تبرع سمو ولي العهد -حفظه الله- في انطلاقة الحملة السنوية السعودية للتبرع بالدم، بادرة إنسانية سامية تعكس العمق الإنساني لقيادتنا الرشيدة، وهذه الخطوة المباركة تحمل أبعادًا متعددة: دينية، وتكافلية مجتمعية، وقانونية، وصحية، وأخلاقية، ووطنية تجعل منها نموذجًا ملهمًا على عدة صعد. على الصعيد القانوني، إن حق الرعاية الصحية وحق الحياة التي تكفلها الأنظمة السعودية هي واقعاً نعيشه في المملكة العربية السعودية، ولله الحمد. فالحاجة إلى الدم مستمرة لتلبية احتياجات مصابي الحوادث المرورية ومرضى العمليات الجراحية والسرطان والأمراض الوراثية كفقر الدم المنجلي والثلاسيميا، وعادة تواجه المجتمعات المعاصرة تحديًا متزايدًا في تأمين إمدادات كافية من الدم مما يعرض حياة رعاياها للخطر، ولكن هذه المبادرة السامية تؤكد على مبدأ الحق في الرعاية الصحية، وتترجم التزام مملكتنا الغالية ببناء منظومة صحية تعكس معاني الرحمة والتكافل وتجسّد أن قيادة هذا الوطن الغالي تقود بالفعل قبل القول. وتشير الدراسات إلى أن كل تبرع يمكن أن ينقذ حياة ثلاثة أشخاص، مما يجعل التبرع مسؤولية وطنية تتجاوز حدود الفرد لتصبح دعامة من دعائم الأمن الصحي، وتجعل كل متبرع جزءًا من منظومة حياة متكاملة، هذه المبادرة الكريمة تعكس قيم التكافل الوطني، وتعزز ثقافة العطاء في المجتمع، وتغرس في وجدان المجتمع أن إنقاذ الأرواح ليس واجبًا طبيًا فحسب بل رسالة وطنية ودينية وأخلاقية، والأنظمة في المملكة في ظل التحول الصحي تعمل على رفع نسبة التبرع الطوعي لتصل إلى 100 % من إجمالي المتبرعين مما يضمن الاكتفاء الذاتي من الدم ومكوناته، وبالتالي يرفع من كفاءة النظام الصحي بعيداً عن أي ممارسات غير نظامية لا تكرم الإنسان كالتبرع الإجباري أو التجاري، وهذا متناغم مع أهداف رؤية 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية وتهدف إلى بناء مجتمع حيوي يتمتع أفراده برعاية صحية متكاملة. والإسلام جعل حفظ النفس مقصدًا عظيمًا من مقاصد الشريعة وقول الله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}، حقيقة تتجسد في كل قطرة دم تهب مريضًا حياة جديدة، فالتبرع بالدم ليس مجرد إجراء طبي بل صدقة جارية تعطي المريض فرصة جديدة للحياة وترسم البسمة على وجوه أسر كاملة، فكل وحدة دم قد تُنقذ مريضًا ينزف على طاولة العمليات أو طفلًا يقاوم مرضًا وراثيًا أو أمًا تصارع مضاعفات الولادة، إنها ليست مجرد قطرات بل رسالة أمل تُكتب وتجسيد لرؤية وطن يضع الإنسان أولًا، ولأن العطاء قيمة متجذرة في القيادة والشعب على حد سواء ففي عام 2024 تجاوز عدد المتبرعين بالدم في المملكة أكثر من 800 ألف متبرع، إنها صورة صادقة للتكافل الذي يميز المجتمع السعودي العظيم المعطاء، ويعكس وعيًا صحيًا متناميًا، ومشاركة فعالة في تعزيز أمن الإمدادات الطبية والذي بدوره يدعم النظام الصحي الوطني، ويخفف الضغط عن بنوك الدم ويجعل المملكة أكثر استعدادًا لمواجهة الأزمات الصحية والطوارئ حفظ الله بلادنا منها، ومن فضل الله أن التبرع بالدم ليس عطاءً للمريض فحسب بل أيضًا فائدة صحية للمتبرع نفسه إذ تُظهر الدراسات أن التبرع المنتظم يحسّن الدورة الدموية ويحفّز إنتاج خلايا دم جديدة. تبرع سمو ولي العهد -حفظه الله- بالدم ليست مجرد بادرة صحية بل تجسيد للقيادة بالقدوة، وكما قاد سموه مبادرات إنسانية أخرى كالتسجيل في برنامج التبرع بالأعضاء وتلقي اللقاحات، يأتي اليوم القائد القدوة ليؤكد أن الصحة مسؤولية جماعية وأولوية وطنية، وأن التبرع بالدم مشروع وطني يصنع وطنًا أكثر صحة وإنسانية، وثقافة وطنية راسخة لا موسمية، وخطوة مهمة في مسار رؤية السعودية 2030 التي تضع صحة الإنسان في مقدمة الأولويات، وتهدف إلى تعزيز جودة الحياة وبناء مجتمع حيوي متكافل وصناعة وطن يفتخر بقيمه الإنسانية بقدر ما يفاخر بإنجازاته التنموية. إنها دعوة مفتوحة للجميع ليكونوا شركاء في بناء وطن أكثر صحة وتكافلاً، وأن يجعلوا من التبرع بالدم عادة حضارية تعكس وعيًا وطنيًا ودينيًا وقانونياً وصحياً رفيعًا. *أول سعودية مختصة في القانون الطبي وأخلاقيات الطب