ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    في الأحساء تنفيذ 10 مشاريع في اختتام "أساطيل المستقبل"    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    الأهلي يضمن الثالث.. الحزم يحرج الرياض.. التعاون رابع الكبار    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    سلة الهلال تُتوّج بلقب المربع الذهبي    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    مواقف مشرّفة    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلفاء وشركاء في الفتنة»
الفتنة الحوثية.. البداية والنهاية «الحلقة الثالثة»
نشر في الرياض يوم 15 - 09 - 2009

فتنة الحوثية مثل غيرها من الظواهر السلبية الخطرة التي تصاب بها الكثير من المجتمعات النامية، التي سرعان ما تتحول إلى مركز جذب للكثير من القوى الحزبية والجماعات السياسية والرموز والشخصيات الاجتماعية والقبلية الانتهازية المتمصلحة والمتطفلة الساعية إلى استثمارها في خدمة مصالحها الذاتية وأهدافها غير الوطنية، وتدخل مع جماعات الفتنة في تحالفات وعلاقات تطفلية ومنافع متبادلة، يجمعها حرص مشترك في الحفاظ على استمرار جذوه الفتنة مشتعلة وتوسيع نطاقها رأسياً وأفقياً وإخراجها من إطارها الوطني نحو الإطار الإقليمي وصولاً إلى تدويلها.
في مرحلة معينة من مراحل الفتنة واتساع دائرة الصراع والفرز الاجتماعي والسياسي وتداخل وتشابك المصالح والحسابات داخلياً وخارجياً، وفي ظل ظروف موضوعية مواتية تتحول هذه العلاقات التطفلية بين جماعات الفتنة والمنتفعين والمتاجرين بها، إلى شكل من أشكال التوحد والترابط المصيري.. يستحيل معه على أي طرف من هذه الأطراف الاستغناء عن الطرف الآخر وخدماته، وتغدو هذه الأطراف المختلفة والمتباينة في مصالحها وأهدافها جزءاً رئيسياً من المكون السياسي والثقافي والقاعدة الاجتماعية لهذه الفتنة، متجاوزة بذلك كافة التباينات والاختلافات الفكرية وحسابات الأهداف والمصالح القائمة بينها في سبيل وحدة العمل والإمكانات وفي سبيل تغذية جذور الفتنة واستمرارها وتسخيرها ضد عدو مشترك يسعى إلى إخماد جذوة الفتنة وتهديد مصالح المتفعين بها.
فتنة الحوثية لن تخرج عن هذا السياق، حيث تحولت منذ وقت مبكر إلى مركز جذب واستقطاب للكثير من المتمصلحين والمنتفعين والمتاجرين بقضايا الوطن ودماء الأبرياء، وكل من له ثارات سياسية مع النظام الوطني الديمقراطي، ومعهم لفيف المتضررين ممن فقدوا مصالحهم وامتيازاتهم ومكانتهم وأدوارهم السياسية والاجتماعية.. جميع هذه الأطراف المتناقضة في مصالحها وحساباتها وثاراتها متضافرة بجهودها وفعلها حول الفتنة، توحدها قواسم مشتركة نابعة من طبيعتهم البشرية المتشائمة المكبلة بمشاعر الحقد والكراهية والأنانية وعدم الثقة، وتفكيرها النفعي الذي لا يتجاوز دائرة مصالحها الذاتية الضيقة، واختزلت في سلوكها الحياتي والعملي مفاهيم الخير والوطن والوحدة وكافة المصالح الوطنية وحاضر ومستقبل الوطن ضمن دائرة قناعاتهم ومصالحهم الخاصة.
إذا حللنا هذا المزيج غير المتجانس من العناصر التي جذبتها فتنة الحوثية إلى مركزها وضمن دائرة قواها الاجتماعية والسياسية، إلى عناصره الأولية على أساس انتماءاته السياسية والاجتماعية وحساباته التكتيكية والإستراتيجية ومصالحه الخاصة يمكن تحديد مكوناته الرئيسية ضمن الاتجاهات التالية:
جماعة تنتمي إلى الحوثية فكراً وعقيدة، ويصنفها البعض بالخلايا الحوثية النائمة في بعض المحافظات، وتتميز بسلوكها ومواقفها وممارساتها العملية التي تنم عن وعي وقناعات فكرية وسياسية راسخة، نابعة من واحدية الرؤية والتطلعات والأهداف المشتركة مع الجماعة الحوثية، وهذه العناصر رغم محدوديتها وسرية نشاطها ومكونها التنظيمي، إلا أن بعضها أو أجزاء منها يعمل داخل مؤسسات المجتمع والنظام الإداري والسياسي للدولة وفق رؤية واضحة في خدمة فتنة الحوثية، هذه الجماعة تضم في إطارها عناصر ذات انتماء سلالي أو مذهبي إلى قيادة الجماعة الحوثية، وعناصر أخرى فقدت مصالحها ومكانتها في النظام السياسي الحالي، والبعض لا زال قريباً من السلطة أو مستفيداً منها، وجميعها تسعى إلى تقويض نظام الدولة وزعزعة أمن الوطن واستقراره.. خطورة هذه الجماعة نابعة من سلوكها في محاولة خلخلة النظام الاجتماعي والسياسي من داخله وارباك الحياة الطبيعية إلى جانب مساعيها لتكوين شبكة عنكبوتية داخل المجتمع وخارجه لدعم الحركة الحوثية (مادياً، وسياسياً، واعلامياً، ودعائياً) وبث الإشاعات ومزاولة مختلف أشكال الحرب النفسية ضد المجتمع لصالح العاصبة الحوثية.
في هذا الإطار يمكن فرز جماعة من العناصر تدعم الحركة الحوثية عاطفياً وسياسياً، وهذا الدعم نابع من طبيعة الانتماء السلالي والمذهبي والجهل بحقيقة الحوثية ومشروعها السياسي، والكثير منهم يتطلع إلى جني مكاسب مادية أو معنوية أو تحقيق مكانة سياسية من خلالها، هذه العناصر رغم محدودية تأثيرها وضعف فعلها في دعم الحوثية بشكل مباشر، فإن حجمها في حالة من المد والانحسار وفق طبيعة موقف الحوثية في صراعها مع الدولة والمجتمع وضمن تناسب عكسي مع ما تحققه من نجاحات أو انكسارات سياسية وعسكرية.
قوى سياسية حزبية داخلية لها برامج ومشاريع سياسية تتناقض في مضامينها وأهدافها ورؤاها الوطنية، مع الفكر والقناعات والمشاريع الحوثية وتصل معها إلى درجة التصادم، هذه الأحزاب لا تحضى بقبول من قبل الحوثيين ولا يشاركونهم الرأي والحوار فيما يتعلق بخصوصياتهم السياسية وبرامجهم العملية ونشاطاتهم الميدانية، وضمن سياق اللعبة السياسية الديمقراطية التي تمارسها هذه الأحزاب بوسائل وأساليب انتهازية تحركها تطلعات ومصالح حزبية وذاتية أنية وضيقة لا يمكن بلوغها بالوسائل المشروعة، سعت هذه الأحزاب إلى استثمار الفتنة واستخدامها جسر عبور للوصول إلى أهدافها، وذلك بتوظيف الورقة السياسية والأمنية ومختلف عناصر الفتنة بأسلوب انتهازي رخيص ينتهج سبل المناورات والابتزاز السياسي وأساليب عمل غير مشروعة ومواقف خاطئة تفتقر إلى المسؤولية الوطنية والمقومات الأخلاقية.. اشتداد حدة الخلافات والتباينات وفشل الحوار بين السلطة والمعارضة وانسداد أمل هذه الأحزاب في الظفر بأي مكاسب سياسية بعد فشلها في مختلف الجولات الانتخابية "الرئاسية والتشريعية والمحلية" وفشلها عبر الحوار في انتزاع تنازلات جوهرية من قبل الحزب الحاكم، جعلها أكثر تشدداً من مواقفها وسلوكها الخاطئ في التوظيف السياسي السلبي للأوراق الأمنية والأزمات الوطنية الداخلية، والتمادي في هذا السلوك الانتهازي أوصلها إلى مرحلة من الترابط والعلاقة التطفلية القائمة على تبادل الأدوار والخدمات والمنافع بشكل مباشر أو غير مباشر مع عناصر الفتنة والتمرد الحوثية، والأسوأ من ذلك هو اعتماد هذه الأحزاب خطاباً سياسياً إعلامياً يبرر سلوكها وخياراتها العملية ويحاول إقناع الرأي العام بصوابية مواقفها من الحوثية، وهذا لن يتأتى لها إلا من خلال خطاب سياسي إعلامي يبرر الفتنة ذاتها ويضفي عليها الطابع الشرعي، وإدماجها ضمن النسيج الوطني العام كقضية وطنية حقوقية ومطلبيه، وجعلتها البيانات الصادرة عن هذه الأحزاب أحد شروطها للحوار مع الحزب الحاكم، ومطالبها بضرورة اعتماد الحوار لحل هذه القضية، ومحاولة إفراغها من طابعها الأمني الجنائي، مثل هذه الدعوة وهذه المواقف التي جاءت بعد ست جولات من الصراع المسلح وفشل كل جولات الحوار السلمي وعدم انصياع هذه الجماعات لكل شروط السلام والاتفاقيات السابقة، لا يمكن فهمها خارج سياق المتاجرة السياسية التي جبلت عليها هذه الأطراف الباحثة عن المزيد من المكاسب والمصالح السياسية والمادية على حساب الوطن والشعب وقضاياه المصيرية، لاسيما أن كافة قطاعات الشعب وفي طليعتها هذه الأحزاب أضحت على يقين تام بحقيقة العصابة الحوثية وجرائمها ضد سكان صعدة وخطرها على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، إلا أنها مع الأسف لا زالت منساقة في غيها ومتمسكة بمواقفها الخاطئة مقدمة مصالحها الحزبية الخاصة على مصالح الوطن والمجتمع، وتدرك جيداً أن الحسم العسكري والقضاء على الفتنة قد يحرمها ورقة سياسية هامة في مناوراتها مع النظام، ويحرمها فرصة ذهبية في جني ما تسعى إليه من مكاسب بتوظيفها هذه الفتنة، وهذا مالا يمكنها القبول به.
في هذا الإطار هناك بعض الأحزاب ظلت مواقفها خلال فترة الأزمة محصورة داخل المنطقة الرمادية لا تمتلك موقفاً علنياً واضحاً وحاولت أن تقدم نفسها للرأي العام وهي ماسكة العصاء من وسطها واضعة في الوقت ذاته طرفي الصراع في كفتين متوازيتين ومتساويتين ومن وجهة نظرها، هذه الأحزاب ظهرت في الآونة الأخيرة في محاولتها استثمار وتوظيف الفتنة للترويج لبرامجها وإطروحاتها السياسية الحزبية وكل حزب منها يعتبر برنامجه السياسي وأطروحاته بمثابة قارب نجاة للخروج بالوطن من مستنقع الأزمات والخيار الوحيد المتاح والممكن لحل ما أسمته هذه الأحزاب ب"قضية صعدة"، أو "الحرب في صعدة"، في محاولة مكشوفة لخلط الأوراق، وعدم الاعتراف بموقف الدولة ومفاهيمها ورؤيتها لهذه الفتنة التي تمثل خروجاً عن الشرعية الدستورية وتمرداً مسلحاً على النظام والقانون غير مشروع.
تجار الحروب المحترفين ممن وجدوا في هذه الفتنة ضالتهم في مزاولة مهنتهم في المتاجرة بدماء الأبرياء ومصالح الشعب وأمن الوطن واستقراره وانجازاته، وما برحوا بجنون من خلالها مكاسب مادية طائلة، وهذه الجماعة تضم في مكونها خليطاً من المرتزقة المحليين ممن اعتادوا تقديم خدماتهم في ممارسة القتل وخوض الحروب لصالح من يدفع لهم أكثر، ويشكلون اليوم طابوراً طويلاً في صفوف المقاتلين الحوثيين، وإلى جانبهم المهربون وتجار الأسلحة والمخدرات ووسطاء الخدمات العسكرية ومزاولوا الأعمال غير المشروعة، التي غالباً ما تزدهر وتصبح أكثر فاعلية وأوسع رواجاً وأعلى ربحيةً في زمن الأزمات والفتن التي تمثل بيئة خصبة لنشاطها، هذه الجماعة من تجار الحروب تتكون من عناصر غير متجانسة في أعمالها ومهامها ومصالحها وتنتمي إلى مختلف أطياف المكون الاجتماعي والقبلي داخل صعدة وخارجها، وهي مثل غيرها من صناع الفتن شديدي الحرص على استمرار جذوة الفتنة الحوثية مستعرة ويعملون جاهدين على تزويدها بالوقود اللازم لاستمرارها، والسعي في الوقت ذاته إلى احتواء وإجهاض كل مشاريع الحلول والمعالجات والتسويات السلمية والحيلولة قدر الإمكان دون نجاح واستكمال عملية الحسم العسكري أو جعله أكثر كلفة وطنية من الناحية المادية والبشرية والسياسية لقناعاتها بأن هذه التكاليف الباهظة ستتحول إلى أرصدة بنكية في حساباتها الخاصة.
هناك نوع آخر من تجار الحروب والمواقف السياسية استشرى ظهوره خلال هذه الفتنة متجسداً في سلوكيات ومواقف عملية تغيب فيها المصالح والحسابات الوطنية عند البعض من رجال السياسة والوجاهات الاجتماعية ومشائخ القبائل ممن تعاطوا مع هذه الأحداث وفق رؤى وقناعات تحتمها مصالحهم الخاصة غير المشروعة، واستخدموا هذه الفتنة كوسيلة لممارسة أسوأ أشكال الإبتزاز المادي والسياسي للوطن والدولة.. البعض من هؤلاء ارتدى عباءته الحوثية التي لا تناسبه، وهو غير مقتنع بها، ولكن اعتقاده الخاطئ سول له أن ذلك الرداء سيعزز من قيمته وهيبته ويرفع من سعره في سوق النخاسة السياسية ويجعله أكثر قدرة على المساومة وابتزاز النظام، ويجعل من الحوثية مطيته لبلوغ غاياته الخاصة في تحقيق مكاسب مادية مباشر أو مكانة ومنصب سياسي أو إداري وامتيازات واعتمادات ثمناً لتغيير موقفه وتخليه عن رداء الحوثية، هناك نموذج آخر من هؤلاء المتاجرين المنتفعين من الفتنة، ممن يجهلون حقيقة الحوثية ومشروعها السياسي التدميري للوطن، وأعلنوا تضامنهم أو تحالفهم مع الحوثية تحت تأثير رغبتهم الخاصة للإستقواء بها والاستفادة من إمكاناتها وخدماتها المشروطة والمدفوعة الثمن في تصفية حساباتهم أو ثاراتهم الخاصة والقبلية مع بعض الرموز الاجتماعية أو القبائل الأخرى، وهكذا دواليك، بحيث أصبحت الحوثية حاضنته وأداة لتصفية حسابات وثارات شخصية وقبلية.
شكل آخر من تجارة الحروب ظهر خلال هذه الفتنة وله جذور عريقة في التاريخ اليمني المعاصر تعود إلى مرحلة الصراع الجمهوري الملكي مطلع الستينات، حيث امتهن البعض ممارسة الارتزاق المزدوج لتحقيق أكبر قدر ممكن من المطامع والمصالح الشخصية فكانوا جمهوريين في النهار وملكيين في الليل وكل موقف وعمل من هذا القبيل له ثمنه الخاص، مع الأسف أن البعض حاول خلال هذه الفتنة لعب نفس الأدوار السابقة فهم مع الدولة والجمهورية في النهار ومع الحوثية في المساء والبعض الآخر قلوبهم وخطابهم مع الدولة وأسلحتهم ومواقفهم العملية ضدها.
مواقف الكثير من المتمصلحين والمتاجرين بهذه الفتنة لم تكن محكومة بأي حسابات وأهداف سياسية واضحة، بقدر ماهي سلوكيات فردية دافعها الرئيس البحث عن مصادر جديدة للكسب المادي والسياسي السريع الذي لا يمكن أن يتحقق في الظروف الطبيعية وبالوسائل المشروعة، ومثل هذا السلوك النابع من ضعف الإيمان والقيم الأخلاقية والتربية الوطنية أو بدافع الحاجة والفوز المادي، لا يمكن حساب مخاطره فقط من منظور ما يترتب عنه من خدمات ودعم مباشر وغير مباشر للجماعة الحوثية، ولكن أيضاً من منظور خطره الاجتماعي وما يولده من تضاد وصراع بين قيم الفرد ومبادئه الشاذة، مع قيم ومبادئ المجتمع، والمصالح الخاصة مع المصالح العامة، والتناقض بين حقوق الفرد ومصالحه وحريته الشخصية مع واجباته الوطنية الاجتماعية ومصالح وحريات بقية أفراد المجتمع، واستشرى مثل هكذا سلوك غير وطني، يدمر وحدة النسيج الاجتماعي الوطني وقيمه الأخلاقية ويجعل المجتمع أكثر قابلية للتفكك والتباعد، وأقل تلاحماً وتوافقاً في الدفاع عن مصالحه الوطنية العليا والسمو بها إلى درجة الواجب الديني.
كلما اتسع نطاق الفتنة وتعددت وسائلها وطال أمدها الزمني، وتعقدت مسالكها وأحداثها وتداخلت قواها، وزادت مواردها المادية من مصادر مشبوهه فإن طابور المتمصلحين والمتاجرين المرابين بهذه الفتنة غالباً ما يزداد تعداده وتتمدد شبكة مصالحه وتتضاعف مكاسبه، الأمر الذي يقود إلى توسع قاعدته الاجتماعية وسط الشرائح الاجتماعية الفقيرة العاطلة عن العمل والمتخلفة في علاقاتها وبنيتها السياسية الاجتماعية والثقافية، وتعاني الكثير من القصور في انتمائها ومشاعرها الوطنية.. في الغالب العام تكون الروافد الاجتماعية لهذا الطابور من المنتفعين، من أوساط الشرائح الاجتماعية التي تعاني من الجهل وتفشي الأمية وتتسم بضعف القيم الدينية والمعايير الأخلاقية وانعدام الشعور بالمسؤولية الوطنية والمصالح العامة وغيرها من السجايا الذاتية السلبية التي تجعلها تتعاطى مع إشكالات الواقع وأحداثه وفق قناعات ورؤى تحكمها وتتحكم بها مصالحهم الذاتية.
هذا الطابور المتنامي وفر للمتمردين الحوثيين الكثير من الدعم والخدمات المادية والسياسية والعسكرية اللوجستية والإعلامية والدعائية وسهل نشاطها وسط بعض الشرائح الاجتماعية القبلية ومنحها المزيد من مصادر الحياة والقوة والبقاء، وساهم إلى حد كبير في تطوير بنيتها العسكرية والسياسية، وكذلك تطور أساليب ووسائل تكتيكاتها واتساع نطاق تطلعاتها وأهدافها، بالتزامن مع تحور خطابها السياسي الإعلامي ليغدو في مضامينه ومفرداته أكثر خطورة وأكثر فاعلية في تدليس وتزييف الحقائق وتظليل الرأي العام المحلي والأجنبي، ويغدو أكثر قدرة على مواكبة المتغيرات التي حصلت في طبيعة القاعدة الاجتماعية والسياسية المنتفعة من هذه الفتنة بشكل مباشر أو غير مباشر، ومستوعباً المصالح الآنية والحسابات الخاصة للأطراف غير الحوثية التي أضحت اليوم شريكة بشكل واعي وغير واعي في صناعة هذه الفتنة واستمرارها.
ما من شك أن إستشراء الفعل والنشاط السلبي واتساع مصالح ونفوذ هذا الطابور من المتمصلحين والمنتفعين وتجار الحروب وممتهني الدعارة السياسية، سيغدو أشد خطراً من العصابة الحوثية ذاتها التي تمترست في كهوف جبال صعدة، وأعلنت الحرب ضد الوطن والمجتمع في سبيل اهداف ومشاريع ماضوية مستوردة من خارج إطار التاريخ، تسعى لإعادة إنتاجها في واقع اليوم، في محاولة يائسة لكبح مسار التطور وإعادة عجلة التاريخ إلى عهود الإمامة والكهنوت بكل مساوئها وويلاتها وتاريخها الأسود.
هذه العصابة التي وضعت نفسها في اتجاه معاكس لمجرى تطور التاريخ وقوانينه الحتمية، أضحت اليوم مكشوفة وعارية أمام الوطن والشعب ومنبوذة من قبل الجميع، ولا تستطيع أن تغادر العصور الوسطى وثقافتها الرجعية وهو ما يجعل خطرها محدوداً وضمن إطار جغرافي واجتماعي ضيق، وعلى العكس من ذلك هذا الطابور المتفشي داخل نسيج المجتمع باختلاف شرائحه الجغرافية وأطيافه السياسية والاجتماعية، ويستخدم سلاح الديمقراطية في حروبه ضد المجتمع وإخفاء حقيقته ومشاريعه وأهدافه، الأمر الذي يضاعف من فاعليته وخطره غير المرئي الذي ينخر بصمت وسرية تامة في نسيج الوطن ووحدته وسلامه الاجتماعي، هذا الطابور يسخر اليوم ويوجه عن بعد لخدمة الفتنة الحوثية وإطالة أمدها وجعلها أكثر تكلفة بالنسبة للوطن والشعب.
في هذه العجالة لا يمكن أن نتجاهل العامل الخارجي ودوره الاستراتيجي الحاسم في صناعة العصابة الحوثية، وبالذات بعد أن تمت الإشارة إلى جملة من العناصر المحلية المكونة لفتنة الحوثية، وكذلك العوامل الموضوعية والشروط الذاتية التي تخلقت في رحمها حركة التمرد، وبالرغم من أهمية هذه العناصر كدوافع محرضة للخروج عن الشرعية الدستورية والنظام وإشعال فتيل الفتنة، وإضفاء الطابع والخصوصية المحلية على مظهرها الخارجي العام؛ إلاّ أن هذه العناصر ليست كافية وحدها من الناحية العملية لإنتاج حركة تمرد عسكرية بمثل هذا العزم وهذه القوة والقدرة على الاستمرارية.. وخلال ست حروب متتالية ضد الدولة في أقل من خمس سنوات ظهرت هذه العصابة بأن لها من القدرات والإمكانات والمهارات العسكرية والموارد المادية والامكانات اللوجستية العسكرية والأسلحة الحديثة ما يفوق قدرات الواقع الوطني وإمكاناته وموارده الداخلية لتمويل مثل هكذا تمرد مسلح، الأمر الذي يضع أكثر من تساؤل عن الجهات الخارجية الصانعة لهذه الحركة المتمردة وأهدافها من ذلك.
الحركة الحوثية مثل غيرها من حركات التمرد والإرهاب التي شهدتها العديد من بلدان العالم في مراحل تاريخيه مختلفة، وتمثل في طابعها العام وأهدافها إنتاج خارجي لا تقدر على صناعتها سوى دول أو منظمات إرهابية أو أجهزة استخباراتية محترفة تمتلك الامكانات اللازمة لذلك وقادرة في الوقت ذاته على التقاط اللحظة التاريخية والظروف المواتية وطنياً وإقليمياً ودولياً وتوظيفها المناسب لخدمة أجندتها السياسية وحروبها بالوكالة ضد الآخرين بواسطة مثل هكذا منظمات إرهابية وجماعات متمردة، يتم صناعتها في هذا البلد أو ذلك من خامات وعناصر أولية محلية وإعدادها وتجهيزها وتسويفها للرأي العام الداخلي والخارجي وفق معايير ومواصفات محلية دقيقة تؤهلها لآداء وظائف ومهام خاصة لخدمة مصالح وأهداف ومشاريع الصناع الحقيقيين لهذه الجماعة المتمردة، الذين يتولون مهام الإدارة والتخطيط والتوجيه والتمويل والتسليح.
* رئيس تحرير صحيفة 26سبتمبر اليمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.