار ب 55.1 ملم في سد بيش    الأرض تشهد أقوى عاصفة مغناطسية منذ 21 سنة    "رئاسة الشوون الدينية" تستقبل طلائع الحجاج بالهدايا    تعليم عسير يُعرّف ب«نافس» تعليمياً ومحلياً.. و8 ميداليات ومركزان في الأولمبياد الوطني للتاريخ    99% من مسكنات الألم بها مواد مخدرة    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    مخالفو أنظمة الإقامة يتصدرون ضبطيات الحملات المشتركة    التدريب التقني والمهني" ينظم معرض "مبتكرون 2024" بالشرقية غداً    تدشين خدمة الرعاية الطبية المنزلية بمدينة الجبيل الصناعية    الجامعة العربية: القمة العربية تنعقد في ظرف استثنائي    جدة تشهد الملتقى التدريبي لفورمولا1 للمدارس    خمسة نجوم مُرشحون للانضمام إلى رونالدو في النصر الصيف المقبل    الفياض: نستثمر في التكنولوجيا لمعالجة التحديات الصحية العالمية    حظر الأظافر والرموش الصناعية بالمطاعم ومتاجر الأغذية    ليندمان: رؤية 2030 حفّزت 60 بعثة أمريكية للعمل بالمملكة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    "الصحة" توضح الوقت المسموح للجلوس أمام الشاشات    مدير ناسا يزور السعودية لبحث التعاون الفضائي    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يصل إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة معالي الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    شرطة الرياض: القبض على (5) أشخاص لمشاجرة جماعية بينهم    العطاوي: سنكمل نجاحات غرفة الرياض التجارية ونواكب المرحلة وتطلعات القيادة    الهلال ينهي تحضيراته للحزم    جمعية الرواد الشبابية تنظم دورة "فن التصوير" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية يدشن المنصة الدعوية الرقمية في جازان    «سلمان للإغاثة» ينتزع 719 لغماً عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    رومارينهو: الخسارة بهذه النتيجة شيء ⁠محزن .. و⁠⁠سعيد بالفترة التي قضيتها في الاتحاد    الاتفاق يقسو على الاتحاد بخماسية في دوري روشن    إيغالو يقود الوحدة بالفوز على الخليج في دوري روشن    سورية: مقتل «داعشي» حاول تفجير نفسه في السويداء    رئيس جمهورية المالديف يزور المسجد النبوي    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية الكتابة في الهواء الطلق
أسابيع الحديقة
نشر في الرياض يوم 30 - 12 - 2010


1
خوان غويتيصولو ، روائي وكاتب ، ناقد ومترجم وباحث اسباني ، متعدد الإقامات ، لكنه منذ سنين اختار العيش في مدينة مراكش المغربية . أحاول على قدر ما أستطيع الوصول لكتبه المترجمة للعربية . في العام 1990 صدر عن دار توبقال للنشر في الدار البيضاء : "" على وتيرة النوارس "" منتخبات سردية اختارها المؤلف نفسه ، وقدم لها بكلمة قصيرة ، وباللغة العربية ، وبخط يده نشرت في مستهل الكتاب ، تحية للدار وللمترجم العراقي والشاعر كاظم جهاد الذي ترجمها عن الإسبانية ، ومهد لها بدراسة نفيسة . ما أن أستدير لكي أتنفس قليلا بعيدا عن سرده الإجرامي حتى أعود إليه كالمنومة . اشتغلت الترجمة الفاتنة للمترجم جهاد كمن كان يخيط الثواني ما بين نشيج الملتاع ، والأنفس المتعددة للذي سيغادر حالا . هذا الإسباني يشتغل على النصوص التي ترشح من بين أصابعه كالبستاني ، يأخذ كل اتجاه ، ثم ، بغتة ، يعاكسه فيخلخل طرق استقبال التلقي، وهو يبني طرقه ولوحده ، وما أن نمشي قليلا حتى لا نقدر على الفكاك منه . البستاني يرى العشب ، الأعشاب كما يرى خلايا الدماغ ، فكلما يشذب ، كلما ينبت أخر ، فيدرك القارىء أنه يمشي في تجاويف الجمجمة البشرية ، في ذلك الحين ، يتطابق السر الصغير مع الأسرار الكونية الكبرى . بقيت وما زلت أرى في كتاب المنتخبات السردية فيضا من الصيرورات الوجودية في كتابة أي جنس أدبي ، وكل جنس أدبي / فما أن نتصور أننا بدأنا بخطة ما للكتابة ، وما أن يحصل هذا ، حتى تتداخل وتتخالط الأنواع ، فنبدأ من جديد !
2
الكتاب الحديث / القديم لخوان غويتيصولو الذي حصلت عليه بسبب كرم الصديق الناقد محمد برادة ، هو رواية أسابيع الحديقة نشر الفنك ، عام 2000 بترجمة إبراهيم الخطيب ، هذا الأخير صديق المؤلف ، وهو ناقد ومترجم ومهتم بالعالم الناطق بالإسبانية ، وحصلت ترجمته لرواية "" الأربعينية "" لذات مؤلفنا هذا على جائزة المغرب للترجمة سنة 1995 . أسابيع الحديقة فكرتها تم الاشتغال عليها من جمع كبير من الروائيين في القديم والحديث ، لكن دائما يتم المحو فيستخرج الكاتب الفذ صيرورة قادرة على البقاء والمتعة وإثارة الأسئلة الحارقة ، واقتناص الموهبة من داخل جذل المؤلف ، والتأليف المغاير . كأن الرواية ، مسودة لمخطوطة ، والمؤلف يحاول توزيع الأدوار أمامنا على عدد الرواة ، كل راوٍِ يمتلك حرفا أبجديا ، وهكذا سنقرأ بدءا من الألف إلى الياء ، وخلال ثلاثة أسابيع ، كل حرف ما أن يبدأ ، يأخذ الكلام من الحرف الذي سبقه ، وهو يحاول إضافة أو حذف المعلومات من متن الرواية ؛ البحث عن حقيبة لا مالك لها .. هكذا تبدأ الحكاية .
3
كل واحد مّنا يريد التعرف على شجرة أنسابه ، ربما ، لكي يستغني عنها نهائيا ، أو لكي ينتزع نفسه منها فيراها بابتعاد وبرودة ، كل راوٍ يقدم نفسه بحرف أبجدي ، وحين ينتهي الأسبوع الأول نصل الحرف التاسع . تستغرق الحكاية ثلاثة أسابيع ونحن نلهث عندما يعثر الحرف ألف على ديوانين لشخص يدعى "" إيوسيبيو "" هذا المخلوق يتحول ويتغير ، تتبدل مهنته ، شكله ، ميوله الجنسية والسياسية والثقافية والفكرية ، مزاجه ، ثيابه ، ذوقه في الأطعمة ، وطرق غراماتيه الخ . المؤلف خوان إسباني طليعي وجذري في وقوفه مع حركات المقاومة في فلسطين بالذات وباقي الحركات في العالم . هذا الكاتب خرائطه وألسنته وهوياته متعددة ، متداخلة ، ومتشابكة هو شخصيا ، وفي كل كتاب يحاول لملمة شتات إحدى فجائعه وكوارثه ، كما أنه كاتب تخريبي ، انقضاضي وتهديمي ، استطاع عبر جميع سردياته ومواقفه السياسية والثقافية الهجوم الصاعق لممارسات "" ثقافته الأصلية بأنها قمعية "" ولذلك ، وفي كل كتاب كان يختار اسم علم ما ليمزقه شر تمزيق ، ويعيد خياطته بغرزة كبيرة جارحة جدا . هو الذي يقوم بتهديم ذاته ، ثم يعيد بناءها بواسطة سرد هذياني ، هستيري يسبب العدوى ، ولا تنفع معه المهدئات ، لذا نرى هذا الرجل ، مرة جاسوسا ، خائنا ، منحرفا ، طاهر الذيل ، فصاميا ينتقل من مصح نفسي إلى آخر ، أو الحياة والسكنى بجوار أحد الأضرحة . كل راوٍ يضيف وينزع عنه إحدى طبقات جلده ، فنراه يرتدي الجلباب المغربي ، أو الثياب الافرنجية ، مرة يبدو امرأة شقراء ذات مكياج سوقي وثياب تهريجية ، وتارة يبدو فقيرا معدما ، أو ثريا ينتقل بسيارة روز رايس وبسائق خاص .
4
هذا الرجل الذي بدأنا نحن المتلقين النص بالبحث عنه داخلنا ، نصغي إليه كما لو أننا نسمع ونرى شق جروح الماضي والتاريخ . يحشرنا المؤلف داخل الخيبات والأوهام بطرق يتعذر تلافيها ، ويعاود جلسات رجنا بالكهرباء فيتعالج هو ونحن سويا . هو مغطس لنوع من الكتابة المتعطشة لانبثاق الدم ، دماء القراء ، يلعب بنا ويلاعبنا ، فنردد معه ؛ أللهم هل من مزيد ، فنجوس عشب الحديقة ، ورياض مراكش ، وندون معه الوثائق ونتشوف السجلات الثخينة . من الجائز شغفي القديم بالمغرب وبعد حياة طويلة ما بين مدنها ، جعلت من هذا الكاتب ، وهذا النوع من سردياته وأعماله الروائية تلقي الهوى الفائض لدي ، هو الولع الذي ما أن يتأخر قليلا حتى أحسبه أبتعد ، لكنه يظهر سخيا وساخنا عبر هذا الكتاب والكاتب . داخل هذه الرواية كشف ساحر لأحياء وطرقات بعض المدن المغربية ، للهجاء الشنيع لليمين الفاشي ، لفرانكو وحكمه وما قام به ببتر حقيقي للحريات ، ودفن للبشر وهم أحياء ، وتمجيد للأدب الطليعي بالأسماء التي شكلت وأسست النهضة الثقافية الأصيلة : "" أضاف إلى ما حصله حول موضوع انشطار الأسطورة وتشجيرها بعض تأملاته . كان يفكر في كتابة سرد مدقق عن عملية البحث والتنقيب لتوزيعه على بقية قراء الحلقة حين عودته "" .
5
الروائي خوان غويتيسولو ، دائما استشعره يكتب في الهواء الطلق ، بالرغم من أن الكثير من نصوصه معتمة ، تخّزن الشجن المرْ ، وتفجر الأسى الشفيف : "" الباحث عن السر خارج نفسه ، فاقد لنفسه مضيع لسره "" كل حرف أبجدي يشطح كما يشاء ، يحذف كما يريد ، ونحن نلعب مع الرواة ، لا نصدق ولا نكذب ، نتمتع ونتعلم ، نأسر بالشرار الذي يتطاير من السرد الذي اسميته : سرد متعدد الرؤوس ، والمرايا ، لذاك الرجل الذي نحن جميعا نقوم بالبحث عنه ، فهو عنيف الهويات ، سوقي ، نبيل ، مبتذل ، أرستقراطي ، أعزب وعشيقاته كثيرات . يلعب هو ، والمؤلف يتلاعب ، ونحن نجري وراء وداخل كل هذه المتاهات . هذا نوع من كتابة لا تستهوي الألوف ، بل الملايين ، ربما ، يسميها البعض بالنخبوية ، فلا يأتلف معها إلا بضعة ملايين أيضا في جميع المعمورة ، هي كتابة تحيل إلى آليات معرفية ، تفكيكية في السرد وما وراءه ، وما قبله ، وأغلبية القراء / وربما أيضا من النخبة لا يميلون إلى ما يهدد ذائقتهم الأولى والمستقرة ، أو يخربط أمزجتهم ، بعضنا يفضل الطريق المستقيم الذي يعرف فيه درب العودة إلى مستقره خشية الصدمات ، واهتزاز اليقين ، وبعضنا يهيم ولوحده في طريق قد لا يعود منها سالم البدن والعقل ، وهؤلاء هم دائما أقلية الأقلية في كل زمان ومكان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.