تمثل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، محطة إستراتيجية في مسيرة التحول الاقتصادي والتنموي الطموح الذي تشهده وستشهده المملكة. وتأتي الاتفاقيات النوعية في مجال الذكاء الاصطناعي، التي جرى توقيعها خلال الزيارة، لتُشكّل دافعاً قوياً نحو تحقيق إستراتيجية التقنية الحيوية التي أطلقها سمو ولي العهد، والتي تُعد إحدى الركائز الأساسية لتحقيق «رؤية المملكة 2030» تعد إستراتيجية التقنية الحيوية، التي تهدف إلى جعل المملكة مركزاً إقليمياً وعالمياً رائداً في مجالات الرعاية الصحية والابتكار الدوائي والجينوم والزراعة المتقدمة، الشريك الأمثل لمنظومة ثورة الذكاء الاصطناعي. إذ يوفر الذكاء الاصطناعي الأدوات اللازمة لمعالجة التحدي الأكبر في هذا القطاع من خلال التعامل مع الكم الهائل من البيانات المعقدة واختصار المدة الزمنية بنسبة قد تصل إلى النصف، وذلك من خلال قدرة الذكاء الاصطناعي الفائقة «على سبيل المثال» على تحليل البيانات الجينية والبروتينية والتنبؤ بسلوك الجزيئات، كم أظهرت العديد من الدراسات العلمية والأبحاث المنشورة في المجلات الدورية المرموقة مثل مجلة «نيتشر». وفي هذا الإطار، فإن الشراكات الإستراتيجية مع كبرى الشركات والمؤسسات البحثية الأمريكية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ستُمكّن المملكة من تعزيز قدراتها في مجالات حيوية متعددة. ففي القطاع الصحي، سيدعم الذكاء الاصطناعي جهود الباحثين في الجامعات والمدن والمستشفيات التخصصية، من اكتشاف أدوية جديدة وتطوير لقاحات أكثر فاعلية، كما سيساعد في تحليل البيانات الضخمة الناتجة عن مشروع الجينوم السعودي الطموح، تمهيداً للانتقال إلى عصر «الطب الشخصي» حيثُ تكون العلاجات مصممة بناءً على الخريطة الجينية لكل فرد. ولا تقتصر الفوائد على القطاع الصحي فحسب، بل تمتد إلى مجال الأمن الغذائي والزراعة، حيث سيسهم الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات التربة والمناخ والجينات النباتية، مما يُساعد في تطوير محاصيل قادرة على مقاومة الجفاف والآفات، ويزيد من كفاءة الإنتاجية مما ينعكس على تعزيز للسيادة الوطنية والأمن القومي في المجالين الصحي والغذائي. من وراء كل هذه التطبيقات التقنية المتقدمة، يبرز أيضاً البعد الإستراتيجي الأعمق، والمتمثل في بناء اقتصاد معرفي مستدام يهدف ليس فقط إلى استيراد التقنية، بل إلى توطينها ونقل المعرفة، وبناء الكفاءات المحلية الشابة في مجالات المستقبل. وهو ما يتوافق تماماً مع أهداف رؤية 2030 الرامية إلى تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل نوعية للشباب السعودي. إن زيارة ولي العهد إلى أمريكا واتفاقيات الذكاء الاصطناعي التي رافقتها، ليستا مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل هي خطوة محسوبة بدقة ضمن رؤية شاملة تضع المملكة في مقدمة دول العالم، من خلال هذا التكامل الإستراتيجي بين ثورة الذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية، حيث تُؤكد المملكة مجدداً عزمها على أن تكون لاعباً رئيسياً في قيادة ثورة الصناعة الرابعة، محققةً بذلك توجيهات قيادتنا الرشيدة لريادة مجالات المستقبل.