يعد الاستهلال في الرواية عامل جذب، وموطن قوة، وجزءا مهما في بناء النص الروائي، حيث يُعتبر عتبة أولى للأحداث، ومقدمة للحبكة السردية، ومنظم للإيقاع الروائي، كما أن له دورا في تحفيز القارئ وتشويقه، وأيضًا فسحة للتأمل والتفكير، خاصة لو لم يكن مباشرًا وكان يحمل رمزية جميلة، لأنه يهيئ الطريق للقارئ ويمهده، ويدَرِّج له الأحداث، لذا لا بد أن يتصف الاستهلال بالجودة والبراعة والإتقان في الجانب اللغوي والفني والفكري، ولا بد أن يتصف بالتوازن أيضًا وذلك حتى لا يصاب العمل الروائي بالخلل، فالقارئ ينتظر قصة، لذلك يريد بداية جيدة تقوده إلى الأحداث، ويعتبر النقاد أن الاستهلال إعلان عن هوية النص، وأنه دلالة على بصمة الكاتب، وأنه أحد عناصر النص السردي، وللاستهلال الروائي أنواع متعددة وكثيرة، فمنها الاستهلال الوصفي الذي يركز على الوصف، والاستهلال الزمكاني المعتمد على المكان والزمان، والاستهلال المشهدي الذي يُشعر القارئ بأنه وسط المشهد، والاستهلال الميتاسردي المتضمن على إشارات من الراوي حول طبيعة الرواية، وهناك أيضًا الاستهلال المبني على تقديم الشخصيات، والاستهلال الاجناسي المرتبط بأنواع معينة في السرد، والاستهلال ذو البنية المحورية الذي يبدأ بحدث مهم ومحوري، ويُعد تنوع الاستهلال في الروايات الجيدة دلالة على أنه ليس هناك قواعد محددة لكتابته، بل تعتمد على الروائي الذي بلا شك يجد صعوبة في الاستهلال فهو يسعى لأن يكون قويًا ويترك أثره في الذاكرة، والاستهلال لا يقتصر على البداية فقط، بل هناك استهلال جزئي يكون في بداية الفصول وهو مهم لتهيئة القارئ لمناخ جديد ومشهد مغاير، وأيضًا لإبراز تنوع الأصوات، كما أنه يحمل صورًا رمزية لكل فصل، وبالتالي تنظيم حركة الرواية، وقد أجمع النقاد العرب والغرب على أن الاستهلال يجذب القارئ، ويعطي أفقا للأحداث، وأنه يحتوي على دلالة مركزية تمثل فكرة الرواية.