حث ديننا الحنيف على خصلة حميدة تزيد الود والمحبة بين الناس وتزرع الألفة والوئام بينهم، وتؤلف بين القلوب.. وأقصد بها "مراعاة المشاعر"، فمن المؤلم أنك تقوم بجرح مشاعر شخص ما في حياتك عن طريق إيذائه بالكلمات الجارحة. وأعتقد في نظري بأن الكلمة الطيبة تسعد النفس، وتزيل الملل، وتجعل الحياة لها معنى جميل، فاختر كلماتك بعناية قبل النطق بها لئلا تجرح مشاعر الآخرين. وأنا أرى بأنه ليس من الأدب أن تجرح مشاعر الناس بحجة أنك صريح، خاصة إذا كان الشخص من النوع الحساس، فالناس يختلفون في أحاسيسهم وتفكيرهم، ويختلفون أيضاً في درجة تقبلهم من هذه الكلمات، فلا بد من مراعاة هذا الجانب مع التعامل مع الناس، فمن السهل جداً جرح مشاعرهم ولكن من الصعب إزالة هذا الجرح الذي تسببت فيه. وقد ضرب نبي الله يوسف عليه السلام مثالاً رائعًا في مراعاته لمشاعر إخوته، وهو في عز السلطان والملك، وهم بين يديه محتاجون إليه قال الله تعالى: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾، فلم يذكر أذيتهم له بإلقائه في الجب (في البئر) نهائياً، وذكر أيضاً السبب هنا الشيطان ولم يذكر السبب المباشر في أذيته وهم إخوته؟ كل هذا احتراماً لمشاعر إخوته. تعجبني النفوس الراقية التي تحترم ذاتها وتحترم مشاعر الناس، تطلب بأدب وتشكر بذوق، وتعتذر بصدق. ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحديث بين اثنين إذا كان الحاضرون ثلاثة؛ مراعاة لشعور الثالث؛ فقال: (إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث)؛ صحيح البخاري. ولا بد من مراعاة مشاعر حتى من أخطأ، فقد جاء في الحديث بأن دخل أعرابي ومشى إلى زاوية المسجد فبال فقام الصحابة يريدون أن يضربوه، وأن يقعوا فيه فقال صلى الله عليه سلم: "دعوه" أي اتركوه حتى قضى بوله، ثم قال: "صبوا عليه دلواً من ماء"؛ هذا مسجد بيت الله، ما بُني لهذا فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إن هذه المساجد -أيها الأعرابي- لم تبنَ لهذا، إنما بنيت للصلاة وللذكر وللاعتكاف"، صحيح مسلم. وأعتقد بأن احترام مشاعر الآخرين فن يحتاج إلى المزيد من الخبرات في العلاقات الاجتماعية، فأكثر ما يؤلم الإنسان هو عدم احترام من حوله لمشاعره وأحاسيسه، خاصة من المقربين حوله. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام إذا بلغه عن الرجل الشيءُ المكروهُ لم يُصرِّح باسمه؛ ولكن يقول: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)؛ حفاظًا على مشاعره ولقبول نصيحته. ولا بد من الإشارة إلى أن احترامك لمشاعر الناس يكسبك محبتهم، ولا يفقدك قدرك واحترامك، وهكذا أيضًا الخادم في البيت، لا بد أن تراعي مشاعره ليس فقط كونه خادمًا أو كونها خادمة أو كونها تتلقى أجرًا يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو لقمتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه"، صحيح البخاري. وكشفت الريح يومًا عن ساقَي ابن مسعود رضي الله عنه فضحك القوم منه، فبادر النبي صلى الله عليه وسلم لتطييب نفسه وجبر مشاعره وخاطره، فأعلى شأنه وبيَّن مكانتَه عند ربِّه، فقال: (والذي نفسي بيده لهما أثقلُ في الميزان من أُحُد)؛ رواه الإمام أحمد، وكان عليه الصلاة والسلام يراعي مشاعر حتى الطفل، وما قصته مع إطالة السجود في إحدى الصلوات إلا بسبب ارتحال أحد الأطفال عليه قال:(فكرهت أن أعجله). ونقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يراعي مشاعر الأم من أجل طفلها، قال: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)، رواه البخاري ومسلم. وأخيراً.. إن مراعاة المشاعر ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي ضرورة لتحقيق التفاهم والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، وهي جانب مهم في التعاملات الإنسانية بين الناس.