بدايات الصيف تنذر بمناخ شديد القسوة ، مرهق للروح ، والجسد ، ثقيل الأيام ، واللحظات . ملامحه السأم، والملل، والتعب النفسي بفعل عوامل الطبيعة وتضافرها ، وتغير المناخات في كل العالم. ليس غريباً ، وغير متوقع أن يكون غير هذا ، فالرياض مدينة قاسية جدا في حياتها الجغرافية ، ولم يتعود أو يأمل إنسانها درجات حرارة معقولة يتعايش معها بنوع من التصالح ، أو التقارب ، أو التجانس ، أو يطوّعها عبر وسائل حياتية لكي يحد من تفجر مخزون متاعبها المضنية على مداراليوم ، ولهذا فإن التوتر النفسي يكون حالة ملازمة للكائن البشري في كل تفاصيل حياته اليومية ، وفي تعاملاته ، وعلائقه ، وأحاديثه ، وحواراته . إن في الطريق ، وإن في بيئة العمل ، وإن في المنزل ، وفي كل فضاء الحياة العامة . هذه هي الرياض ، قاسية ، مرهقة ، حادة في الوقت الذي هي عاشقة ، ومعشوقة ، محبة ومحبوبة ، حانية ونحن نحنو عليها بشكل جنوني وصادق ومتأصل في النسغ غير أنه في هذا الطقس الشرس إلى حد الوجع فإن المدينة تهمِل وتهمش إنسانها البسيط والعادي والمتواضع الدخل ، والذي لايملك من مقومات الحياة ما يجعله في قدرة على تكييف زمنه الصيفي، وزمن أسرته وأولاده بشكل أقرب إلى المعقول ، ويكسر حدة الملل ، والألم ، والمعاناة مع المناخ الأمر الذي حوّل صيفها إلى حياة طبقة واحدة ، وشريحة اجتماعية تتوفر لديها ولها كل وسائل الترفيه ، إما بالسفر بعيدا نحو الأجواء الاسترخائية الحالمة والممتعة ، وإما بالبقاء في فضاء الرياض داخل منازل مهيأة بشكل أسطوري ، وكأن ساكنها يعيش حلما مبهرا بتفاصيله ، ومكوناته، فلا يكاد يتعرف على الرياض إلا عند الضرورة ، إما لزيارة ، أو شأن حياتي، أو واجب اجتماعي . الرياض ، عاصمة أرجو أن لاتأخذ من بعض العواصم شراستها ، وقسوتها على إنسانها ، وتهميش الطبقات والشرائح الفقيرة والمعدمة ؛ فالإنسان البسيط ، والعائلة البسيطة لا يجدان في الرياض متنفسا معقولا ، دون مضايقات، يمكن أن يلجآ إليه في ساعات ذروة متاعبهما مع الطقس . ويقضيان وقتا ممتعا في حده الأدنى يذيبان به ما تراكم من صدأ ، وملل، ومتاعب نفسية . الشباب في الرياض لايجدون مسابح شعبية مهيأة بكل وسائل الترفيه ، والنظافة ، والتنظيم ، والمراقبة ، ووسائل التعليم والتدريب على الأنشطة ، وبها مقاهٍ منظمة ، ومكتبات ، ومطاعم بحيث يذهب إليها الشاب في ساعات يومه الأولى ، ولايعود إلا في آخر نهاره سعيدا ، مرهقا ، متعبا ، لايجد في داخله قلق استدعاء النوم ليلا . والرياض بها جفاف حقيقي لكل ماهو ترفيه ، ولكل ماهو متعة جيدة ، فلا مسرح أو دور سينما ، أو مراكز لممارسة الهوايات كالرسم ، أو العزف ولو حتى على الربابة وهي تراث أصيل من تراث هذه الصحراء الملهمة ، أو مكتبات عامة لا نقول في كل حي ، لكن في كل جهة من الجهات الأربع . المتنفس الوحيد الآن هو هدية سلمان بن عبدالعزيز لإنسان المدينة " مشروع وادي حنيفة " لكن هل يحسن البعض الظن بالآخرين فلا يطاردونهم ، أو يضايقونهم ، أو يحددون لهم كيف يجلسون ، وماذا يأكلون ، وكيف يبتسمون إذا كان هناك مجال للابتسام .