إن الحوار الذي أجرته صحيفة السياسة الكويتية يوم السبت الماضي مع خادم الحرمين الشريفين، يرعاه الله، سوف تكون له انعكاساته الإيجابية على كافة الجوانب المتعلقة بالتنمية في المملكة وذلك بعد حالة الذعر والهلع التي انتابت كافة المشاركين في العملية الاقتصادية بعد أزمة الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة وما تبعها من ملحقات وتوابع اقتصادية. الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعار أسهم كافة الشركات المسجلة في سوق أوراقنا المالية وإصابة شريحة واسعة من المتعاملين معها بالخسائر الفادحة. وفي الحقيقة فإن تأكيد خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله على متانة اقتصادنا، وان خطة الخمس سنوات الإنمائية القادمة سوف تسير وفقاً لما هو مخطط لها وأن الإنفاق عليها ربما يصل إلى أكثر من 200 مليار دولار، من شأنها صب الماء البارد على رؤوس المتشائمين من أصحاب ومديري الشركات المتخوفين من حصول انكماش اقتصادي. فهذه الأموال التي سوف تنفق ستساهم ، إذا ما أضيفت لها المبالغ التي تم رصدها للميزانيات القادمة بكل ما فيها من مشاريع إنشائية وعمرانية وبنية تحتية، في خلق تيار من الطلب يزيد عدة مرات عن المبالغ التي سوف يخصصها القطاع الحكومي للتنمية- خصوصاً في ظل ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك لمجتمعنا الذي يضرب في هذا المضمار رقماً قياسياً- وهذا هو بالضبط ما نحتاجه لإعادة التوازن للاقتصاد الذي تأثرت السيولة فيه بالأزمة المالية العالمية. ان هذه الأجواء المتفائلة التي تركها الحوار سوف تساهم دون شك في اعادة الثقة لقطاع الأعمال، الذي أصابه التشاؤم. وهذا أمر على قد كبير من الأهمية. فقطاع الأعمال يساهم اليوم بما نسبته 29% من ناتجنا المحلي الإجمالي. وهذه النسبة ترتفع إلى أكثر من الضعف عندما نستثني قطاع النفط. ولذلك فإنه بمقدار ما يشعر القطاع الخاص بالاطمئنان بقدر ما سوف يتشجع على الاستثمار وزيادة مساهمته في الاقتصاد وتحقيق هذا الأخير معدلات النمو التي نطمح إليها. فالثقة بالمستقبل أمر مهم لقطاع الأعمال في أي مكان في العالم لتوسيع نشاطه. وذلك على العكس من حالة الترقب والخوف والحذر التي تؤدي إلى عزوف ذلك القطاع عن زيادة استثماراته. ولهذا فليس مصادفة، في ظل مثل هذه الظروف من عدم وضوح الرؤية، أن يدخل اقتصاد الولاياتالمتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان مرحلة الانكماش. الأمر الذي أثر على بقية بلدان العالم وأصابهم بالهلع- خصوصاً وأن الأطراف الثلاثة المشار إليها يعتبرون الشركاء التجاريين للغالبية العظمى من بلدان العالم كما هو عليه الحال معنا. من هنا فإن تأكيدات خادم الحرمين الشريفين، يرعاه الله، بأن الإنفاق الحكومي خلال خطة التنمية التاسعة (2009- 2014) سوف يتدفق كما هو مخطط له من شأنها بعث الطمأنينة إلى قلوب المستثمرين. فمثلما هو معروف فإن السياسة المالية التوسعية، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة كالتي نمر بها مع بقية بلدان العالم، لها تأثير إيجابي أكبر على تحريك الاقتصاد بالمقارنة مع السياسة النقدية. ولذلك رأينا الولاياتالمتحدة واليابان، اللذين يقترب سعر الفائدة فيهما من الصفر، وكذلك الاتحاد الأوروبي يغيرون فجأة قواعد اللعبة الاقتصادية، التي كانت مركز ثقلها في السابق يدور حول سعر الفائدة، ويتوجهون إلى ضخ الأموال الطائلة مباشرة إلى المفاصل الضعيفة في الاقتصاد. وعلى هذا الأساس فإنه قد يكون من المناسب بالنسبة لنا وبلدان مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من تجارب تلك البلدان الصناعية الرائدة لمساعدة الشركات الخاصة الخليجية على الخروج من حالة الانكفاء وربما التراجع التي يعيشها بعضها- وذلك بتخصيص جزء من الأموال المرصودة للإنفاق في خطط التنمية القادمة لتقديم القروض الميسرة للشركات التي أصابها الضرر جراء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. فهذا من شأنه توفير السيولة التي تحتاجها تلك الشركات لسداد الديون التي قد تكون لحقت بها وأصبحت تهدد، ليس فقط إمكانية توسيع نشاطها، وإنما بقائها أصلاً. فتعزيز المركز المالي للشركات الخليجية من شأنه أن يلعب دورا إيجابيا في تغير المشهد القاتم الذي تطل به علينا أسواق الأوراق المالية في المنطقة كل يوم. وهذا أمر مطلوب لتعزيز ثقة كافة المشاركين في العملية الاقتصادية بمستقبل اقتصاد دول مجلس التعاون وعكس حالة التشاؤم التي انتابتهم إلى تفاؤل.