منولوج داخلي.. تنطلق مسرعا من مكان لآخر، تعجل في خطواتك لا تلتفت يمينا ويسارا فأنت مستعجل دائما مستعجل ومشغول ولديك مليون مهمة تريد أن تنهيها في ثانية. خرجت من المعمل مسرعة بعد أن وضعت عينات مهمة في جهاز لأعود لها بعد نصف ساعة، لم يكن أمامي سوى نصف ساعة حتى أتناول شيئا من الطعام ثم أعود لأكمل التجربة وأحمل النتائج للمشرف على رسالة الدكتوراه، أسرعت داخل إحدى ردهات المستشفى الضيقة مع زميلة دراسة وأنا أنظر للساعة متأففة من البرد ومن المطر ومن الشمس الغائبة، تباطأت خطواتنا وذلك بسبب وجود ثلاث سيدات كبيرات في السن يمشين بهدوء تفرضه امكاناتهن الجسدية، وقفت إحداهن جانبا لتفسح لنا الطريق مبتسمة وهي تقول:" لماذا العجلة؟ انتظروا حتى تصبحن في سني لتتحول الدنيا إلى ساعات متكررة حركتها بطيئة" شاركناها الضحك خجلا من استعجالنا غير المبرر، وأكملنا طريقنا لنشتري ما نأكله ونعود للمعمل وإلى دائرة دنيانا الضيقة. حرصت ولأنني أعمل الآن في مكان يذكرني يوميا بتفاهة مشاكلنا الشخصية وحتى طموحاتنا التي نضيف لها شيئا من العظمة والتي تتضاءل أمام عشرات المرضى الذين أمر بهم في طريقي لمكتبي أو معملي، حرصت أن أعود نفسي أن لا أنظر يمينا أو يسارا ظنا مني أن عدم رؤياي للألم تنفي وجوده، لكن طريقتي هذه لم تنجح ولن تنجح، فكل ما حولك يحرص على أن يذكرك وينتشلك من أنانيتك وتقوقعك الداخلي. تهدأ خطواتي المسرعة غير المبالية خلف شيخ كبير يمشي بخطوات بطيئة في طريقه لإحدى العيادات، أو سيدة كبيرة على كرسي متحرك تدفعها عاملة منزلية تستوقفني لتسألني عن مكان العيادة أو الصيدلية وهي تناولني ورقة بيدها المخضبة بالحناء. نكبر.. كلنا نكبر، و نحن نحاول جاهدين أن نخفي علامات الكبر، نخفي الشيب، نتجاهل وجوده، نرجع التجاعيد لتعب أو إرهاق، نتحدث عن شباب القلب وعن مواجهة الحياة بابتسامة، ونتحدث عن تجديد اتصالنا بما حولنا. نقرأ عن انشغال الانسان بأسطورة "نافورة الشباب" لكن هذا الانسان الذي يحتفل بسنوات على وصوله للقمر وينشغل باختراعات تسبق عقلك وتعزلك عما حولك لا يستطيع القضاء على الشيب. لكن هل يختصر كبر السن بشعيرات بيضاء متناثرة هنا وهناك؟، لا أظن، فقد يحكي لكم أحدهم وهو يتناول فنجان الشاي عن "أيام زمان" وعن شبابه الذي مضى ويكمل حديثه بانكسار عن الذين رحلوا وتركوه وعن الدنيا التي تغيرت وعن زمن أصبح فيه غريبا. لماذا تبدو كلماتي غير مترابطة؟ لعل الفكرة ترفض أن تغادر ذهني، لذلك سأسألكم سؤالاً؛ ما هي الشيخوخة؟ ولماذا يحاربها الإنسان رغم أنها جزء من طبيعته، جزء من دورته الحياتية؟