تشهد مختلف المدن انتشارًا لبعض المقاهي المعروفة اصطلاحًا ب"اللاونجات"، والتي تثار حولها انتقادات حادة بسبب ما يُلاحظ فيها من سلوكيات سلبية تتم تحت ستار الإضاءة الخافتة والزجاج المعتم، وهذه الأجواء المظلمة حولت تلك الأماكن إلى مواقع مشبوهة، مما زاد المطالبات بتشديد الرقابة وفرض ضوابط صارمة على تشغيلها. ومؤخرًا أسفرت جولة تفتيشية نفذتها أمانة منطقة الرياض عن ضبط 26 مخالفة صحية متنوعة في عدد من محال تقديم المشروبات بمدينة الرياض، كما انتهت الحملة بإغلاق منشأتين شكلت مخالفاتهما خطرًا على الصحة العامة، بعد تلقي عدة بلاغات من المواطنين عن تلك المخالفات. تجاوزات واسعة وكشفت الفرق الرقابية عن طيف واسع من التجاوزات التي تهدد سلامة المستهلكين، من أبرز هذه المخالفات سوء حفظ وتخزين المواد الغذائية والمشروبات وتداولها بطرق غير صحية، بالإضافة إلى عرض واستخدام لحوم فاسدة عليها علامات التلف، كما رُصد تدنٍّ كبير في مستوى النظافة سواء في نظافة العاملين الشخصية أو نظافة أماكن تحضير الأطعمة والمشروبات، إلى جانب انتشار الآفات والحشرات الحية والميتة داخل بعض تلك المنشآت. ولم تخلُ الجولة من ضبط عمالة تُشغِّل المنشآت دون تراخيص نظامية أو شهادات صحية، حيث تبيّن قيام بعض المحال بممارسة النشاط دون ترخيص وتشغيل موظفين بلا شهادات صحية سارية، وإمعانًا في المخالفة، وُجد أن بعض المنشآت التي سبق إغلاقها قامت بإعادة فتح أبوابها قبل انتهاء مدة الإغلاق النظامية. مخاطر بيئية وهيكلية ولم تقتصر التجاوزات على الجوانب الصحية فحسب، بل شملت أيضًا مخالفات بيئية وهيكلية، فقد لاحظ المفتشون عدم توفر تهوية أو إضاءة جيدة داخل بعض المقاهي، ما يضفي على أجوائها عتمة غير صحية، ويزيد هذا النقص في التهوية والإضاءة من صعوبة رقابة ما يجري داخلها، خاصة مع استخدام الزجاج المعتم الذي يحجب الرؤية من الخارج، كما سُجِّلت مخالفات تتعلق بسوء التخلص من النفايات لغياب حاويات مناسبة، ووجود تشققات في الأرضيات والجدران لبعض المواقع، إضافة إلى تسرب المياه من أجهزة التبريد والتسخين. ورصدت الحملة أيضًا استخدام أدوات وأوانٍ غير مطابقة للاشتراطات الصحية، فضلًا عن افتقار المعدات للصيانة اللازمة مما قد يقود إلى أعطال خطيرة، كل هذه الظروف مجتمعة تجعل بيئة تلك "اللاونجات" أرضًا خصبة للمخالفات، وتشكل تهديدًا للصحة العامة ولراحة ورواد تلك الأماكن. "اللاونجات".. مواقع غير صحية وأثارت الظاهرة المتنامية لما يسمى ب"اللاونجات" قلقًا تحت قبة مجلس الشورى، حيث نبّه مسؤولون إلى خطورة ترك هذه المقاهي تعمل دون ضوابط صارمة، وفي هذا السياق، حذّر عضو مجلس الشورى الدكتور يوسف بن طراد السعدون سابقًا من انتشار تلك المقاهي وصالات اللاونج ذات الزجاج المظلم في أنحاء الرياض، داعيًا إلى مراقبتها وضبط عملها قبل أن تستفحل المشكلة. ولفت السعدون إلى أن هذه المواقع انتشرت "في كل شارع تقريبًا، تحتضن خلف زجاجها المظلم شباب وشابات بأعمار الزهور، بعيدًا عن أعين الرقابة"، موضحًا أنّ أجواء تلك المقاهي تُغري روّادها من المراهقين بموسيقى صاخبة ودخان السجائر والمعسّل طوال اليوم، الأمر الذي -قد- يجعلها وفق آراء خبراء متخصصين، "بوابة لبعض أشكال الجريمة للمراهقين والمراهقات" إذا تُركت دون ضبط. ويشارك الكثير من المراقبين الدكتور السعدون مخاوفه من أن تتحول هذه الأماكن المغلقة إلى بيئة حاضنة للانحراف السلوكي والانزلاق الأخلاقي لدى النشء، مما يستدعي التعامل الحازم معها ومع مالكيها غير الملتزمين بالأنظمة. ولم تقتصر مخاوف الدكتور السعدون على الجانب الأمني والأخلاقي فحسب، بل تعدتها إلى تأثير هذه الظاهرة على ترابط الأسر والمجتمع، فقد أشار في مداخلة له تحت قبة الشورى إلى أن التحديات التي تواجهها الأسر في تربية أبنائها وبناتها تتنامى بشكل كبير. وبحسب السعدون، فإن إغفال مراقبة المقاهي واللاونجات وما يجري داخلها قد يعود سلبًا على جهود الأسرة في تقوية دعائمها وحماية أبنائها من التأثر بالسلوكيات المنحرفة. ولهذا جاءت تحذيراته شديدة اللهجة من مغبة استمرار هذا الوضع دون تدخل حازم، منبهًا إلى ضرورة ألا تكون الرغبة في الربح المادي على حساب القيم الصحية والاجتماعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواقع يرتادها شباب في مقتبل العمر قد لا تتوفر لديهم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ في مثل هذه الأجواء. قواعد صارمة وتشديد الرقابة وأمام هذه المعطيات، ارتفعت الأصوات المطالبة بوضع قواعد وضوابط صارمة لتنظيم عمل المقاهي واللاونجات والحد من انتشار تجاوزاتها، وقد طالب الدكتور يوسف السعدون تحديدًا بوضع إطار تنظيمي محكم يشمل تنظيم افتتاح وتشغيل وارتياد وأوقات عمل المقاهي واللاونجات، بالإضافة إلى مراقبتها المستمرة عن كثب، ويأتي هذا المطلب بالتعاون بين مجلس شؤون الأسرة والجهات الحكومية المعنية، بهدف سد الثغرات التي تتسلل منها تلك السلوكيات السلبية. وشدد السعدون على ضرورة تقنين أوقات عمل هذه المواقع وعدم تركها مفتوحة على مدار الساعة بدون قيود، بما يضمن حصر نشاطها في أوقات لا تتعارض مع واجبات الأسرة ومسؤولياتها تجاه أبنائها. كما أكد أن تشديد الرقابة الرسمية على هذه المقاهي سيصب في مصلحة تمكين الأسر من لمّ شملها وتقوية دعائمها عبر حماية الأبناء من التأثيرات الضارة، ففي رأيه ورأي الكثير من المراقبين، غياب التنظيم الصارم عن هذه الأنشطة الترفيهية قد ينعكس سلبًا على تماسك الأسرة والمجتمع، بينما سيساهم فرض النظام في الحفاظ على القيم الصحية والاجتماعية وفي تعزيز سلامة البيئة العامة. مطالبات بصرامة أكبر على اللاونجات