بدء استقبال وثائق مقدمي خدمة إفطار الصائمين في رمضان بالحرمين    باكستان تدين اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال    رئيس الوزراء الصومالي يدين إعلان الكيان الإسرائيلي المحتل الاعتراف بأرض الصومال    "التجارة" تشهر ب 60 مواطنًا ومقيمًا لارتكابهم جرائم التستر التجاري    ترقية د.رانيا العطوي لمرتبة أستاذ مشارك بجامعة تبوك    أمانة القصيم تعزز الأجواء الشعبية بفعالية الطبخ الحي في حديقة إسكان بريدة    ديوان المظالم يطلق أول هاكاثون قضائي دعمًا للابتكار    ماذا يقفد آباء اليوم ؟!    جمعية فنون التصميم الداخلي تنطلق برؤية وطنية وأثر مستدام    الأهلي يُعلن عن قميصه الثالث    مشاركة فنية تلفت الأنظار… سعاد عسيري تحوّل ركن أحد المسارحة إلى حكاية بصرية في مهرجان جازان 2026    هدف النصر والهلال.. الخليج يفرض شروطه لرحيل مراد هوساوي    حقيقة انتقال روبن نيفيز إلى ريال مدريد    رحل إنسان التسامح .. ورجل الإصلاح ..    محافظ الدرب يستقبل رئيس جمعية زاد الخير ويستعرضان مبادرات حفظ النعمة    السماء أكثر زرقة وصفاء في الشتاء لهذا السبب    شاطئ نصف القمر بالظهران وجهة سياحية بحرية مثالية بخدمات متكاملة    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والامراء 2025    اختتام الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في نجران بمشاركة 40 دارساً ودارسة    الجزائر تعرب عن قلقها إزاء التطورات في المهرة وحضرموت وتدعو إلى الحوار    ناويا إينوي يحافظ على لقبه العالمي في ليلة الساموراي بمحمد عبده أرينا    إصابة خالد ناري بكسور في القفص الصدري بسبب حارس النصر    مسيرات الجيش تحدّ من تحركاته.. الدعم السريع يهاجم مناطق ب«الأبيض»    السعودية تعزز المنافسة العالمية.. تمكين ابتكارات ورواد مستقبل المعادن    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    ضمن جهودها لتعزيز الرقابة الصحية.. جولات رقابية لمراكز فحص العمالة الوافدة    الداخلية: ضبط 19 ألف مخالف    موجز    53 مليار ريال حجم الامتياز التجاري    دعا لتغليب صوت العقل والحكمة لإنهاء التصعيد باليمن.. وزير الدفاع: لا حل ل«القضية الجنوبية» إلا بالتوافق والحوار    315 صقرًا للمُلاك المحليين تتنافس بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الثالث    رواية تاريخية تبرز عناية الملك عبدالعزيز بالإبل    لطيفة تنتهي من تصوير «تسلملي»    الاتحاد يحسم مواجهة الشباب بثنائية    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. الجزائر والسودان يواجهان غينيا وبوركينا فاسو    الخارجية اليمنية: جهود السعودية مستمرة لحفظ الأمن    عصير يمزق معدة موظف روسي    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    51% إشغال مرافق الضيافة السياحية    الذهب والفضة أبرز الملاذات الآمنة في 2026    السديس يدشن أعمال اللجنة الاستشارية للغات والترجمة    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    الزيّ التراثي يجذب الأنظار في مهرجان جازان 2026    متى يكون فقدان الصوت خطيرا    تصعيد حضرموت: تحذير للتحالف وتحركات لاحتواء الانفلات الأمني    القبض على إثيوبيين في جازان لتهريبهم (108) كجم "قات"    رفض إفريقي وعربي لاعتراف إسرائيل بأرض الصومال    «صدى الوادي» يتجلى مع الطلاسي والتركي و«حقروص»    (117) دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الآخرة    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمرضى التصلب المتعدد في حفل "خيركم سابق"    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيز نيسين.. بين السخرية والنضال
نشر في الرياض يوم 28 - 02 - 2008


العنوان: آه منا... نحن المثقفون الجبناء.
المؤلف: عزيز نيسين.
ترجمة: أحمد سليمان الإبراهيم.
الناشر: دار زوربا - دمشق.
تاريخ النشر: 2006.
عدد الصفحات: 214صفحة.
سئل أمبيرتو إيكو يوماً أي منزلة تولي للسخرية كوسيلة للمعرفة؟ فأجاب: السخرية هي قبل كل شيء دليل على الكرامة، (الحياة فظاعة، لنترك لعبيدنا الحرص على أن يحيوها)، السخرية هي مادة متصنعة جداً لقول العكس كيلا نقول ما يقوله بالضبط كل الناس. لكن ربما هناك وظيفة أكثر عمقاً لهذه الصورة البلاغية. السخرية هي صورة غامضة تفترض معرفة الحقيقة كي تفهم أنك تسخر حين تقول عكس الحقيقة. إن السخرية صورة غامضة فهي إذن صعبة. إذا حدثت أحداً لا يعرف الحقيقة فليس بوسعه أن يدرك أنك تسخر. لكن إذا ارتبطت السخرية باستراتيجية أسلوبية متطورة جدا بحيث يستحيل عدم الإقرار بالسخرية فإن السخرية تصبح وسيلة باهرة للتركيز على الحقيقة ويمكن أن يصبح ذلك أكبر استراتيجية للإقناع..
عزيز نيسين كاتب تركي ساخر، قاصّ وروائي ويكتب الشعر والمقالة. وإضافة إلى هذا كله فهو ناشط سياسي يساري كثير المشاغبات للسلطات التركية على مدار سنين طويلة. خصوصاً في تلك الفترات التي يستلم فيها الجيش الحكم. امتد نشاط نيسين طيلة الفترة من الخمسينات إلى نهايات القرن العشرين. تخلل هذه الفترة الكثير من الاعتقالات والمطاردات ولكن في الأساس تخللها الكثير من الإنتاج. يعرف نيسين بغزارة إنتاجه ولا يفوت نيسين هنا أن يسخر من نفسه ومن الأحوال الصعبة التي يمرّ بها الكتاب في دول العالم الثالث مما يضطره للكثير من العمل المرهق والمضني، لكن نيسين يفتخر كثيراً أنه تحت هذه الظروف لا يخجل من مضمون أي عمل قدّمه حتى الآن. من خلال نيسين نعرف معنى كلام أمبيرتو إيكو فالسخرية عمل جاد جداً.
قراءة نيسين خصوصاً مقالاته وأبحاثه تكشف الكثير من الشبه بين ما يعانيه المثقف العربي والمثقف التركي وليس هذا بغريب فالثقافة الإسلامية وجزء كبير من التاريخ تجمع الطرفين. اليوم تبدو تركيا أحسن حالاً بمراحل من البلاد العربية، فهي تتمتع بنظام ديموقراطي أصبح راسخاً الآن ويتم تطبيقه بدرجات مقبولة. في المقابل تبقى التجربة الديموقراطية العربية تزداد بؤساً وتشويهاً وتتراجع بسرعة مخيفة. اليوم الجمهورية التركية تقترب من الاتحاد الأوروبي وتبدو بلداً منتعشاً واضح الرؤية والخطى. في المقابل تتخبط الدول العربية ويسيطر عليها الاستبداد ويبدو مستقبلها مظلماً مخيفاً. فنذير الحرب قريب منها والأوضاع الداخلية ملتهبة والأنظمة الحاكمة تبتعد كثيراً عن شعوبها كما تبتعد أيضاً عن أن تكون مقنعة وموثوق بها في النظام العالمي رغم رضاه المؤقت برأيي عنها.
هل تبدو تركيا بهذه الصورة الجميلة بالنسبة للمثقفين الأتراك؟ ليس هذا متوقعاً، فالمثقف الحقيقي دائم النقد ومنشغل باستمرار باكتشاف نقاط الضعف ويكمن دوره الأهم في توجيه كشافات الإضاءة على الثغرات والفجوات التي تجد دائماً من يغطيها ويسترها. نجد هنا أن عزيز نيسين يوجه نقداً للديموقراطية التركية، فهي بالأساس تجربة لم تأت كنتيجة لتراكم داخلي أنتجته الثقافة المحلية بل هي تجربة تم فرضها من السلطات العليا بعد تأسيس الجمهورية التركية بقيادة الجنرال مصطفى كمال أتاتورك. ينسب نيسين وجود الديمقراطية في بلده، في مقالة كتبها سنة 1964، إلى سببين الأول: التأثيرات الخارجية، والثاني: الإدارة العليا التي أرادت أن تواكب هذه التأثيرات، فأعطت أوامرها من الأعلى لتطبّق في القاعدة. يبدو أن هذا النقد للتجربة الديمقراطية التركية أثمر اليوم عن الواقع الحالي الأفضل بكثير عما كانت عليه تركيا في الستينات. وبرأيي أن تبادل السلطة في تركيا وعدم بقائها في يد واحدة لمدة طويلة أسهم في السلامة من الاستبداد. حتى في الفترات التي ينقلب فيها العسكر على الحكومات القائمة بحجة خروجها عن طريق الجمهورية العلمانية إلا أنها، أي مؤسسة الجيش، لم تستأثر بالسلطة وكانت تعدّ دائماً لانتخابات جديدة.
بين المثقف التركي والمثقف العربي
يرى عزيز نيسين أنه يمكن تحديد ثلاث صفات للمثقف التركي. أولاً: النظرة الضيقة وضيق الأفق. وباعتبار أن مهمة المثقف هي استشفاف المستقبل من خلال الاعتماد على معطيات الحاضر وإدراك هذا المستقبل وتنبيه الشعب إلى ذلك فإن المثقف التركي فشل في توقع أحداث مهمة جداً وهنا فهو يخفق في إحدى مهماته الرئيسة. هل نتحدث هنا عن المثقف العربي الذي برأيي، وهنا أتحدث عن الغالبية مع استثناء بعض العقول النيّرة، لم يفشل في توقع المستقبل فقط بل ساهم في رسم صورة مزيفة لهذا المستقبل. يكفي أن نستحضر أطروحات المثقفين العرب قبل هزيمة 67لنعرف مدى مفارقتهم للواقع وحجم التزييف الذي مارسوه.
الصفة الثانية للمثقف التركي باعتبار عزيز نيسين، هي أن الحقيقة هي ما يرونه أمام أعينهم فقط. وهذه مرتبطة بالأولى، أي بضيق الأفق فالإنسان ضيق الأفق لا يعي ضيق أفقه بل يعيش وهماً مضللاً بأنه يرى بعيداً وبوضوح، في هذا الحالة يصاب المثقف بالانغلاق و يقع في الدوغما "الوثوقية" وهنا بالذات يعتقد أن الحقيقة هي ما يراه أمام عينه فقط. الوثوقية تحجب الخيال وتحدّ النظر وما قيمة المثقف إن كان بهذه الصفات.
الصفة الثالثة كما يرى نيسين هي "الجبن" أي أن المثقفين الأتراك جبناء كونهم تخلّوا عن مهامهم "فالمثقف تقع على عاتقة في كل مرحلة، مهمة ما، تتناسب مع شروط تلك المرحلة. ولنفكر الآن فيما إذا كنّا نقوم بإنجاز المهام التي تقع على عاتقنا، وهل نسدد للشعب الدين الذي له بذمتنا؟! برأيي أن مهمة المثقف العربي اليوم أن ينقد ثقافته وفكره وذاته. أن يمارس النقد بجدية وشجاعة أن يواجه الأسئلة التي تضعه في العراء، الأسئلة المرعبة التي تتسبب في إحداث زلزلة فكرية لا يمكن للنهوض والتنوير إلا أن يمر بها. برأيي أن الشجاعة تكمن في القيام بهذه المهمة مع كل ما يترتب عليها من مقابل لا بد من دفعه.
حرية الصحافة
في الثمانينات طرحت في تركيا قضية حرية الصحافة بعد سن قانون يقيّدها، في هذه الأجواء خرجت مطالبات بأن تراقب الصحافة نفسها. يقول نيسين "وأي صحافة هذه التي يطلب منها طلب كهذا؟ صحافتنا؟! التي لا يوجد فيها أو عليها إلا الرقباء، فصاحب الصحيفة رقيب والزبائن الذين يقدمون الإعلانات للصحيفة رقباء والمصارف التي تقدم القروض تراقب والشرطة تراقب والمدعي العام يراقب وحالة الطوارئ تراقب والحكومة تراقب ولجنة تنفيذ القوانين تراقب.. أَكُل هؤلاء الرقباء لم يكفّوا ليطلب من الصحافة التي تراقب نفسها بنفسها.. قليلاً من العدل هو كل ما نطلبه منكم..." أقرأ هذا الكلام عن تركيا في الثمانينات وأتذكر حال الإعلام العربي اليوم، خصوصاً بعد ميثاق الشرف الذي اتفق عليه وزراء الإعلام العرب. هذا الميثاق لم يأت لتأكيد حرية التعبير والإعلام ولكنه جاء في الاتجاه المقابل، اتجاه التحذير من الحرية "المفلتة" ووضع المزيد من القيود رغم الأغلال المحيطة حالياً بالتعبير والفكر العربي.
كتّاب في كل التخصصات!!
من الملاحظ في كتابنا الصحفيين أن هناك كتاباً يكتبون في كل التخصصات، في الفكر والسياسة والفن والاقتصاد والاجتماع وغيرها من التخصصات. لكن يبدو أن هذه الملاحظة لا تخصنا نحن فقط بل هي موجودة في تركيا وتحدث عنها نيسين وفسرها تفسيراً أعجبني. يقول نيسين "أكبر خطأ ارتكبته. خطأ لا يمكن العودة أو التراجع عنه، وهذا الخطأ لم أرتكبه بمفردي بل ارتكبه كل الكتاب من أبناء جيلي. وأما الكتاب الذين أتوا بعدنا فهم مدينون بكل ما حققوه من نجاح لهذا الخطأ الذي ارتكبناه. ويتلخص هذا الخطأ في ركضنا في كل الاتجاهات أو بالأحرى اضطرارنا إلى ذلك، فتنقلنا بين الاقتصاد والسياسة وكافة صنوف الأدب.. الخ، وفي الحقيقة أن ما فعلناه لم يكن صحيحاً ولكننا فعلناه، وبذلك لم نحقق شيئاً على أتم وجه، بيد أننا لم نلج إلى كل هذه الاختصاصات بإرادة خالصة منّا، إذ أن شروط المجتمع الذي عشنا فيه كانت تتطلب منّا ذلك. فلقد كان وضعنا أشبه ما يكون بركاب سفينة رأوا ثقباً في منتصف السفينة وبدأ يتسرب الماء منه، فحتى عازف الكمان الذي يعزف في صالة السفينة، ترك كمانه وركض باتجاه الثقب.. وكم كانت الثقوب كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.