عند كل سقوط أو خسارة أو خيبة تتصاعد أبخرة الحسرة، ويتكرر السؤال الأزلي ماذا لو لم نفعل؟ وماذا لو عاد الزمن؟ وماذا لو اتخذنا القرار الصائب؟ نتساءل رغم يقيننا بهشاشة السؤال، ومرارة المواجهة، وقناعتنا الداخلية بأنه لا شيء يعود، ولكن النفس البشرية جُبلت على رفض الهزيمة، والتي تعتبر في علم الأنثروبولوجيا انخفاضاً كبيراً في موارد الشخص النفسية، أو الرمزية، أو المادية، والتي تؤدي به إلى البحث عن النجاة حتى لو في المواضع المستحيلة، فالطبيعة الإنسانية تبحث عن الكمال والطمأنينة في عالم لا يمنحهما بسهولة، (ماذا لو؟) هي بابٌ صغير لاحتمالاتٍ لا تنتهي، وربما هي استدعاءٌ لمزيدٍ من الخسارات، (ماذا لو؟) أمنياتٌ هزيلة لاسترداد ما لا يعود، وجمعٌ باهت للأشياء المفقودة، فنحن نلوم أنفسنا على قراراتنا الخاطئة ونضع لها البدائل، والحجج والخيارات، ولكن في الواقع لو عاد بنا الزمن سنتخذ القرارات ذاتها لأنها كانت صائبة في حينها، فهي لم تكن سوى نتيجة للمعطيات التي كانت بين أيدينا، نتيجة للخيارات المحدودة، والاعتقادات الممكنة، لن يتغير شيء، بل سيكون الاختيار ذاته، (لو) لن تنقذنا، ولن تشرع نافذة جديدة، ولن تعيد صياغة الحكاية، فنحن لا نعرف ماذا سيحدث من الأساس لأن الغيب علمه محجوب، والعثرات موجودة منذ أصل خلقة الإنسان، ولكن الشعور بالعجز يستدعي تلك الكلمة الضَّارة في نظري، فنحن نستحضرها عند كل كبوة، لتوقظ فينا خوفنا، وحدودنا، ورغبتنا في العودة إلى الوراء، لذا لا ينبغي أن نعيش أسرى لفكرة (ماذا لو؟) بل نتيقن بأن قراراتنا هي الطريق الذي وصلنا من خلاله إلى وعينا الحالي، وحتى وإن كانت خاطئة، ولكن بالمجمل ستبقى كعلامة فارقة لأنها شكلت منعطفات حقيقية في حياتنا وزادتنا صلابة، فالحياة لم تكن يومًا معادلة حسابية، بل هي مزيج من الظروف والعواصف والصدف، فكرة (لو) فكرة مغرية وجميلة وآسرة، لكنها تظل وهمًا وفكرة سرابية، لأن الحياة لا تعاد أبدًا. نجوى العمري